الأسعار ستتراجع رغم مقاومة التجار

يتصدّر الخـــبر الاقتصـــادي أخــبار الـــعالم، في ظلّ تراجـــع أسعار النفط وهـــبوط ســـعر اليـــورو والأزمة اليونانـــية التي تهزّ الاتحـــاد الأوروبــي خصوصاً وأوروبا عموماً. وإذا كـــانت ذيول الأزمات الاقتصادية عابرة الحدود، فإن لبنان لن يبقى بمنأى عنها، لتضاف إلى الآثار التي يتحمّلها بسبب الحرب في سوريا. مع ذلك، يزف بعض الاقتصاديين ووزارة الاقتصاد إلى اللبنانيـــين خـــبر تراجع أسعار عدد من السلع، معتـــبرين أن هبوط النفــط واليــورو هــما هديــة العـــام 2015 إلى اللبـــنانيين. تعـــبّر الوزارة عـــن تفــاؤل في هـــذا الخصوص، ووفق مكتب الوزيــر آلان حكيم، فإن «الأجواء أكثر من إيجــابية، والمواطــن سيتلمّســها بعد أســـابيع مــن اليــوم لا أشهر».

تستند الوزارة في قولها هذا إلى الوعود التي قطعها لها التجار والمستوردون والجمعيات التجارية خلال سلسلة الاجتماعات التي عقدتها معــهم. إذ تمّ التأكيد وفق الوزارة «على خفض الأسعار وعدم رفعـــها رفــعاً غـــير مبرر أو منطقي أو علمي تماشـــياً مع انخـــفاض الأكلاف وانخفاض أسعار الوقود عالمياً». وقد وصفت الأجواء بـ «المريحة لجهة التزام التجار والمستوردين والنقابات بتوجيهاتنا لهذه الغاية».
وأكثر، لقد أعلنت الوزارة لـ «السفير» أنها «في صدد درس هامش الأرباح لدى تجار المفرق، وهي تسعى للحصول على معلومات من إدارة الجمارك للإيفاء بهـــذا الغرض». وتؤكد إصرارها على التدخّل الإيجــابي، على الرغم من وجود النظام الاقتصادي الحر وتأكيدها ثوابته.
لكن الصورة الوردية التي تصفها الوزارة تتناقض وصورة الواقع، التي تترجمها بين الحين والآخر تصـــريحات المســـتوردين والتــجار أنفسهم. يُذكر، على سبيل المثال لا الحصر، أن نقابات النقل ما زالت مصرّة على عدم خفض تعريفات النقل «لأن أسعار السلع لم تنخفض بعد» ولأن كلفة النقل لا تقتصر على الوقود.
وينتظر أصحاب السوبرماركات أن يقوم المستوردون بخفض أسعار السلع، فيشير النقيب نبيل فهد إلى أنه «ما من مصلحة لأحد بأن يبقي أسعاره مرتفعة في جو المنافسة السائد». ويشرح أن أصحاب السوبرماركات قدّموا إلى الوزارة لائحة بالسلع التي انخفضت أسعارها عالمياً، مثل الحليب البودرة الذي تراجع سعره بين 6 و8 في المئة، وزيت القلي الذي تراجع بين 20 و35 في المئة، والرز والسكر والبرغل والطحين التي تراجعت بين 10 و20 في المئة. لكنّ فهد ينتظر أن يقوم المستوردون بخفض الأسعار. وهم بدورهم ينتظرون انخفاض أسعار الشحن، فيلفت نقيب مستوردي الأغذية عادل أبي شاكر إلى أن الناس تنطلق من معادلة خاطئة حين يعتبرون أن انخفاض اليورو والمحروقات سوف يؤدي إلى انخفاض السلع. ويشرح أن «سعر السلعة المستوردة لا يقوم بجزئه الكبير على النقل. وأن المستوردين من منطقة الدولار لن يقوموا بخفض أسعار سلعهم كون الدولار لم ينخفض». ويؤكد أن ما من مصلحة لأي من التجار أن يُبقي أسعاره مرتفعة في ظلّ المنافسة، لكن الأسعار لم تنخفض فعلياً عالمياً باستثناء بعض السلع كالحليب، فيما انخفض سعر الشحن داخلياً 4 دولارات فقط لحمولة 3 آلاف دولار. وأفصح أنه تقرر خلال الاجتماعات مع وزارة الاقتصاد أن يتم الإبلاغ عن الانخفاضات التي يمكن أن تطرأ على السلع، لا أكثر. ويعتبر أن الروتين الإداري والفحوصات التي يجب أن تخضع لها البضاعة وغيرها من المتطلبات الإدارية يضيفان الأعباء على المستوردين.
تفاؤل ولكن..
مع الحرص على انخفاض الأسعار بالشكل الذي يجب أن تنخفض فيه، لا يعارض حكيم فرض ضريبة على المحروقات أو أرضية لانخفاضها لتغذية الخزينة، «فالسقف على الانخفاض يقابله سقف على الارتفاع، ووضع أرضية للانخفاض ليس إلا مشاركة المواطن الدولة بهذا التوفير الناتج من التراجع في أسعار المحروقات».
يرفض رئيس قسم الأبحاث الاقتصادية في «بنك بيبلوس» الدكتور نسيب غبريل ذلك الاقتراح جملة وتفصيلاً، ويعتبر أن هناك موارد كثيرة يمكن للدولة أن تستفيد منها، خصوصاً بعد هبوط أسعار المحروقات واليورو. ويشرح أنه لا يحق للدولة أن تحرم المواطن من التنعّم بالانخفاض الحاصل بالكامل، خصوصاً أن فاتورة الاستيراد ستنخفض لأن منطقة اليورو أكبر مصدّر لنا. وذلك بعد تسجيل عجز في ميزان المدفوعات لأربع سنوات. وتحويلات الخزينة للكهرباء سوف تشهد انخفاضاً بعد ستة أو تسعة أشهر من اليوم، بسبب تراجع أسعار النفط. فانخفاض واردات ضريبة الدخل سيعوّضه انخفاض فاتورة الكهرباء المتوجبة على الدولة.
ويلفت غبريل إلى أنه من غير المنطقي أن يتوقع المواطن انخفاضاً بأسعار السلع يوازي انخـــفاض أســـعار المحروقات، لكنّ هذا لا يعني عدم ثباتها على أســـعارها اليوم وانخفاضها في ما بعد، إذا اســتمرت أســعار المحروقات بالهبوط.
ويؤكد أنه على الحكومة بدل فرض ضرائب على المحروقات، فرض خفض تسعيرة مولدات الكهرباء ومراقبتها، وخفض الأعباء التشغيلية للقطاع الخاص كالاتصالات والكهرباء وغيرها. ناهيك بتشجيع التنافسية بعد تراجع مرتبة لبنان 24 درجة بين 2011- 2012 و2013- 2014، وخفض النفقات والهدر مقابل تعزيز الجباية الضريبية، «فالمواطن ليس مسؤولاً عن عدم وجود إرادة سياسية».
من جهته، يؤكد المحلل الاقتصادي الدكتور لويس حبيقة أنه، في ظل القلق والترقّب الاقتصاديين العالميين، وإذا بقي لبنان بمنأى عن الهزات الاقتصادية العالمية، فإن الأسعار ستنخفض حكماً، لأن «لعبة السوق تكسر الرؤوس». ويفسر أن السوق اللبنانية تسمح للمنافسة، وبالتالي هناك دائماً من هو مستعد للاستيراد بأسعار منافسة وأرخص لضرب السوق، وبالتالي لا بد للتجار أن يحتكموا للواقع العام ويخفِّضون الأسعار. ويتوقع حبيقة أن تنخفض الأسعار قبل نهاية آذار بما فيها أسعار العقارات. وهو لا يتخوف من وجود وكالات حصرية، لأن حصريتها تشمل ماركات معينة وليس أصنافاً بكاملها، ما يسمح بالمنافسة أيضاً.
بالنسبة إلى حبيقة لا مشكلة إذا فرضت الحكومة ضريبة على صفيحة البنزين، «كون المالية العامة بحالة يرثى لها». ويقترح أن تحدد بثلاثة آلاف ليرة على كل صفيحة ولمدة سنة من دون تحديد أرضية لهبوط سعرها. ويعلل اقتراحه بأنها ضريبة سريعة التحصيل. ويطالب وزارة الاقتصاد بتشديد المراقبة على جودة السلع.
هكذا، تقدم الوزارة والاقتصاديان جرعة تفاؤل بأن هبوط الأسعار واقع لا محالة. والرهان يبقى على عدم ارتفاع أسعار المحروقات من جديد، وعلى بقاء المنافسة سيفاً مسلطاً على رقاب التجار والمواطنين.

مراقب

من المعروف أن وزارة الاقتصاد التي تقوم بدور رقابي، لا يمكنها تحديد سعر أيٍّ من السلع في الأسواق، باستثناء سعر مبيع الفروج (6900 ل.ل) وسعر مبيع ربطة الخبز العربي المحدد بـ1500 ل.ل بوزن 950 غراماً. بينما منوط بها مراقبة تطبيق الأسعار المفروضة من جانب إدارات أخرى كسعر مبيع المحروقات والغاز الذي تضعه وزارة الطاقة والمياه وأسعار المولدات. وأسعار التبغ والتنباك التي تضعها إدارة الريجي، والخطوط الخلوية التي تحددها وزارة الاتصالات، وأسعار المواقف التي يحددها المحافظون…
في حين أن الأسعار التي تحويها سلّتها الغذائية ترتبط في معظمها ببورصة عالمية، تشير اليوم إلى ارتفاع اسعار الخضار ولحم البقر المستورد والطازج وانخفاض أسعار مبيع الفاكهة والبيض واللوز.
وترفض الوزارة أن تُسأل عن حاجة خفض الأسعار إلى عددٍ لا يُحصى من الاجتماعات، بينما يتم رفع الاسعار تلقائياً فور ارتفاع أسعار المحروقات. وتكتفي بالإجابة بأنها «لن تقبل بأي ارتفاع للأسعار فور ارتفاع المحروقات»، لتذكر بأنها بصدد إعادة إحياء «المجلس الوطني للأسعار»، ومن أبرز مهماته تقديم المقترحات لاعتماد سياسة عامة للأسعار وتحديد نسب الأرباح. وتقديم المقترحات لتعيين الحدود الصحيحة لبدلات الخدمات وأسعار السلع المنتجة محلياً والمستوردة.

(السفير)

السابق
«الموت لأميركا واسرائيل» في ذكرى الثورة الإيرانية
التالي
في الذكرى السابعة لمحاولة اغتيال قاسم سليماني