سعد الحريري يروّض العمائم

سعد الحريري
تمكّن رفيق الحريري من ترويض السنّة وفرض الاعتدال عبر العلم والفكر والقلم والدولة، والآن في زمن التطرّف يأتي نجله سعد الحريري ليروّض العمائم ويحفّزهم لاتباع منطق الإعتدال والحداثة والتنوع وقبول الآخر.

للسنّة في لبنان تاريخ طويل وعريض لا إمكانية لاختزاله أو تفنيده في مقال أو كتاب، وبالطبع فإن الحالة السنّية، التي قامت على توازنات المنطقة وحراكها، ظلت ملامسة للطريق النضالي الطويل وللقضية المركزية في صلب الصراع العربي الإسرائيلي.

ولكن، السنّية السياسية لم تكن حالة قائمة بذاتها، بل إعتمدت أفكاراً “شبه معلّبة” وسارت في ركاب المشاريع المتعددة، من المد الناصري إلى ياسر عرفات مروراً بحلقات رشيقة تخطت حدود الجغرافيا اللبنانية ولامست مفهوم الأمة بكل أبعادها.

ولم تكن السنّية السياسية، أيضاً، مشروعاً محلياً هادفاً، بقدر ما كانت تعبيراً صارخاً عن الشعور بفائض القوة وفائض القومية في محيط عربي يعّج بأفضل ما لديه، وبالتالي، لم يكن الإرتباط بالوطن موازياً أو حتى مُساوياً لعمق الإرتباط بالمشروع أو القضية.

ما تقدم، لا يعدو كونه توطئة ندخل عبرها لمقاربة “الحريرية” السياسية، وتحديداً، ما يتعلق بالمشروع والثوابت والرؤية، فصحيحٌ أن رفيق الحريري شارع في بناء الدولة الحديثة والمؤسسات الفاعلة مُسخّراً كل علاقاته الدولية والعربية لبناء لبنان وإزدهاره حجراً وبشراً و… إلخ، لكن الصحيح أيضاً، وهنا النقطة المركزية، أن رفيق الحريري استطاع نقل الطائفة السنّية من ضفة إلى أُخرى، ومن تاريخ إلى أخر، ومن أفكار مسمومة أو مشاريع معلّبة إلى فكرة الدولة ومشروع بناءها، رفيق الحريري إستطاع دمج جُل المجتمع السنّي مع مفهوم الدولة العصرية وعمّم في أروقته لغة الإعتدال ومنطق السلام والعيش المشترك، رفيق الحريري نجح في تغيير مجرى سير السنّة في حياته، ولذلك صدحت حناجرهم بعد رحيله، ولأول مرة في تاريخهم: لبنان أولاً.

بعد أن روّض رفيق الحريري السنّة وأدخلهم عصر النهضة عبر العلم والفكر والقلم والدولة، ها هو سعد الحريري يروّض العمائم في زمن داعش، لا ليدخلهم مدخلاً لا يليق بهم، أو ليخرجهم من بيئتهم الحاضنة، بل ليعزز معهم وعبرهم منطق الإعتدال والحداثة والتنوع وقبول الآخر.

نعم، لم يستطع أي زعيم مسلم على مستوى المنطقة، بل العالم، أن يفعل ما فعله سعد الحريري بالأمس، لقد جعل العمائم، كبار العمائم، تصفق للرائعة تانيا قسيس وهي تتمايل على إيقاع الموسيقى والحب، هو قال، عبر فعله هذا، أنا لست شعبوياً، أنا رجل دولة من الطراز الرفيع، أنا ابن رفيق الحريري.

علينا جميعاً أن ندرك بأن ما قدمه الرئيس الحريري وتياره السياسي بالأمس يخدم الإسلام والمسلمين أكثر بمليون مرة من بيان شيخ الأزهر الذي دعا فيه إلى القتل والصلب والتقطيع، وأن رسالة جمع كبار العمائم، جنباً إلى جنب، مع الدكتور سمير جعجع وتانيا قسيس وفرقة الــ “راب” وعددٌ لا ينتهي من المتناقضات، هي أشد وقعاً من التحالف الكوني بوجه داعش وأترابها.

هناك أشياء كثيرة، لا مجال لذكرها هنا، تستدعي نقداً بل جلداً ذاتياً، ولكن ما حدث في “البيال” أمس يستحق أن نرفع له القبعة وأن نندمج جميعاً في ركبه وأن نعلن بوضوح الإنتماء لهذه الرسالة الحضارية وما تحمله من إختلاف محمود وتنوع كياني يحاكي لبنان.. لبنان الرسالة.

السابق
مقتل 4 جنود سعوديين إثر تحطم مروحية عسكرية
التالي
44ألف فلسطيني نزحوا من سورية والقانون يعتبرهم سوّاح