دراسة حركات الاسلام السياسي في العالم العربي

ضمن سلسلة الندوات وورش العمل التي ينظمها معهد العربية للدراسات، عقد في مقر المعهد  في إمارة دبي في الثاني عشر من شهر نوفمبر الجاري ندوة بعنوان “نحو أجندة بحثية لدراسة حركات الإسلام السياسي في الوطن العربي”. قدم خلالها الأستاذ الدكتور حسنين توفيق، استاذ العلوم السياسية بجامعتي القاهرة وزايد بدولة الامارات العربية المتحدة، ورقتها الرئيسية، وعقب عليها كل من الأستاذ الدكتور نصر عارف، مستشار وزير الثقافة الاماراتي، واستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، والأستاذ الدكتور حمدي عبد الرحمن الأستاذ بجامعة زايد والأستاذة الدكتورة عبير النجار الأستاذة بجامعة القاهرة وعدد من الخبراء والباحثين والصحافيين، وأدار الندوة هاني نسيرة مدير معهد العربية للدراسات.

في بداية الندوة قام الدكتور حسنين توفيق بتقديم عرض واف لورقته، والتي كان عنوانها “بعد مرحلة داعش وسقوط الإخوان: نحو أجندة بحثية لدراسة حركات الإسلام السياسي في الوطن العربي”. سعي خلالها إلى بلورة وطرح ملامح لأجندة بحثية لدراسة الحركات والأحزاب الإسلامية في الوطن العربي في الوقت الراهن وخلال المستقبل المنظور، وذلك من خلال طرح بعض التساؤلات العاة حول تكوين ونشأة ورؤي وتحرك هذه الحركات في الماضي والحاضر والمستقبل، اضافة إلى بلورة بعض القضايا والإشكاليات التي تحتاج إلى مزيد من التحليل والتفسير، مثل تأثير الربيع العربي علي هذه الحركات، دور القوي الاقليمية والدولية، وتأثير التحولات الجارية في النظام الدولي علي مستقبل دراسة الحركات الاسلامية.

قسمت الدراسة الي ستة محاور رئيسية. هي علي النحو التالي:

أولا: خرائط الحركات والأحزاب الإسلامية ومعايير تصنيفها:

قام الباحث خلال هذا القسم بعرض التطور التاريخي لنشأة حركة الاسلام السياسي في الوطن العربي. وجادل بأن هناك ثلاثة مراحل تاريخية رئيسية مرت بها هذه الحركات. المرحلة الأولى كانت خلال عقدي السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، حيث بدأت تظهر الحركات الإسلامية الراديكالية تباعاً، وذلك في سياق ظاهرة أوسع اُصطلح على تسميتها بـ”الإحياء الإسلامي Islamic Resurgence”. وقد انصب اهتمام الباحثين خلال هذه المرحلة المبكرة على تحليل أسباب ظهور الحركات الإسلامية، والبحث في معايير تصنيفها، فضلاً عن رصد وتحليل أهم ملامحها وخصائها من حيث خلفياتها الاجتماعية، وهياكلها التنظيمية، ومرجعياتها الدينية والعقيدية، ومنطلقاتها الفكرية، واستراتيجياتها الحركية سواء تجاه النظم الحاكمة أو المجتمعات [1]. كما تزايد الاهتمام الأكاديمي بإعادة قراءة وتحليل أفكار سيد قطب باعتباره شكل ولايزال مرجعية فكرية رئيسية للحركات الإسلامية الراديكالية، حيث تبنت مقولاته عن الجاهلية والحاكمية والتكفير وغيرها، وراحت تمارس العنف والإرهاب ضد الدول والمجتمعات.

بدأت المرحلة الثانية وفقاً للباحث مع نهاية الحرب الباردة وبالتزامن مع حرب الخليج واحتلال صدام للكويت في 1990، وامتدت حتي اندلاع ثورات الربيع العربي. ومن وجهة الباحث فقد ركزت الأجندات البحثية الخاصة بدراسة الحركات الإسلامية خلال هذه المرحلة على قضايا مثل رصد وتحليل رؤى ومواقف الحركات المعنية تجاه قضايا ومسائل عديدة مثل الديمقراطية، والتعددية السياسية والحزبية، وحقوق المرأة والأقليات، والصراع العربي – الإسرائيلي وغيرها، رصد روئ ومواقف هذه الحركات تجاه الغرب،  تحليل سياسات الدول الغربية تجاهها وبخاصة في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر، وما ترتب عليها من تداعيات معروفة، كان من أبرزها انتشار ظاهرة “الإسلاموفوبيا” في المجتمعات الغربية. اهتم بعض الباحثين بتقييم أداء بعض الحركات الإسلامية في عدد من الدول العربية على مستوى منظمات المجتمع المدني مثل: النقابات المهنية والجمعيات الأهلية ونوادي أعضاء هيئات التدريس بالجامعات والاتحادات الطلابية، فضلاً عن تقييم الأداء السياسي للحركات التي سمحت لها النظم الحاكمة بهامش من المشاركة السياسية في بعض الدول، وبخاصة فيما يتعلق بالمشاركة في الانتخابات، وممارسة العمل البرلماني.

وبسبب أن هذه المرحلة شهدت بزوغ ونشأة التنظيمات الجهادية العابرة لحدود الدول Transnational Movements، مثل “تنظيم القاعدة” الذي انتشرت فروعه وخلاياه المنتشرة داخل المنطقة العربية وخارجها، فقد حظى هذا التنظيم دون غيره باهتمام استثنائي على المستوى الأكاديمي.

المرحلة الثالثة (الراهنة) بدأت مع الربيع العربي. ويقول الباحث أنه علي الرغم من الاعتراف بأن الاسلاميين أو حركات الاسلام السياسي لم يكن لها دور كبير في اشعال الثورات الشعبية، إلا انها استأثرت بالاهتمام الاكاديمي من جانب الدوائر الغربية والعربية، ربما لانها كانت اكثر الفاعلين المؤثرين علي الاوضاع ومراحل ما بعد الثورات. وفى هذا السياق، يقول الباحث، فقد انصب الاهتمام الأكاديمي في الجانب الأكبر منه على تفسير فوز حركات وأحزاب إسلامية في الانتخابات ووصولها إلى السلطة في الدول المذكورة، وتحليل أهم التحديات والاستحقاقات التي يتعين عليها مواجهتها وقد انتقلت من موقع المعارضة إلى موقع السلطة والمسؤولية.

ثانيا: المفاهيم والأفكار والخطابات السياسية.

في هذا الجزء من الدراسة تحدث الدكتور حسنين توفيق عن أن هناك الكثير والكثير من المفاهيم والافكار الخاطئة التي ساهمت الي حد كبير في عدم فهمنا لحركات الاسلام السياسي خلال العقود الخمسة الماضية. خاصة وأن مثل هذه المفاهيم والأفكار والخطابات السياسية لها أبعاداً هامة في دراسة الحركات والأحزاب الإسلامية. ودعي الي اعادة تفسير وفهم وتأويل هذه المفاهيم والافكار، وذلك بالتركيز علي ثلاثة قضايا اساسية في هذا النطاق، وهي إعادة فحص المفاهيم الشائعة استناداً إلى أسس ومقتربات علمية، وذلك باستخدام ادوات واقترابات ومناهج العلوم الاجتماعية المتنوعة والحديثة عند تناول أو تحليل هذه الحركات، تحليل التطور في الفكر السياسي للحركات والأحزاب الإسلامية، عبر مقارنة وتحليل كتاباتها وادبياتها الفكرية والايديلوجية قبل الحديث عنها، تحليل وتقييم الخطابات السياسية للحركات والأحزاب الإسلامية، لمعرفة سلوكها ونمط تحركها السياسي والافكار والمعتقدات التي تؤمن بها في عملها بالمجال العام وفي العمل السياسي عموماً.

ثالثا: تقييم الأداء السياسي للإسلاميين سواء في الحكم أو المعارضة.

شدد الدكتور حسنين توفيق علي ضرورة القيام بدراسة تجارب الإسلاميين في السلطة بشكل علمي معمق يستند إلى منهاجية مقارنة، ومؤشرات واضحة، ومعلومات وإحصاءات دقيقة عن السياسات العامة التي طبقها الإسلاميون وهم في السلطة. والمبرر من هذه المقارنة هو الوقوف على مدى الاستمرارية والتغيير في السياسات التي انتهجتها الأحزاب الإسلامية التي وصلت إلى السلطة في كل مصر وتونس والمغرب، ومدى التقدم أو التراجع الذى حققته في معالجة بعض المشكلات والتحديات القائمة، وذلك مقارنة بالنظم والحكومات السابقة. فعلي سبيل المثال فإن ذلك سيوضح للباحثين وللدراسين ماهو الجديد الذى قدمته الأحزاب الإسلامية التي وصلت إلى سدة السلطة في الدول المعنية مقارنة بنظامي بن على في تونس  ومبارك في مصر، والحكومات السابقة في المغرب؟ علي سبيل المثال لا الحصر.

في هذا الجزء توصل الباحث لنتيجة غاية في الاهمية والدلالة. حيث يقول الدكتور حسنين توفيق ” ثمة مؤشرات عديدة تشير إلى أن السياسات التي انتهجتها الأحزاب الإسلامية في السلطة سواء في مصر أو تونس أو المغرب لم تختلف كثيراً عن سياسات النظم والحكومات السابقة، مما يعنى أن المرجعية الإسلامية لهذه الأحزاب لم تسمح لها بابتداع سياسات وبرامج اقتصادية واجتماعية وإدارية مغايرة، وأن شعارها الأثير “الإسلام هو الحل” هو مجرد شعار انتخابي تعبوي ليس إلا، حيث أن الإسلام في أصوله الصحيحة لم يتضمن وصفات وحلولاً جاهزة لقضايا ومشكلات دنيوية متغيرة بتغير الزمان والمكان، بل تضمن مبادئ وقيماً عامة، وترك الحلول والبرامج لاجتهادات المسلمين باعتبارهم أدرى بشؤون دنياهم “. وهو الأمر الذي يمثل في وجهة نظره نسفاً لكل القيم والأسس الوهمية التي اقامت عليها هذه الحركات نفسها ويظهر في ذات الوقت عجزها عن تقديم بديل للذي قدمته النظم السلطوية العربية طوال العقود السبعة الماضية.

رابعا: القوى الخارجية وحركات الإسلام السياسي في المنطقة العربية في ظل ما يُعرف بـ”الربيع العربي”.

بسبب كونه يعتبر من أكثر مناطق العالم انكشافاً تجاه العالم الخارجي، فإن الباحث يدعو للتركيز بجدي علي دراسة وتحليل دور العوامل الخارجية (المتمثلة في القوي الدولية والاقليمية) في العامل العربي وعلاقاتها مع حركات الاسلام السياسي. ويجادل عن حق بالقول بإنه ” يصعب فهم وتحليل التحولات التي شهدتها – وتشهدها- المنطقة بمعزل عن التأثيرات المباشرة وغير المباشرة النابعة من البيئة الخارجية (الإقليمية والدولية) “.

من أوائل الاطراف التي يدعو الباحث لدراستها هي مواقف القوى الغربية وبخاصة الولايات المتحدة الأمريكية تجاه الحركات والأحزاب الإسلامية وبخاصة تلك التي وصلت إلى سدة السلطة، وتحليل وتقييم حدود الاستمرارية والتغيير في هذا السلوك. ويطرح عدة أسئلة يمكنها أن تساعدنا في فهم هذا السلوك مثل: لماذا راهنت الولايات المتحدة الأمريكية على حكم الإخوان المسلمين في مصر؟ وكيف أسهمت السياسة الأمريكية تجاه سوريا في تعزيز نفوذ تنظيم “داعش”؟…إلخ.

كما يدعو الباحث أيضا إلى مقارنة رؤى ومواقف الحركات والأحزاب الإسلامية تجاه الغرب بعد وصولها للسلطة برؤاها ومواقفها تجاهه قبل ذلك.

أما علي المستوي الاقليمي فيدعو الباحث الي ضرورة التركيز علي دراسة كلا من من تركيا وإيران، وتحليل وتقييم سياستها ومواقفها تجاه حركات الإسلام السياسي في المنطقة العربية، سواء تلك التي وصلت إلى السلطة أو غيرها، ويشدد علي أن أية أجندة بحثية جادة لدراسة مستجدات حركات الإسلام السياسي في المستقبل لابد وأن تأخذ هذا المتغير بعين الاعتبار بحيث يتم الوقوف على الثوابت والمتغيرات في سياسات ومواقف كل من تركيا وإيران تجاه الحركات والأحزاب المعنية، وطبيعة المحددات الحاكمة لهذه السياسات والمواقف.

خامسا: لغز تنظيم “داعش” وما يطرحه من تساؤلات وإشكاليات.

من وجهة نظر الباحث، يعتبر تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام (داعش) “علامة فارقة” في تطور حركات وتنظيمات الإسلام السياسي، ولذلك فإن هناك حاجة في رأيه لدراسته بشكل علمي معمق، خصوصاً في ظل الغياب الكامل لاي دراسات علمية أو موثقة عن هذه الحركة.

(العربية نت)

السابق
بدء محاكمة جندي أميركي هرب الى لبنان وادعى انه خُطف!
التالي
العنف والتطبيع معه!