انقلاب فاحتلال

اصدر الجيش الاول في يوم السابع من شهر شباط بيانا طلب من السكان المدنيين في مدينة الصنمين في شمال مدينة درعا، والمناطق المحيطة بها الابتعاد عن المواقع التابعة للنظام وحلفائه، ليتمكن من ضربها بعد 48 ساعة، كانت الحملة على مثلث دمشق – القنيطرة – درعا قد بدأت منذ ساعات، وبعد 24 ساعة بدأ الجيش الاول باستهداف المواقع العسكرية ووسع حملته في اليوم التالي.

بعدها بساعات، وبينما كانت العمليات العسكرية في مثلث دمشق – القنيطرة – درعا تنطلق بصخب كبير، ومواقع الحرس الثوري وحزب الله في نبع الفوار وتل الهوى شمال محافظتي درعا والقنيطرة، تشهد حركة هائلة من دفع للقوات المقاتلة الى جبهات المعارك، واعادة تشكيل بعض الوحدات، دخلت الى مواقع الجيش النظامي في الصنمين وحدات من الحرس الثوري الايراني وبعض الضباط من حزب الله اللبناني الى عدد من مواقع الجيش السوري، واهمها الفرقة التاسعة، واللواء 79 والامن العسكري.

جمع الايرانيون الضباط السوريين في بعض الاماكن، اختاروا بعضهم بناء على لوائح اسمية، استدعوا اخرين لمخاطبتهم، كانوا يختارون من بين القادة والضباط من سبق ان شارك في العمليات الحربية، ومن يثق به رجاله، ومن بدا عليه في المعارك بعض الرحمة بالمدنيين او وشى به زملاؤه بانه لا يبدي الشراسة الكافية في الاشتباكات او في احتلال المناطق الاهلة بالسكان، ومن شكوا بانه سرب معلومات الى الجيش الحر حول مواقع انتشار ومباني الوحدات العسكرية التي تعرضت للضرب ايام الثامن والتاسع والعاشر من شباط الحالي في حملة “كسر المخالب”.

لم يراع الايرانيون الرتب ولا المناطق التي ينحدرون منها او الطوائف المنتمين اليها، كان في اختيارهم شيء كثير من فرض القوة والزام الجانب السوري بالطاعة، كان فيه الشيء الكثير من استلام زمام الامور، كما يجري عادة حين تحتل دولة دولة اخرى، فيفرض جيش الاحتلال على القوات المحلية الالتزام والانضباط والموت بالشكل الذي يقرره جيش الاحتلال دون ان يحق لمن يخضع للاحتلال الصراخ او الاعتراض، بل يسمح له فقط بالتنفيذ.

اخذ الايرانيون معتقليهم من جيش النظام، واختفوا، ثم وصلت انباء الى القطعات العسكرية بان الضباط قد جرى اعدامهم على ايدي الحرس الثوري نظرا الى خيانتهم للـ”الوطن”، وان ضباطا اخرين قد تم تعيينهم من قبل الحرس الثوري، وطلب من الجميع العودة الى اعمالهم العسكرية فورا وتنفيذ اوامر غرف العمليات في المعارك الدائرة في شمال درعا والقنيطرة وجنوب دمشق.

اسماء الذين تم اعدامهم ميدانيا في الصنيمين بعد ساعات على الاعلان الاول، ووصفهم بشهداء الغدر في درعا.
هذه الحادثة التي وثقها الناشطون في الداخل، وارسلوا بصعوبة المعلومات حولها الى العاملين في الثورة خارج المناطق المحتلة، اكدتها صفحات الناشطين المؤيدين للنظام السوري، حيث اعلن موقع ميليشيات الدفاع الوطني على الفايسبووك عن اعدام 12 ضابطا سوريا فور تلقيه النباء يوم 13 شباط، ونعتهم بالخيانة. ثم ما لبث في اليوم التالي ان اعلن عن مقتل 19 ضابطا وتصفهم بانهم استشهدوا نتيجة الغدر والخيانة.

ومررت هذه الاعدامات رسالة واضحة الى كافة الوحدات السورية المقاتلة، بان امر الطاعة معقود للحرس الثوري، في نفس الوقت الذي انتشرت فيه صور الجنرال القائد السابق للحرس الثوري قاسم سليماني، وكتبت تعليقات عن وجوده في مناطق محاذية للمعارك في منطقة درعا.

بعدها بدأت ترد الاخبار عن مقتل عناصر حزب الله والحرس الثوري في المعارك الدائرة في تلول فاطمة، دير العدس وكفرشمس والهبارية ودناجي، ووقع عدد من المجموعات المشتركة ما بين حرس ثوري وحزب الله في كمائن للجيش الحر الذي لم يتمكن من الصمود في ظل كثافة النيران، بل انسحب وراح يخوض قتالا تراجعيا، وعلى الاقل ابيدت وحدتان من الحرس الثوري وحزب الله خلال اشتباكات مباشرة من مسافات قريبة.

اصبح السوريون اليوم يتعاملون مع واقع جديد، استفاقوا عليه بعد ان ناموا طويلا على وهم ان الحرس الثوري وحزب الله يساعدان النظام السوري للحفاظ على وجوده، واذ بهم يكتشفون جنودا وضباطا وقيادات سياسية ان الوجود الايراني واللبناني على اراضيهم قد تحول الى قوة احتلال تتمتع بالامرة الكاملة على طول التراب الوطني، وانها تفرض وجودها على الاصدقاء قبل الاعداء بالدم.

استفاق السوريون على هذا الواقع الجديد، واعلن الناطق الرسمي باسم الجبهة الجنوبية الرائد عصام الريس عبر وسائل الاعلام بان ما يحصل في سوريا هو مقاومة للاحتلال وعملية تحرير شعبية. وفي مقابله يصر بعض مؤيدي النظام على ان هذا الاحتلال هو لمساعدة الشعب السوري، ويعيدون ترتيب رواية اعدام ضباطهم لتصبح عملية استشهاد وليس اعدامات مخزية.

الجنرال قاسم سليماني في صورة قيل انها التقطت في درعا
لا يمكن خلال اطلاع المرء على هذه المعلومات الا ان يتذكر ثلاثة امور، الاول هو خطاب الرئيس بشار الاسد، المنفصل عن الواقع والذي ينفي فيه استخدام البراميل او حتى الطناجر في قصف شعبه، والثانية هي خطاب وزير الخارجية السورية الذي يؤكد فيه ان التدخل الاجنبي في سوريا مسموح فقط بموافقة من النظام.

اما الامر الثالث الذي يخطر على بال المرء فهو اليوم الاول من الاجتياح الاسرائيلي للبنان، حين وقف بعض جنود الامم المتحدة امام رتل من دبابات الاحتلال المتفدقة عبر الحدود، وحاول منعها من التقدم، فما كان من جندي الاحتلال عن سطح دباباته الا ان امره بالتنحي جانبا قائلا له “هذا اجتياح”.

(صحافة غير منضبطة)

 

السابق
تعديل الموقف من الإخوان.. أبرز تغييرات العهد السعودي الجديد
التالي
في زواريب المخيم.. حكايات يجب أن تنتهي