سلام: لن أدعو مجلس الوزراء قبل التوافق على عدم التعطيل

اجتاز الرئيس تمام سلام السنة الاولى من عمر الحكومة كالأشهر الأحد عشر من مشاورات تأليفها، بالسير على حافة الهاوية متنقلاً بين مشكلة واخرى، يحاول ان يرضي هذا وذاك من الاطراف السياسية التي باتت تعضّ بكل نواجزها على مفاصل السلطة بعد شغور موقع رئاسة الجمهورية، وتتمسّك بمصالح متعددة وتتقاتل في ما بينها على أتفه سبب، بينما هو يسعى بهدوئه وصبره الى لملمة بقايا الدولة ومحاولة الخروج من الازمات المتوالدة الى برّ استقرار سياسي حقيقي، يعوّل عليه بالحوارات القائمة حيناً وبالضرب على الطاولة حيناً وبتدوير الزوايا ومحاولة إرضاء المتخاصمين غالباً، علّ القوى السياسية تفيء الى رشدها، لكن الظروف لا تزال تعاكسه لاسيما الخارجية منها، والتي بات لا يعوّل عليها في التوصل الى حلول داخلية.

وصل سلام الى الحائط المسدود في معالجة خلافات القوى السياسية التي تستغل مجلس الوزراء لتسجيل النقاط على بعضها، وتعطل الكثير من القرارات بحجج وأسباب لم يقتنع بها، فلم يجد بداً من تعليق جلسات مجلس الوزراء حتى إيجاد صيغة تفاهم ثابتة تتيح استمرار عمل مجلس الوزراء.
يختصر سلام لـ «السفير» مسيرة العام الاول من الحكم بالحسرة على فرص ضاعت كان يمكن أن تستغلها الحكومة من أجل إنجاز الكثير من الاستحقاقات. ويضيف: «لقد مرّ تشكيل الحكومة بمعاناة استمرت احد عشر شهراً وأخذت المعاناة مداها، لكن معاناة التأليف وضعتني في مكان آخر في مقاربة ادارة الحكم، خاصة بعد الشغور الرئاسي. التغيير كان حول ما يمكن أن أفعله ليعود على البلد بالخير وألا يتضرر البلد اكثر، وصرت بحكم المسؤولية على تماس مباشر مع الصراع بين القوى السياسية المختلفة في ما بينها، فصارت الصورة لدي أوضح وهي تتوضح كل يوم أكثر».
يقول في جردة تقييم للسنة الأولى من عمر الحكومة: «تشكلت الحكومة على اساس انها لوضع مؤقت لحين انتخاب رئيس للجمهورية ومن ثم إجراء الانتخابات النيابية، ومرت الاشهر ولم ينتخب الرئيس، ثم مدد المجلس النيابي لنفسه، وطالت حالة المؤقت. وبعد الشغورالرئاسي اتفقنا بعد مخاض عسير وتوقف جلسات مجلس الوزراء اكثر من مرة، على مبدأ التوافق في تسيير عمل الدولة، مع إني حذرت الجميع منذ البداية ان التوافق لا يعني التعطيل».
الحوار الداخلي مساعد
ويستدرك سلام: بـ «رغم ذلك حكومتنا أنجزت الكثير من الأمور لا سيما في المجال الأمني والتعيينات الادارية، وقد حرصت في اول جلسة لمجلس الوزراء وكذلك أول اجتماع للمجلس الأعلى للدفاع على طلب وضع خطة أمنية تضبط الأمن المتفلت لا سيما بعد موجة من التفجيرات الإرهابية، وقد كان ينقص القوى العسكرية والأمنية الدعم السياسي، فوفّرناه لها، وكان هناك قرار سياسي من فريق سياسي كبير ووازن بعدم توفير بيئة حاضنة للإرهاب، وأسهمت مواقف الرئيس سعد الحريري في مساعدتنا على ما وصلنا اليه من إنجازات أمنية في طرابلس والشمال ومن ثم في البقاع».
ويضيف: «اليوم نحن في أجواء حوار داخلي وانفتاح بين القوى السياسية تساعد على إنجاز المزيد، وأصبح البلد مستقراً الى حدود كبيرة، وهناك جهوزية عالية للقوى العسكرية والامنية وتم إحباط عدد من الاعمال الارهابية قبل وقوعها والكشف على الكثير من الجرائم بعد ساعات قليلة على وقوعها، وآخرها التفجير الإرهابي في جبل محسن».
الخارج يدعم الاستقرار.. ولكن
يؤكد سلام ان التواصل مع الخارج ضروري للمساعدة في حل مشكلات لبنان، خاصة في ظل الاوضاع المتفجرة إقليمياً، ويقول: «أدركت منذ اعطاء الضوء الاخضر لتأليف الحكومة أن هناك رغبة اقليمية ودولية في دعم استقرار لبنان، لكني وخلال جولاتي في الخارج لم ألمس وجود قرار دولي وإقليمي بإنقاذ لبنان من ازماته الداخلية، لا سيما ازمة الشغور الرئاسي. لذلك على كل صاحب ضمير أن ينهض بمسؤولياته ويسهل انتخاب الرئيس».
يرى سلام أن «القوى المسيحية بشكل خاص تتحمّل مسؤولية وعليها جميعاً ان تشارك في وضع الحل، والقوى المسيحية تحمل من جانبها ايضاً جزءاً من المعاناة الحاصلة على مستوى كل البلد والمنطقة، وهناك استهانة بالمصير. لننظر الى ما يحصل في المنطقة للمسيحيين، لكن في لبنان هناك تكريس للعيش المشترك الإسلامي – المسيحي الذي هو في جذور مكوّنات لبنان ونقيض للعنصرية الإسرائيلية، وإنقاذ لبنان هو مسؤولية كل الطوائف وليست هي مهمة المسيحيين فقط».
ويضيف رئيس الحكومة: «أن الدول التي تقول بحماية المسيحيين وتتمسّك بدورهم في المنطقة ولبنان، تتلهى الآن بمشكلاتها وبأمور أخرى، لمسنا ان فرنسا تحركت عبر الموفد جان فرنسوا جيرو لتسهيل انتخاب الرئيس، لكن الأمر يتطلب حركة اوسع واشمل من اوروبا واميركا وحتى روسيا لما لها من دور وازن دولياً. لكن نتيجة الظروف الإقليمية والدولية المعروفة يظهر أن هناك تخلياً دولياً عن مساعدتنا بإنجاز الاستحقاق الرئاسي، لذلك ارى انه في ظل الصراع بين فريقي 8 و14 آذار، هناك مكان لخيار إنقاذي آخر، حتى لا نقع في مشكلة أن هناك فريقاً انتصر وفريقاً انكسر، ولكن لو كان هذا الامر وارداً لما كنت انا رئيساً للحكومة بما امثل من وسطية، ولم تكن لتتشكل الحكومة».
لا بدّ من الرئيس الوسطي
تابع سلام: «لذلك نحن نحتاج رئيساً للجمهورية لا من هذا الفريق ولا من ذاك، وهناك اسماء عديدة محايدة يمكن التداول بها تساعد في عبور هذه المرحلة الصعبة. ومن الممكن التوافق على رئيس للجمهورية إذا وجدنا شخصية محايدة مقبولة من جميع الكتل النيابية».
ويقول: «لقد تشكلت الحكومة بقرار او تسهيل اقليمي ـــ دولي، ولا ارى مانعاً بحصول مثل هذا التوافق لاحقاً على انتخاب رئيس للجمهورية لنضع الامور في نصابها الصحيح. وفي ظل الخلاف بين 8 و14 آذار لا بديل الا الاتفاق والتوافق على شخصية وسطية، على غرار ما تم عند تكليفي تشكيل الحكومة بإجماع 124 نائباً لاني اتخذت موقفا وسطيا، بالرغم من أني أتيت بترشيح فريق سياسي، لكني عندما كلفت تشكيل الحكومة قلت للجميع انا لست من هذا الفريق ولا من ذاك الفريق وإني للجميع».
ولكن هل بالإمكان حصول إجماع 124 نائباً مرة اخرى على شخصية توافقية؟ يجيب سلام: «اذا كانت هناك شخصية لا تشكل تحدياً ولا تعطي انطباعاً ان فريقا انتصر وفريقا انكسر، فلم لا؟ هناك الكثير من الشخصيات المارونية المؤهلة لهذا الدور. الم يختاروا تمام سلام لأنه توافقي؟ لماذا لا يختارون رئيساً للجمهورية يكون توافقياً؟».
ويرى سلام ان هناك تقصيرا من الحكومة على مستوى تحقيق الانسجام ومعالجة الملفات الكبيرة، ويقول: «هناك نقاط ضعف في الحكومة، لكن بعض الوزراء يعمل على المستوى الفردي ضمن اختصاصه لمعالجة الكثير من الامور وتحقيق إنجازات في وزارته، لكن على المستوى العام الحكومة لم تعد تسجل إنجازات في ادارة البلاد وعلى مستوى المشاريع لتنهض بالبلد، خاصة ان الوضع الاجتماعي بات ثقيلاً جداً على المواطنين وزادته حدة مشكلة النازحين السوريين على المستويين الاجتماعي والتربوي والصحي، وهذا يحتاج الى حلول يفترض أن تقوم بها حكومة منسجمة قادرة تأخذ قرارات، لكننا نرى للأسف ان مشاريع الحلول تتوقف، حتى تلك التي أقرتها الحكومات السابقة، بسبب الخلافات والتباين حول أي مشروع».
وعن مسؤوليته في معالجة الانقسامات، يردّ سلام: «مسؤوليتي هي عدم ترك الأمور للوصول الى حد الانهيار، وبقدر ما يسمح لي الظرف بالمعالجة، لكن عندما أعجز ارفع الصوت وأعلن عن كل شيء وهذا ما هو حاصل اليوم، ولكنني آمل من الجميع ان يتجاوبوا».
ويقرّ سلام بأنه لا يقدر أن يستقيل حتى لا يتسبّب بشغور وفراغ على مستوى السلطة التنفيذية، أو أن يجمد مجلس الوزراء لفترة طويلة، ويقول: «انا أتعذّب.. ولكني أعاني أيضاً بين أن أتحمّل واحاول تسيير امور البلد وتخطي العرقلة، وبين تأخير انتخاب رئيس للجمهورية وكأنني اشارك باستمرار الشغور مع ما يرتبه من تراكم السلبيات اكثر. واخشى اذا استمر هذا الامر ان نصل الى وضع لا نحسد عليه على مستوى التشكيك في نظامنا الديموقراطي أو في جدواه».
آلية العمل: لا جديد
وحول مساعيه لمعالجة مشكلة التعطيل وآلية عمل الحكومة؟ يقول سلام: «بدأت مراجعة مع القوى السياسية في محاولة للتوصل إلى حل من داخل الحكومة يوقف هذا التعطيل، وهناك صيغة نتداول بها لا زالت غير واضحة ولم تستقر بعد، وإقرارها يحتاج الى مرونة من الجميع، لكننا لا يمكن ان نستمر على هذه الحال من التعطيل. لست نادماً على اعتماد الآلية الحالية، هناك ظروف فرضتها وهناك ظروف تفرض تغييرها أو تعديلها لأنها لم تساعد كثيراً. لكن الانقسام كبير في وجهات النظر والآراء عديدة والامور باتت معقدة بسبب التراكمات التي خلال الاشهر الماضية ولا تقتصر على مسألة واحدة مثل الخلاف على تعيين موظف او تمرير قرار، وكلما تمدد الشغور الرئاسي تصعب الامور اكثر، والمعادلة التي أسعى للتوصل اليها هي التوافق من دون تعطيل. وحتى نصل الى التوافق لن ادعو الى جلسة لمجلس الوزراء».
وعن علاقته بـ «تيار المستقبل» خاصة أن هناك من يقول ان تمام سلام هو خاضع لتأثيره في بعض القرارات، وماذا عن العلاقة مع «حزب الله»، يقول سلام: «هذا الامر تُسأل عنه القوى السياسية، الكل يعلم اني احاول الا اكون بموقع الطرف بل أنا بموقع الوسط، ولا أتخذ اي قرار او موقف يصبّ في مصلحة فريق ضد آخر».
ورداً على سؤال، نفى سلام بشدة حصول اي لقاء سري بينه وبين الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصر الله لا سابقاً ولا من مدة قريبة، وقال: «لا لقاءات سرية عندي لا مع السيد حسن ولا مع غيره، ومنذ تكليفي وتشكيل الحكومة حرصت على ألا أزور زعيم اي حزب سياسي الا الرئيس نبيه بري بصفته رئيساً للسلطة التشريعية للتنسيق في عمل السلطتين التشريعية والتنفيذية كما يقول الدستور».
ورداً على سؤال عن موقف الحكومة من مشروع قانون الانتخاب الذي أحالته الحكومة السابقة؟ قال سلام: «المشروع موجود في مجلس النواب، وهناك حاجة ملحّة لتفعيل المجلس النيابي من أجل إقرار المشاريع الملحة، ولكن هذا أيضاً يجب ان يتم بالتوافق في الملجس النيابي، وقانون الانتخاب يخضع لما تقرره القوى السياسية».
وعن آخر المساعي والمعطيات بشأن قضية العسكريين المخطوفين؟ يقول سلام: يبدو أن الخاطفين منشغلون حالياً بقضايا اخرى، وقد جمّدوا الموضوع فترة من جهتهم. وحتى الآن لا يمكننا الحديث عن معطيات جديدة مهمة تؤدي لحل الأزمة.

(السفير)

 

السابق
ما هي الدول المصدرة للدواعش عبر العالم؟
التالي
يسجن لأكثر من تسع سنوات.. وتهمته أكل الأفاعي !