حول تحديات العالم الإسلامي اليوم

الوحدة الإسلامية مشروعٌ يتطلب أفكارًا وأعمالًا تراكمية لتُنتِجَ بعد فترة من الزمن خطواتٍ على طريق الوحدة وتحصينها في مواجهة التحديات، وسنستعرض في هذه المقالة أربعة تحديات رئيسة وكيفية مواجهتها، لنخطو خطوات إلى الأمام:

التحدي الأول هو الترويج للخلفية المذهبية عند كل خلاف سياسي، حيث تتصدى مجموعة من الأبواق الإعلامية والسياسية وقادة دول وعلماء من أجل تفسير الخلافات الجارية في العالم الإسلامي على أساس أنها خلافات مذهبية، باستحضار مذاهب المختلفين، في الوقت الذي لا يكون الخلاف مذهبيًا بل سياسيًا، هذا التحدي يمكننا أن نواجهه بأمور عدة أذكر بعضها:
أولًا: التوضيح للأمة بأن الخلاف المذهبي ليس مطروحًا إلا عند الغلاة الإلغائيين الذين يثيرون المسائل المذهبية من دون حاجة إلى وجود خلاف سياسي، ومن دون حاجة إلى وجود مشاكل موضوعية، لأن هؤلاء الغلاة من الأطراف والمذاهب كلها، لا يرتاحون إذا وجدوا المسلمين موحدين، وهم يعيشون كطفيليات تنمو مباشرة في أجواء الخلاف وتسعيره، فعلينا أن نوضِّح بأن الخلاف المذهبي مطروحٌ عند الغلاة فقط.
ثانيًا: الخلاف المذهبي مطروحٌ أيضًا عند الحكام المستبدين الذين يروّجون له من خلال وسائلهم وإمكاناتهم ويفسرون مواقفهم وكأنهم حُماةٌ للمذهب، في الوقت الذي لا علاقة لا للأصول ولا للفقه ولا للآيات ولا للروايات بالمواقف التي يتخذونها. لكن مع عجزهم عن إقناع الناس بأفكارهم وقناعاتهم، يلجؤون إلى إثارة المشاعر المذهبية من أجل الاستقطاب. علينا أن نفضح هؤلاء، وأن نبيِّن للناس أن هؤلاء لا ينطلقون من منطلق مذهبي، بل أكثرهم لا يعرفون القبلة ولا يعرفون الصلاة ولا يعرفون شيئًا من الإسلام.
ثالثا: أما حَمَلَة الإسلام الأصيل فلا يتحركون مذهبيًا، ولا يثيرون الخلاف المذهبي، ولا يستخدمونه طريقًا لأهدافهم، وفي الأحوال كلها إذا ما نظرنا إلى أبرز ثلاث قضايا مركزية في العالم الإسلامي، نجدها سياسية بامتياز ولا خلفية مذهبية لها:
القضية الأولى: مواجهة أميركا ومشروعها في السيطرة على منطقتنا.
القضية الثانية: مواجهة إسرائيل التي تحتل فلسطين وتمارس سطوتها في المنطقة.
القضية الثالثة: التكفيريون الذين يواجهون سائر المسلمين من السنة والشيعة ومن غير المسلمين على حدٍ سواء.
هذه القضايا الثلاث المركزية هي قضايا سياسية بامتياز، ومن المهم أن نبرز المواقف العملية التي تثبت عدم مذهبة المواقف السياسية، وأسوق في هذا المجال أيضًا مجموعة من المواقف الحاضرة في العالم الإسلامي التي تبيِّن الخلاف السياسي، لا المذهبي:
1) موقف إيران ضد الاحتلال الأميركي في أفغانستان والعراق، وموقف إيران ضد الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين.
2) الخلاف في مصر، وليبيا، وتونس، وبين تركيا ومصر، وبين السعودية وقطر، كلها خلافات سياسية بدليل أن المعنيين من مذهبٍ واحد، ومع ذلك فهناك مشاكل كثيرة تحصل في بلدانهم.
3) مشروع تدمير سوريا تختلف حوله البلدان العربية والإسلامية، بعضهم يؤيد والبعض الآخر يعترض، على قاعدة من يسير مع المشروع الأميركي الإسرائيلي ومن يعارضه، وليست المسألة مذهبية.
4) المقاومة في فلسطين لها داعمون ومعارضون، وليس الأمر مرتبطًا لا بالمذهب ولا بالارتباط العقائدي بل بالإطار السياسي.
5) مقاومة «حزب الله» في لبنان لإسرائيل، والتي لا تنطلق من اعتبارات مذهبية بين المسلمين، بدليل هذا التكاتف الموجود بين «حزب الله» وفصائل المقاومة الفلسطينية على اختلاف مشاربها وقناعاتها.
وقد وصلنا أيضًا إلى حالة من التماسك الداخلي في لبنان إلى درجةٍ أدرك معها الجميع ضرورة أن يكون هناك حوار داخلي بين الأطراف السياسية المختلفة لنرفع العنوان المذهبي الذي لا علاقة له بهذا الاختلاف، لذا انعقدت لقاءات بين «حزب الله» وحزب «المستقبل» في لبنان من أجل تنفيس الاحتقان المذهبي ومواجهة الإرهاب مجتمعين، بعد فترة طويلة من المعاناة ومن إبراز الحقائق، لناحية أن المشكلة في لبنان لم تكن يومًا مذهبية. وقد بذل «حزب الله» جهودًا مضنية وتحمل صعوبات كثيرة ليثبت للناس أن الخلاف سياسي وليس مذهبيًا.
وقد تبيَّن اليوم أن الحزب يواجه إسرائيل المحتلة، ويواجه التيار التكفيري الإلغائي لجميع المسلمين وجميع الناس، ويواجه الهيمنة الأميركية التي تحاول أن تسيطر على منطقتنا. لذا، فنحن اليوم في لبنان نقدم نموذجًا مهمًا يفيد بأن الخلاف ليس مذهبيًا بل هو خلافٌ سياسي، وإن شاء الله ستنتصر هذه المقولة وتحقق الإنجازات الكبرى.
6) ما يجري في البحرين هو مطالبة بالعدل في أن يكون الشعب ممثلًا داخل المجلس النيابي، وأن يكون له دور في إدارة السلطة، وهذا أمرٌ مشروع، وهذا من حقوق الإنسان، لمدة أربع سنوات تقريبًا. وشعب البحرين يجاهد بالطرق السلمية، ويطرح أفكارًا سياسية، لكن السلطة هناك لا تناقشه، ولا ترد عليه بل تقمعه. وفي آخر المطاف، تمَّ اعتقال الأمين العام لجمعية الوفاق الشيخ علي سلمان ظلمًا وعدوانًا لمواقفه السياسية.
علينا أن نبرز هذه المواقف للعالم الإسلامي من أجل أن نواجه تحدي المذهبة في مقابل السياسة.
التحدي الثاني هو التخلي عن قضية فلسطين من قبل مجموعة كبيرة من الدول والمنظمات في العالم الإسلامي، بحجة ضعف القدرة في مواجهة الضغط الدولي وضرورة التسوية. نحن نجد أن الحل يتمثل بأمور عدة:
أولًا، التمسك بالحق في التحرير بالموقف والأدبيات والإعلام وبالوسائل المتاحة كافة.
ثانيًا، التأكيد على مسؤولية الجميع بأن قضية فلسطين ليست قضية فلسطينية، بل قضية عربية وإسلامية وإنسانية يتحمل مسؤوليتها كل واحد على هذه الأرض، لأنها تعبير عن مواجهة الظلم والعدوان والاحتلال.
ثالثًا، اعتبار التحرير أولوية وربط مواقفنا من القضايا المختلفة بسقف هذه الأولوية، بمعنى آخر: علينا أن نضع في برامج عملنا أن يكون التحرير أولًا، فما يعارضه نتخلى عنه، وما يتوافق معه نؤكد عليه.
رابعًا: الالتفاف حول المقاومة كطريق وحيد لتحرير فلسطين، فلا يمكن تحرير فلسطين من خلال مجلس الأمن، ولا بالتسوية، ولا بالمؤتمرات، فلسطين تحرر ببندقية المقاومة الشريفة في الميدان، وقد أثبت «حزب الله» والمقاومة الفلسطينية أن إسرائيل لا تفهم إلا بلغة القوة، وقد خرجت من لبنان مهزومةً معترفة بذلك، ببركة سواعد وبنادق المجاهدين والمجاهدات، وعلينا أن نؤكد على هذا الخيار.
التحدي الثالث هو التكفير كحالة هدفها طمس معالم الإسلام وأصالته. فالتكفير هو رؤية معادية للإسلام تمامًا، أرى أن البعض يتكلمون عن أن التكفير مشكلة في أنه تفسيرٌ خاطئ للإسلام، فيما هو في الواقع لا يمت بصلة للإسلام، ولا بالسنة ولا بالشيعة ولا بالقرآن ولا بمحمد(ص). لذلك، علينا أن نتعامل مع التكفير كحالة إرهابية معادية.
ويكمن الحل في وجوب التعامل مع هذه الظاهرة وفق جملة من النقاط. أولاها أن على العلماء أن يُبرزوا علمهم، وهذه مسؤولية شرعية كما ورد عن رسول الله(ص): «إذا ظهرت البدع في أمتي فليظهر العالم علمه، فمن لم يفعل فعليه لعنة الله».
وثانيتها أنه من الضروري أن نقارن بين قواعد الإسلام الرحمة ومشروع التكفيريين، بأن نجري هذه المقارنة دائمًا في خطبنا ومواقفنا لنعرِّف الناس على الفرق بين الإسلام والتكفير، بين الرحمة والقتل والإجرام، وهذه مسؤوليتنا.
أما ثالثتها فتتمثل بتعزيز اللقاءات والاجتماعات التي تُظهر الوحدة الإسلامية في مواجهة هذا التحدي، (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً) (الكهف: 110).
فيما رابعتها تتصل بالاهتمام بالحوزات والمدارس الدينية للترويج للشريعة السمحاء. وأتمنى لو أننا نركز على الحوزات والمدارس الدينية، لأنهم يستخدمون المدارس الدينية والحوزات للترويج للتكفير.
التحدي الرابع هو التبعية لأميركا والغرب بحجة الحاجة إلى تقدمهم العلمي والاحتماء بسلطتهم. والتعامل مع هذا التحدي يكمن في أن الحرية والاستقلال حق مشروع. قال أمير المؤمنين علي(ع): «ولَا تَكُنْ عَبْدَ غَيْرِكَ وقَدْ جَعَلَكَ اللَّه حُرّاً». كما يتصل بضرورة الالتزام بالمصالح الوطنية والقومية في بناء العلاقات مع الدول الكبرى، وبالتأكيد على التماسك الشعبي بين المجموعات والدول الإسلامية، ما يُرغم الغرب على التعاطي معنا بحسب مطالبنا.
وإذا ما سلكنا طرق الحل لهذه القضايا الأربع: اعتبار الخلافات سياسية، وأولوية فلسطين، ومواجهة التكفير، ورفض التبعية للغرب، فإنَّ مساحات الخلافات التفصيلية بين مكونات الأمة ستضيق، وستحقِّق إنجازاتٍ مهمة على طريق الوحدة.

(السفير)

 

السابق
أصوات تطالب نتنياهو بعدم القاء خطابه في الكونغرس
التالي
محمد شوربة أنقذ أولمرت من اغتيال حضّره حزب الله انتقاماً لمغنية