طرابلس التي خسرت مسيحيّيها

طرابلس

هي المدينة ـ الأم لأهل الشمال جميعا. وكان اللبنانيون عموما من جميع أقضية الشمال، يؤمونها ويسكنون فيها، لقضاء فصل الشتاء، ولأجل تعليم أولادهم في مدارسها. فهي لم تعرف بأنها مدرسة الطرابلسيين، بمقدار ما عرفت أنها مدرسة الزغرتاويين والبتارنة والبشراويين والحصارنة، واهالي الكورة وعكار والمنية والضنية. ناهيك عن جميع مدن وقرى الساحل والريف المجاور من عمشيت وشكا وأنفة والقلمون، حتى القصبات الكبرى في عكار مثل: منيارة وحلبا والقبيات وعندقت وبلاد الجومة وجميع قرى الجرد الشمالي.

والسؤال: لماذا باتت هذة المدينة التاريخية المهدورة، مسكوتا عنها، وعن مصيبتها، من قبل الجميع، ولاأستثني من الناس أحدا. إذ توالت عليها الأحداث، بل المصائب، وكانت في كل مرة تنزف، لا تجد من يمسح لها جراحها، ولا تجد من يبلسم لها كلومها. ترى لماذا أنشأنا وزارة للمهجرين، ولم نسأل عن هجرة أهلها منها: الزغرتاويين والبتارنة والحصارنة والحداشتة والبشراوية والبتارنة وأهالي الكورة والقبيات وعندقت ومنيارة ورحبة والعيون وبيت ملات وحلبا والجديدة. فلهؤلاء جميعا، وإعذروني إذا ما نسيت أحدا من غيرهم، بطرابلس حارات وشوارع وأحياء وبنايات وعمارات لاتزال تحمل أسماءهم حتى اليوم، وهي تعود في إنشائها لأوائل القرن الماضي.
هل نذكر بأن الرئيس سليمان فرنجية، إنما كان يسكن في شقة متواضعة على طريق مستشفى النيني بالقرب من دائرة التربية اليوم. وأن الوزير طوني فرنجية تعلم في طرابلس. وأن أهالي زغرتا والجوار كانوا يؤمون منزله بطرابلس أيام الآحاد والأعياد، فينظر في شؤون أهله من منزله بطرابلس. والسؤال الوجيه الذي نسأله دون أن يجرؤ أحد على الإجابة عليه: لماذا عاد جميع الذين أخرجتهم ظروف الحرب الأهلية، ولم يعد أهل طرابلس هؤلاء إليها؟ ألهذا الحد باتت طرابلس مهدورة؟
هل يحق لنا أن نسأل بعد ذلك عن أسواق طرابلس في عيدي الميلاد ورأس السنة؟ وعن الشعانين وعن الزينات الخجولة؟ وعن الأسواق في المدينة القديمة؟ وعن أسواق التل والنجمة وساحة الكيال وساحة الكورة وشارع الكنائس وشارع الراهبات؟ هل يحق لنا أن نسأل أيضا، عن ساحة القبة وشارع الأرز وحارة السيدة وحي الأميركان والآباء البيض؟ وهذة الأسئلة المحقة، ليست على حساب السؤال عن شارع عزمي ولا على حساب شارع المئتين ولا على حساب باب التبانة – باب الذهب ولا على حساب جبل محسن ولا على حساب شارع سوريا وسوق القمح والجسرين، حيث الكارثة العظمى حلت هناك. بل ولا على حساب ساحة التل والزاهرية وسوق الكندرجية وسوق الدهب وطلعة الرفاعية والجامع المنصوري الكبير والحدادين وباب الرمل وحارات جبل النار وزواريبها الضيقة المحيطة بالثانوية القديمة.
أختم بالقول: أدعو لمؤتمرعام إنقاذي يدعى إليه جميع أهالي طرابلس دون إستثناء: أهاليها الغائبين عنها على وجه الخصوص، للنهوض بالمدينة المهدورة، لأنه من المستحيل أن تنهض مدينة في غياب نصف عائلتها عنها. وتاليا أوجه دعوة للمسؤولين من خارج طرابلس لزيارة المشروع الكارثة المنفذ على النهر المسقوف لتقدير حجم الجناية على طرابلس التاريخية المهدورة.

(النهار)

السابق
رأت بقعتي دم على سروال ابنها.. هذا ما فعلته
التالي
دي ميستورا وصل الى بيروت