56 % من أطفال الشوارع يسلّمون إيراداتهم إلى آخرين

لهؤلاء الذين انتُزعت منهم طفولتهم قصص وحكايات، يحملونها معهم إلى الشوارع حيث يلهثون وراء لقمة العيش. جرّهم «ظالم» إلى الطرق، فإذا بذئاب كاسرة تتحلق حولهم يومياً. يسمّونهم أطفال الشوارع، هؤلاء الذين تدوس على طفولتهم عجلات السيارات التي تمرّ بجانبهم. يتعاطى معهم سائقوها كأنهم شخص واحد إنما بأوجه عدّة: فهم المعنَّفون الذين لا قوت لهم إلا القليل القليل، ولا سقف لهم إلا اسمنت الجسور. هم من تغفل الدولة عن إيجاد حلول لأوضاعهم ومن تضيع أبسط حقوقهم بسبب عجز السياسات، فكانوا وما زالوا المنسيين الذين ينهش القدر أجسادهم الصغيرة، إلى أن تفي الدولة بالوعد الذي قطعته في تشرين الثاني 2013، بمعالجة أوضاعهم بحلول العام 2016، وذلك على غرار دول أخرى أقسمت القَسَمَ ذاته بعيد «المؤتمر العالمي لعمل الأطفال» (لاهاي 2010).

بناء على هذا القَسَمِ كلّفت وزارةُ العمل كُلًّا من «منظمة العمل الدولية» و «منظمة اليونيسف» و «جمعية إنقاذ الطفل الدولية» إجراء دراسة حول تلك الحالات، بهدف تقييم حجم وخصائص الأطفال الذين يعيشون ويعملون في الشوارع. وقد أطلقت الدراسة التي أعدّتها «مؤسسة البحوث والاستشارات» بعنوان: «الأطفال المتواجدون والعاملون في الشوارع في لبنان: خصائص وحجم» أمس، بحضور وزير العمل سجعان قزّي الذي اعتبر هؤلاء الأطفال «قنابل موقوتة» و «مشاريع إرهابيين»، معلناً عن تقديمه مشروع قانون لحماية هؤلاء الأطفال وخطة عمل سيطرحها على مجلس الوزراء للقضاء على هذه الآفة.
درست المؤسسة واقع الحال في ست مناطق لبنانية ريفية ومدينية، هي: حلبا، عبدة، طرابلس، شتورا، بيروت وصيدا، فوجدت أن نحو 1510 أطفال يعيشون ويعملون في شوارع أسمتها 18 محوراً ساخناً. تراوح أعمار نحو 52 في المئة منهم بين 10 و14 سنة. ويعمل 79 في المئة من مجمل الأطفال في بيروت وطرابلس. ويقيم نحو 51 في المئة منهم في العاصمة وضواحيها ومناطق مجاورة.

ولفتت الدراسة إلى أنه في شهر شباط سجّل شارع الحمراء أعلى تقدير لحجم الظاهرة بوجود 338 طفلاً فيه. ويمارس هؤلاء الأطفال أنشطة اقتصادية مختلفة، سجّل التسوّل أعلى نسبة من بينها: 43.2 في المئة، تبعه البيع على الطرقات: 37.2 في المئة. ليأتي بعدهما تلميع الأحذية: 6.5 في المئة، وتوفير الخدمات المختلفة: 5.6 في المئة، والعتالة: 3.7 في المئة، وتنظيف زجاج السيارات: 1.7 في المئة، وجمع النفايات: 0.9 في المئة، وقراءة الطالع: 0.8 في المئة، لتحلّ الدعارة في المرتبة الأخيرة بنسبة 0.2 في المئة. بينما شكّل الأطفال الرضّع بمرافقة الأم نسبة 0.2 في المئة من مجموع الأطفال.

وذكرت أن غالبية المتسوّلين هم من الذكور، أي 70 في المئة، مقابل 30 في المئة من الإناث. وفي ملاحظة جديرة بالاهتمام تبيّن لمعدّيها أن 3 حالات من أصل 4 حالات من الأطفال المنخرطين في عمليات النشل هم من الإناث. وأن 83 في المئة من نسبة الأنشطة غير المشروعة يمارسها الأطفال الإناث. مع الإشارة إلى أن 49 في المئة من مجمل الأطفال يعملون في الليل.

أرقام صادمة
أظهرت الدراسة التي شملت نحو 700 حالة أن 3 في المئة من الأطفال يعيشون في الشوارع بالمعنى الضيّق للكلمة، ويمكن اعتبار 46 في المئة من مجموعهم من دون مأوى، علماً أن لـ70 في المئة منهم والدَين على قيد الحياة، مقابل 4 في المئة فقدوا والدَيهم معاً.

وفي حين يعيش 80 في المئة ضمن أسرهم، يعيش 2 في المئة لوحدهم، و7 في المئة مع غرباء، بينما يقوم 7 في المئة من أطفال الشوارع بدور ربّ الأسرة.

إلى هذا، تبيّن أن 73 في المئة من هؤلاء الأطفال تعود أصولهم إلى سوريا، وأن 61 في المئة منهم أتوا إلى لبنان خلال الأعوام الثلاثة الماضية، و6 في المئة منهم ولدوا في لبنان. بينما يشكل اللبنانيون 10 في المئة من نسبة الأطفال، مقارنة بنحو 15 في المئة في العام 2004. وتراجع عدد أطفال الشوارع من الفلسطينيين ليشكل 8 في المئة.

وقد عددت الدراسة المخاطر التي يتعرّض لها أطفال الشوارع، فكان لرفع الأحمال الثقيلة أعلى نسبة أي 39 في المئة، في حين بلغ التعرّض لأشكال مختلفة من حوادث السير والمرور نسبة 30 في المئة. وأشار 29 في المئة من الأطفال إلى أنهم طوردوا واعتقلوا من جانب رجال الأمن والشرطة. ولفت 3 في المئة منهم إلى أنهم لا يتقاضون أجرهم اليومي بالكامل. أما نسبة الذين تعرضوا لاعتداء جنسي أو اغتصاب في مكان عملهم فتبلغ 6 في المئة.

من الأرقام الصادمة أيضاً أن نحو 50 في المئة من أطفال الشوارع ليس لديهم من يلجأون إليه للشكوى أو طلباً للحماية، علماً ان 56 في المئة منهم يسلّمون كامل إيراداتهم اليومية إلى آخرين، بينما يحتفظ 13 في المئة منهم بكامل إيراداتهم، في حين يتشاطر 31 في المئة منهم الغلّة مع آخرين.
إلى هذا أظهرت الدراسة أن 39 في المئة من الأطفال يعملون لوحدهم، وأن 26 في المئة ممن هم بين الخامسة والثامنة من العمر يعملون بدون مرافقة، بينما يعمل 54 في المئة من الإناث مع إخوانهن وأخواتهن، وأن 14 في المئة من الأطفال تخصص لهم مركبات لنقلهم من وإلى أماكن العمل.

ووجدت أن العمل في التسوّل أقل توريداً من الأعمال الأخرى التي يمتهنها الأطفال، إذ لا يتعدى أجرهم اليومي 9 دولارات، في حين يصل أجرهم اليومي من خلال ممارسة الدعارة إلى نحو 36 دولاراً.
وتبيّن أن 3 في المئة من الأطفال يدخنون الحشيشة، مقابل 2 في المئة اعترفوا أنهم يتعاطون أنواعاً أخرى من المخدرات و44 في المئة يدخنون السجائر.

أقرّ 15 في المئة منهم فقط بتعرّضهم إلى العنف الأسري، و4 في المئة إلى تعرّضهم لاعتداءات ذات طابع جنسي. وقد سبق لـ14 في المئة من أطفال الشوارع أن تمّ توقيفهم.

ويعاني نحو 41 في المئة من الأطفال من مشاكل صحيّة، اعتبرت الدراسة أنه يمكن معالجتها بتدخلات طبية أولية. وقد أظهرت أن 40 في المئة منهم لم يلتحقوا يوماً بالمدرسة.

إلى هذا، أشار المشرفون على الدراسة أن هناك أسباباً وعوامل عدة تؤدي إلى عمل الأطفال في الشوارع، أبرزها أربعة: التهميش أو الإقصاء المجتمعي، هشاشة الأوضاع الأسرية، تدفق النازحين السوريين بالإضافة إلى الجريمة المنظمة واستغلال الأطفال.

وقد ذيلت الدراسة بسلسلة توصيات تمحورت حول أربع ركائز أساسية هي: إنفاذ القوانين والتشريعات، إعادة دمج أطفال الشوارع في التعليم وتوفير الخدمات الأساسية لهم، التدخل على مستوى الأسر واتخاذ تدابير وقائية، بالإضافة إلى تعزيز التنسيق والتعاون تحت رعاية «اللجنة الوطنية لمكافحة عمل الأطفال».
(السفير)

 

السابق
قوة مؤللة معادية اجتازت الشريط التقني قبالة الوزاني ومشطت المنطقة
التالي
النوم بالجوارب يؤثر على الصحة