لهذه الأسباب اغتالوه

الذين اغتالوا الرئيس رفيق الحريري كانوا يظنون في قرارة نفوسهم أنهم باغتياله يرتاحون من “همّ كبير”، ويغتالون في الوقت ذاته الفرصة الأخيرة لاحتمال عودة لبنان من جحيم القتل على الهويّة، وما استتبع ذلك من هجرة الأجيال الجديدة.

وكانوا مطمئنين هم وحلفاؤهم في لبنان إلى أن زلزال السان جورج قضى على المنقذ العنيد رفيق الحريري، وعلى لبنانه الذي حمله في قلبه وعقله وصوته ووجهه وابتسامته، وطاف به على ثلاثة أرباع الكرة الأرضيّة، هاتفاً بمن يلقاهم هذا هو وطني الحبيب الذي به سررت.
وهذي هي بيروت التي كانت عاصمة العرب عن استحقاق وجدارة، وعاصمة القضايا العربيّة، وجامعة العرب، ومستشفى العرب، وحديقة العرب، ومقصد كبار العرب من زعماء وقادة وسياسيّين ونجوم ومطربين وشعراء وفنّانين ومبدعين…
بل هذي عاصمة الدنيا وعشاق الحرية والحياة الحلوة.
اغتالوه لهذه الأسباب، ولكون اللبنانيين وجدوا فيه مخلّصهم من هذه الغابة الفالتة التي كانت يوماً جنّة فريدة على أرض بحجم جزيرة في قلب أوقيانوس.
لقد كانت بوسطة عين الرمانة بوابة الشرّ التي انفتحت على جحيم أعدّوا له كل لوازم ومعدّات النجاح. فكانت الحروب القذرة وحروب الآخرين. وكان الخطف. وكان القتل. وكان تخريب كل ما كانته بيروت وما كان يمثّله لبنان بنظامه، وصيغته وتركيبته من ثماني عشرة طائفة، ومن المناخ النظيف الذي حاكته الحريّة.
واغتالوا رفيق الحريري لأنه أراد بكل ما يملك من إرادة وعزم أن يعيد لهم ذلك الشاهد الذي تشرق شمسه يوميّاً، وتصيح ديوكه مع كل فجر إلى زمانه الجميل، وإلى موقعه المميّز، وإلى دوره العربي العالمي.
وبعدما أوسعوا لبنان وبيروته قتلاً وموتاً وحزناً ووجعاً وتدميراً وترويعاً قرابة عقدين، فوجئوا بقامة لبنانيّة تقف لها عواصم العالم احتراماً وترحيباً تطلّ بإرادة تغيّر وجه التاريخ، ووجه الحروب، ووجه الخراب، ووجه الاستسلام، وتقول للمتشرذمين واليائسين والمروّعين انهضوا من رقدة العدم.
التفتوا صوب صاحب الصوت فإذا هو رفيق الحريري الذي كان صيته قد سبقه إلى أحاديث الناس، وفي حقول الخير والكرم والبناء والإقدام. فرُدَّت إليهم الروح. وهبّوا للحال هبّة الأمل والرجاء والتصميم على الالتفاف حول مشروع الرجل النادر المثال، الذي جاءهم منقذاً ومشجّعاً على الانخراط في ورشة استعادة لبنان من فم الحروب ومجرميها وأوبئتها.
جرّبوا مع رفيق الحريري، الذي لولاه لما كان اتفاق الطائف، كل الأساليب الملتوية والبشعة. حرّضوا الأبواق والمرتزقة والشتّامين عليه وعلى مشروعه وبيروته، لكنّه لم يأبه ولم يلتفت ولم ينثنِ. فاغتالوه بكل ما في نفوسهم من إجرام وحقد.
إلا أنهم نسوا الحكمة القائلة: مين خلّف ما مات. والرئيس سعد الحريري هو نجل الشهيد الذي لم يمت ولن يموت لبنانه.

(النهار)

السابق
10 سنوات على اغتيال الحريري: لبنان من محور سورية إلى محور إيران
التالي
أهالي بريتال يسهّلون عملية دخول القوى الأمنية