الحريري على خُطى والده الشهيد: تجديد الثقة بالإعتدال ونهج الحوار

قبل ساعات من إلقاء الرئيس سعد الحريري خطابه الذي وصف بأنه على «درجة كبيرة من الأهمية والمسؤولية، استعاد اللبنانيون في الايام الماضية هول الجريمة البشعة التي أصابت بلدهم وعيشه واقتصاده ومؤسساته، باغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري الذي نقل البلد من الدمار إلى الاعمار، ومن اليأس إلى الأمل، ومن العجز إلى الثقة، فتحققت أثناء توليه رئاسة الحكومة منذ العام 1992 حتى العام 2004 عندما قرّر الخروج من السلطة بعد التجديد للرئيس اميل لحود، انجازات كبرى في إعادة الاعمار وارتفاع مستوى النمو بين 5 و6 في المائة، والاستقرار النقدي وزيادة الودائع وتحرير الجنوب، واقتراب لبنان شيئاً فشيئاً من ان يعود تدريجياً مركز الحركة المالية العربية.

ولا حاجة للتذكير بالمسار الانحداري للبنان بعد الجريمة – الزلزال، سواء على التماسك الاجتماعي، أو العلاقات العربية والإقليمية، او الاستقرار الأمني والسياسي، ناهيك عن الاستثمار والعمران، وارتفاع منسوب الهجرة والبطالة، ولا سيما في صفوف الشباب.

في اللحظة الصعبة هذه، يستعيد الرئيس سعد الحريري في مهرجان «البيال اليوم الذكرى، بعد مرور عقد كامل على الاغتيال، وهو في هذه المناسبة المؤلمة سيجدد التأكيد على الثوابت الوطنية والاقتصادية التي اعتمدها والده الشهيد والتي انطلقت من الإيمان بلبنان، وأن الحوار هو السبيل الوحيد لتجاوز الخلافات والأزمات ومعالجة المشكلات القائمة.

ومع ان الرئيس الحريري حرص على إبقاء خطابه قيد المراجعة حتى لحظة القائه، فإن المعلومات تُشير إلى انه سيتضمن قراءة في المرحلة التي مضت، ومنها ينطلق لتقديم تُصوّر للمرحلة الجديدة، قوامه: تعزيز الاستقرار الداخلي، دعم أداء الحكومة وتطويره ريثما يتم انتخاب رئيس جديد للجمهورية، اعتبار الأمن خطاً أحمر، ودعم الخطة الأمنية الجاري تنفيذها في كل لبنان، واعتبار الإعمار هو نهج الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وأن إبقاء لبنان خارج النار الملتهبة في المنطقة يتقدّم على ما عداه، وأن الحوار القائم مع حزب الله يبقى خياراً لا بديل له في هذه المرحلة لحماية لبنان ومنع سقوط الدولة والجمهورية.

وفي الإطار، أعلن الرئيس تمام سلام الذي سبق وأصدر مذكرة بتعطيل الدوائر الرسمية اليوم، اننا «نتطلع إلى تعميم وترسيخ مفاهيم الاعتدال والوسطية والحوار التي هي أعمدة الحكم الرشيد في بلد متنوع مثل لبنان، آملاً «ان تصل العدالة الدولية إلى اكتشاف القتلة والاقتصاص منهم لوضع حدّ نهائي لجريمة الاغتيال السياسي في لبنان

وفي رسالة لوزير خارجية الولايات المتحدة الأميركية جون كيري، استبقها السفير في بيروت ديفيد هيل بزيارة ضريح الرئيس الشهيد الذي اعيد تشييده، ووضع اكليلاً من الزهر، جدد الوزير التزام الولايات المتحدة بلبنان القوي ودعم سيادته كاملة واستقلاله عن التأثير الأجنبي، معتبراً ان العنف المتطرّف يُشكّل تحدياً للبنان، وأن بلاده ماضية في مساعدة القوات المسلحة اللبنانية لمواجهة العنف الداخلي والخارجي، مضيفاً: «لا تخطئوا لا تبرير لحمل أي ميليشيا أو منظمة إرهابية السلاح فهي بذلك تستجيب لحكومتي دمشق وطهران وليس للشعب اللبناني
التعطيل الحكومي

في هذه الأجواء الضاغطة، لم تسفر الاتصالات التي جرت أمس عن التوصل إلى صيغة تقنع الرئيس تمام سلام بالدعوة إلى جلسة جديدة لمجلس الوزراء، لا سيما وأن رئيس الحكومة يسعى للتفاهم على صيغة تؤدي إلى تسهيل اتخاذ القرارات بتعديل الآلية المعمول بها حالياً، فتحل الصيغة الدستورية محل آلية الإجماع، وتتخذ القرارات بالتوافق أو بالتصويت.

وكشف مصدر وزاري مطلع على أجواء الاتصالات الجارية أن الفريق المسيحي، لا سيما وزراء تكتل «الاصلاح والتغييرمدعومين من «حزب الله يتمسكون بصيغة الإجماع، فيما يميل حزب الكتائب إلى الانفتاح على جميع المقترحات.

ولاحظ المصدر أن الجولة الأولى من الاتصالات التي بدأها الرئيس سلام لم تكن مشجعة، مرجحاً تعليق أعمال مجلس الوزراء إلى حين الوصول إلى تفاهم حول آلية جديدة، مستبعداً عقد جلسة الخميس المقبل.

وكان الرئيس سلام استمع من وزير العمل سجعان قزي إلى وجهة نظر حزب الكتائب المنفتح على دراسة جميع الاقتراحات، بحسب ما أعلن وزير الاقتصاد والتجارة آلان حكيم لـ«اللواء مشيراً إلى ان الحزب لا يرفض كل ما يصب في الدعم الكامل للرئيس سلام.
ولاحظ الوزير حكيم أن الآلية التي تمّ الاتفاق عليها هي آلية مؤقتة تخدم لفترة قصيرة، وأن المشكلة لا تكمن في الآلية بل بعدم انتخاب رئيس جديد للبلاد، سائلاً: لماذا لم تطبق الآلية كما جرى الاتفاق عليها، اي باستبعاد المواضيع الخلافية من جدول أعمال مجلس الوزراء؟ ولماذا لم يصر الى مناقشة المسائل الحيوية بين الكتل الأساسية، كما كان متفقاً عليه سابقاً؟ مبدياً تخوفه من خلق سوابق تسمح باطالة أمد الشغور الرئاسي.

وأعرب حكيم عن اعتقاده بأنه ليس هناك من أزمة حكومية، بل هناك أزمة أشخاص، كما أن ليس هناك من تداول سياسي بل تداول شخصي داخل مجلس الوزراء.

وفي الإطار نفسه، دعت أوساط وزارية إلى عدم قراءة موضوع تعليق جلسات مجلس الوزراء بشكل سلبي، باعتبار أن الحكومة أضحت بحاجة إلى «صدمة ايجابية، مشيرة إلى أن هذا الإجراء الذي لجأ إليه الرئيس سلام قد يدفع بتعجيل العمل على الشروع بآلية تسمح بوقف العرقلة داخل الحكومة، وتسهل عمل المجلس في اتخاذ القرارات.

ولم تشأ المصادر نفسها تحديد موعد لعودة الجلسات الحكومية إلى الانعقاد، لافتة إلى أن ذلك يتوقف على نجاح المشاورات وترطيب الأجواء، مؤكدة أن الرئيس سلام باشر أمس سلسلة لقاءات تصبّ في سياق استطلاع المواقف، على أن المعلومات تقاطعت حول أهمية الزيارة التي ينوي الرئيس سلام القيام بها إلى عين التينة اليوم أو غداً للقاء الرئيس نبيه بري، وما يمكن ان يخرج عنها من اتفاق حول ملف الآلية، علماً ان الرئيس بري يدعم موقف سلام باتجاه فتح دورة استثنائية لمجلس النواب يتحفظ عليها الوزراء المسيحيون في ظل الشغور الرئاسي.
أبو فاعور في الرابية

وهذا الموضوع كان على طاولة الجلسة المطولة التي عقدها وزير الصحة وائل أبو فاعور في الرابية مع رئيس تكتل «الاصلاح والتغيير ميشال عون، موفداً من النائب وليد جنبلاط في حضور وزير الخارجية جبران باسيل، حيث جرى التداول في السجالات الجارية داخل مجلس الوزراء والتي تعيق اتخاذ القرارات المتعلقة بمصالح المواطنين، انطلاقاً من ثابتتين: حماية حكومة الرئيس سلام من السقوط والحفاظ على روحية اتفاق الطائف في اتخاذ القرارات، الأمر الذي يتضمن الابتعاد عن التأسيس لبدع دستورية يصبح من المتعذر تجاوزها في المستقبل.

وأكد أبو فاعور بعد اللقاء أنه جرى التطرق إلى الاستحقاق الرئاسي باعتباره من أبرز القضايا التي تحمي لبنان في هذه الفترة.

وعلى خط الحوار، كشفت مصادر إعلامية قريبة من «حزب الله أن لجنة الحوار بين بكركي والحزب في اجتماع الأربعاء الماضي، توقفت عند الفراغ الرئاسي، وجدد الحزب تمسكه بترشيح النائب عون لرئاسة الجمهورية، وجرى التطرق أيضاً الى ضرورة دعم الجيش للتصدي للهجمات المسلحة في البقاع.

وأشارت المعلومات إلى أن وفد «حزب الله الذي ترأسه محمود قماطي ووفد البطريركية المارونية المؤلف من الأمير حارث شهاب والمطران سمير مظلوم ثمّنا دور المقاومة في التصدي للإرهاب وتحصين لبنان وحمايته، كما جرى التنويه بالحوار الدائر بين الحزب و«المستقبل لجهة جديته وأهميته ودعم الحوار المسيحي – المسيحي بهدف التوصل إلى نتائج تنعكس على الاستحقاق الرئاسي.

وفيما شكلت عودة رئيس حزب «القوات اللبنانية سمير جعجع إلى بيروت أمس، رافعة لاستئناف الحوار مع «التيار الوطني الحر تمهيداً للقاء مع النائب عون، سجّل مساء أمس لقاء مسائي بين أمين سر تكتل الاصلاح والتغيير النائب ابراهيم كنعان ورئيس جهاز الإعلام والتواصل في «القوات ملحم رياشي، وضع لمسات لزيارة ينوي كنعان القيام بها الى معراب خلال اليومين المقبلين، للإطلاع من جعجع على ملاحظاته على مسودة «بيان النيّات التي كان عون وافق عليها بعد وضع ملاحظاته.

في المقابل، أكد نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم أن الحوار بين الحزب و«المستقبل جيّد وإيجابي ومفيد، معلناً قرار الطرفين باستمرار الحوار وألا يردّا على ما وصفه بـ «حرتقات المتضررين.

وفُهم أن تأجيل الجلسة السابعة للحوار إلى ما بعد الانتهاء من الذكرى العاشرة لاستشهاد الرئيس رفيق الحريري لا يقلل من أهمية هذا الحوار والحرص على استمراريته وحمايته من الصدمات المفاجئة.
خطة البقاع

في غضون ذلك، توسعت الخطة الأمنية في البقاع الشمالي إلى بلدتي حزين والحمودية غربي بعلبك، بعدما شملت في يومها الأوّل بريتال وحورتعلا، حيث داهمت القوى الأمنية منازل مطلوبين.

وبحسب بيان قيادة الجيش، فان مداهمات القوة الأمنية المشتركة شملت مناطق بعلبك، بريتال، حورتعلا، دورس والحمودية، وهي أسفرت عن توقيف 56 شخصاً من المطلوبين والمشتبه بهم والمخالفين، كما ضبطت 18 سيّارة من دون أوراق قانونية وحوالى طنين من مادة حشيشة الكيف موضبة داخل مستودع في الحمودية، بالاضافة الى كمية من الأعتدة العسكرية والذخائر واجهزة الاتصال.

ورعى وزير الداخلية نهاد المشنوق شخصياً اليوم الثاني من الخطة، حيث تفقد الحواجز الأمنية لقوى الأمن الداخلي والجيش والأمن العام، من تل العمارة في البقاع الأوسط ورياق وعلى امتداد الطريق الدولية وصولاً إلى بريتال، رافقه فيها كل من المدير العام لقوى الأمن اللواء إبراهيم بصبوص والمدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم.

ووعد المشنوق بنقل الأصوات التي سمعها في بريتال عن المطالبة «بمداهمات انمائية
إلى مجلس الوزراء، وأن يكون أحد اقوى الأصوات المدافعة عن الإنماء في محافظتي عكار وبعلبك الهرمل ليكون الأمن والإنماء مترافقين معاً.

وشدّد الوزير المشنوق على أن الانطباع بأن البقاع خارج الدولة هو خاطئ، مؤكداً أن خيار المواطنين في البقاع هو الدولة، لافتاً إلى ان اعلان الخطة الأمنية واستمرارها في البقاع هو لتأكيد وجود الدولة.

وقال «نعلم أن كبار المطلوبين انتقلوا إلى سوريا، لكن استمرار تطبيق الخطة هو لمنعهم من العودة، مشيراً إلى أن العملية لن تكون النهاية.

ومن جهته، رأى عضو كتلة نواب حزب الكتائب ايلي ماروني لـ«اللواء
أن خطة البقاع لا تزال في بداياتها، آملاً أن تتوسع لتشمل كل المناطق البقاعية، لكنه لاحظ ان أي خطة أمنية مع استمرار وجود السلاح يبقي الوضع على حاله، مشدداً على ان البقاع ليس بريتال وحورتعلا فقط

السابق
شبكة سلامة المباني واليازا تعملان على تعميم ثقافة القراءة
التالي
سعد الحريري في بيروت