رفيق الحريري في غيابه العاشر: لا بديل للحوار

رفيق الحريري

لبنان بلا رئيس للجمهورية لليوم السادس والستين بعد المئتين على التوالي.

لرفيق الحريري أن ينام مطمئنا. حياته كمماته. حكاية لا تنتهي.

عشر سنوات كأن الرجل سقط شهيداً بالأمس. تداعيات الجريمة، وهي ليست الأولى التي تستهدف رئيساً أو سياسياً أو رجل دين، منذ الاستقلال حتى الآن، هي المستمرة، نظراً لما اختزل الرجل في شخصيته من عناصر لبنانية وعربية ودولية، جعلته نسخة غير قابلة للتكرار.

عشر سنوات ولبنان يرزح تحت وطأة شرخ مذهبي غير مسبوق في تاريخه الحديث. هذا الانقسام كان قد اتخذ قبل الحرب الأهلية وخلالها وبعدها طابعاً إسلامياً ـــ مسيحياً.. برغم وجود عناصر خارجية مؤثرة وأحياناً مقررة.

قرابة الواحدة إلا خمس دقائق من تاريخ 14 شباط 2005، انفجرت العبوة التي لا يمكن حصر شظاياها وأضرارها. سقط رفيق الحريري وسقط معه مشروع كان قد بلغ مرحلة متقدمة بالشراكة بين المقاومة ممثلة بالسيد حسن نصرالله والإعمار مجسداً بالحريري نفسه.
كان القرار 1559 هو فتيل انفجار «السان جورج

قالها السفير الروسي الأسبق الراحل سيرغيه بوكين في أول تقرير أرسله من بيروت إلى وزارة الخارجية الروسية، بعد أقل من أسبوع من اعتماده في العاصمة اللبنانية في ربيع العام 2004: لبنان على عتبة انفجار كبير.

عشر سنوات كانت كفيلة بوضع لبنان على الفالق الزلزالي السني ـــ الشيعي الممتد من لبنان حتى باكستان. الأثمان تدفعها شعوب كثيرة، والتطرف الخارج من عقاله لا يوفر أحداً، غير أن المعادلة في لبنان تبدو محكومة بقواعد مختلفة.
«تيار المستقبل
قدم ويقدم نفسه قوة اعتدال. «حزب الله قدّم ويقدّم نفسه فصيلاً إسلامياً متنوراً عينه على فلسطين برغم الاختبارات التي خضع ويخضع لها، ولعل أقساها في سوريا اليوم، وفي حرب تموز في الأمس القريب.

احترب هذان الفصيلان بالسياسة والأمن. بالمال والتحالفات والانتخابات والحكومات. بالإعلام والأعلام والساحات. بالخارج والداخل، وفي النهاية، لم يتمكن أحدهما من إلغاء الآخر.. وثمة قناعة مشتركة لدى الطرفين بأن أحدهما لن يكون قادراً على شطب الآخر من المعادلة الداخلية.

دفع لبنان واللبنانيون كبير الأثمان من جراء هذا الصراع. ساحة «8 آذار
أنتجت ساحة «14 آذار والحبل على الجرار. تمكن اللبنانيون من هزيمة تواريخ كثيرة وتجاوزوا محطات كثيرة، لكن هذين التاريخين طبعا حياتهم منذ عشر سنوات حتى الآن. تقلص حضور اللاعبين في هذه الساحة وتلك. انتقل ميشال عون مبكراً من ساحة الى أخرى. دار وليد جنبلاط دورات كثيرة ليجد نفسه أخيراً في تلة كليمنصو يراقب الساحتين.
تغيرت صورة المنطقة. مات ملكان سعوديان. تغيرت المملكة التي كان يعرفها رفيق الحريري وابنه سعد. تغيرت سوريا وصارت الدولة العربية المركزية مشروع دويلات.
ضاعت فلسطين أو تكاد تضيع. ثوار مصر الشباب وأرباب الميدان، صاروا محكومين إما بالسجن أو الصمت والإحباط والانكفاء أو الهجرة الى الخارج. العراق كما سوريا واليمن، مشاريع حروب أهلية. البحرين يفتقد المبادرات، فيكون المخرج تجنيس الآلاف بدل تقديم تنازلات بسيطة لأبناء البلد الأصليين.

تتغير الحدود وتنشأ دويلات وإمارات. يجري الحديث عن «سايكس بيكوجديد سيُرسم هذه المرة بالدم والحديد والنار. جوهره إعادة تقاسم نفوذ بدل إعادة ترسيم حدود الدول.. لكن النفوذ لمن سيكون؟

سيكون أولا لإسرائيل التي تتفرج وتحصد من دون أن تزرع.

لتركيا التي قرر سلطانها العثماني الجديد أن يستعيد مجداً غابراً، ولو على أنقاض آخر بيت في سوريا.

أما إيران، فإنها قررت أن تهزم تحدي الحصار والعقوبات، وهما من عمر ثورتها، بأن تبسط أذرعتها حتى شاطئ المتوسط، من دون إغفال حجم تغلغلها في المنطقة من العراق حتى فلسطين مروراً بمضيق هرمز وصولاً الى باب المندب.

أما لبنان، فإنه محكوم بمعادلة «لا بد من صنعاء ولو طال السفر.

لا بد من لقاء المكوّنين السني والشيعي، مهما طال الفراق بينهما، ولا بد للاثنين معاً أن يحميا بأهداب عيونهما باقي المكوّنات اللبنانية، وخصوصا المكوّن المسيحي والمكوّن الدرزي.

ومن كبير الأسف أن لبنان وحتى إشعار آخر، محكوم بلغة الطوائف والمذاهب ما دامت هي المتحكمة بالأرض والناس. لبنان كما رفيق الحريري والسيد حسن نصرالله، يقف في نقطة التقاء بين خطوط تماس إقليمية ودولية حساسة واستراتيجية. هذا هو معنى الاستقرار اللبناني اليوم، بالرغم من كل الحرائق التي تحاصر حدود لبنان الشمالية والشرقية وحتى الجنوبية.

اذا اتفق «حزب الله و «المستقبل يضمن الاثنان استقرار البلد، حتى لو شاءت كل الأمم إشعاله. اذا اختلفا يصبح الخراب خياراً يومياً وهو كذلك، لولا أن القرار الاقليمي والدولي يقضي بعدم المس باستقرار لبنان.

صار الدور المسيحي حاجة وضرورة حتى لا يصبح لبنان مشروع «داعش أو بلداً مقفلاً على الحريات بكل مسمياتها. صار الدور المسيحي مطلوباً حتى لو تكتل المسيحيون وقرروا خلاف رأي المسلمين في الرئاسة والسياسة وقانون الانتخاب..
لا أفق لتحالف «ثلاثي أو «رباعي أو «خماسي أو «سداسي، وعبثاً رهان «المستقبل على «خيار شيعي ثان وثالث ورابع، وبالمقابل أثبتت التجربة أن رهان «حزب الله على خلق بدائل سنية لـ «الحريرية السياسية هو رهان خاسر.

«لا بد من صنعاء مهما طال السفر، بدليل الحوار الذي تم تدشينه في نهاية العام الماضي بين «حزب الله و «المستقبل، برعاية الرئيس نبيه بري، وما يزال مستمراً، وهو فضلاً عن مفاعيله النفسية، باحتوائه جزءاً كبيراً من الاحتقان المذهبي، وهذا من بين أبرز وظائفه، قد لامس بعض المحظورات على شاكلة الخطة الأمنية المستمرة في البقاع ونزع الصور واللافتات واقتحام «المبنى ب في سجن روميه، وتحريم إطلاق الرصاص العشوائي في المناسبات السياسية..

ولتكن الخطوة الثانية سريعة بحماية الحكومة من نفسها ومن بعض الأعراف المستجدة، وذلك عبر إعادة النظر في آلية اتخاذ القرارات داخل مجلس الوزراء.

ولتكن الخطوة الثالثة بإعادة فتح أبواب مجلس النواب حتى يلعب دوره ما دام قد مدد لنفسه وهو متهم بالبطالة ثم البطالة.

أما الرئاسة الأولى، فإن الحديث الجدي بشأنها يبقى مؤجلا، حتى يتفق المسيحيون. ألم يتبلّغ الفرنسيون موقفاً محدداً من كل من طهران والرياض: ليتفق المسيحيون على خيار والكل يسير به؟

لقد جعل «داعش، وهذه من حسناته، اللبنانيين يقتربون بعضهم من بعض أكثر من أي وقت مضى.. ولا ضير أن يُستثمر هذا التقارب لأجل تحصين المؤسسة العسكرية وباقي المؤسسات الأمنية في ظل المهام الاستثنائية التي تضطلع بها في الداخل وعند الحدود.

وليستمر الضغط بكل مستوياته من أجل استكمال برنامج تسليح الجيش اللبناني وباقي المؤسسات الأمنية، برغم علامات الاستفهام التي ترسمها القيادة العسكرية التي تبلغت، أمس، عبر القنوات الديبلوماسية، أن الكونغرس الأميركي قرر في إحدى لجانه خفض المساعدات العسكرية للجيش اللبناني بقيمة 150 الف دولار أميركي للعام 2015، وهو الأمر الذي يرسم علامات استفهام حول أسبابه وعلاقته بمعطيات سياسية وأمنية بينها قرار لبنان الرسمي بمقاطعة قمة واشنطن ضد الإرهاب على خلفية مشاركة الاسرائيليين في أعمالها.

السابق
مجلس الوزراء عالق في غرفة العناية كيري: لا تتطلّعوا إلى الخارج لانتخاب رئيس وزير الداخلية في البقاع.
التالي
المشنوق «يلملم» خطة البقاع وبري وسلام يبحثان عن «آلية»