رحلةٌ في عالم الأفلام المقرصنة

ما قبل الـ “دي.في.دي”

“في البدء كانت أشرطة الفيديو. كانت وحدها، دون منافسٍ أو شريك. ذلك اليوم الذي أتت فيه أمّي حاملةً معها الفيديو الجديد، كانت سعادتنا، أخي وأنا، بالفيديو الجديد موازيةً لخيبتنا حين عرفنا أنّ أمي فضّلت شراء مشغّل أشرطة الفيديو بدل مشغّل أقراص الـ “دي.في.دي”، رغم تقارب أسعارهما. لكنّ أسعار الأقراص كانت خياليةً وقتها. دفعنا ثمن هذا الخيار لفترةٍ طويلة. إذ سرعان ما بدأت قرصنة أقراص الـ “دي.في.دي” لتصير أسعارها قريبة من أسعار أشرطة الفيديو، والتي بدأت إصداراتها الجديدة بالانخفاض. لذا صرنا نضطرّ إلى إعادة مشاهدة الأفلام القديمة نفسها، مرّة تلو الأخرى. في الفترة الانتقالية بين الفيديو والـ “دي.في.دي”، ظهرت أنواعٌ أخرى لعرض الأفلام أيضاً كـالـ “فيديو سي.دي” والـ “سوبر فيديو سي.دي”. بطبيعة الحال لم تعش هذه الأنواع طويلاً، أسعار أقراص الـ “دي.في.دي” المقرصنة واصلت انخفاضها، وصار البعض يبيعها بأقلّ من دولارٍ واحدٍ للفيلم”.

ماذا في الـ “دي.في.دي” مقرصن؟

سيكون من السهل عليك إيجاد نسخٍ مقرصنةٍ عن النسخ الأصلية للأفلام التي مرّ أكثر من عامٍ أو عامين على إصدارها. أمّا بالنسبة للأفلام الصادرة حديثاً أو تلك التي مرّ زمنٌ طويلٌ على إنتاجها فالأمر سيكون مختلفاً. نوعية الصورة في عددٍ كبيرٍ من الأقراص، التي تحوي هذه الأفلام، أقلّ جودةً من صورة الفيلم الأصلية. قسمٌ منها مصوّرٌ من خلال كاميرا موضوعةٌ في صالة العرض، لذا من الطبيعي أن ترى رجلاً يقف فجأة في وسط الشاشة، أو أن تسمع صوت هاتفٍ يرنّ عدّة مرّاتٍ خلال مشاهدتك الفيلم. جزءٌ آخر قد يكون محمّلاً عن الانترنت بجودةٍ أقلّ من جودة الـ “دي.في.دي”، مما سيزيد من سوء الصورة عند عرضها على التلفزيون. بالتأكيد سيكون قسمٌ من هذه الأفلام موجوداً بجودةٍ عالية، لكنّ ذلك لن يمنع وجود عجائب في الترجمة. قد “يغفو” المترجم فجأةً، فتمر أربع أو خمس دقائق وأنت تحاول فهم ما يقوله الممثلون، قبل أن يستفيق المترجم من غيبوبته، وتعود الترجمة. قد يتطوّع المترجم لأن يشرح لك ما يجري في المشهد، أو أن يتعوّذ بالرحمن حين يمرّ مشهدٌ فاضح أو شتيمةٌ من العيار الثقيل.

أربعة نماذج لأماكن بيع الـ “دي.في.دي” المقرصن

نموذج رقم 1:

أين يمكن أن تجد كل ما ترغب به وبأسعار زهيدة؟ طبعاً في سوق صبرا. تحتل بسطات بيع الأفلام هنا مساحةً واسعة. ستجد كلّ ما ترغب به من أفلام. لكن إن كنت ممّن يشاهدون الأفلام مع مجموعة، فخذ حذرك: ربّما يكون الفيلم الذي بين يديك، فيلماً جنسياً. تأكّد من محتوى الـ “دي.في.دي” قبل مشاهدته مع البقية، ولا تنخدع بصورة سندريلا الموجودة على الغلاف!

نموذج رقم 2:

في الضاحية الجنوبيّة الكثير من محال الـ “دي.في.دي” المقرصنة. سعر الواحد يتراوح بين أقل من دولارٍ وقد يصل إلى ثلاثة دولارات. يقع أحد هذه المحال في الشارع الرئيسي لحارة حريك. إن كنت من المهتمّين بتقييمات موقع الأفلام الشهير “IMDB”، فعليك زيارته. هناك عدّة رفوف متلاصقة، تحوي المجموعة الكاملة للائحة “أفضل 250 فيلما عبر التاريخ” الخاصة بالموقع. لكن سعر الواحد منها ضعف سعر الـ “دي.في.دي” العادي، عليك أن تضيف إلى الألف ليرة التي تدفعها عادةً ألفاً ثانية.

نموذج رقم 3:

لا تستغرب إن كنت في برج حمود ورأيت مارلون براندو يتجوّل رفقة مارتشيللو ماستروياني، فيما تحاول آنّا كارنينا اللحاق بهما. هنا يقع أشهر محلٍ لبيع أقراص الـ “دي.في.دي” المقرصنة بالنسبة لـ “السنفيليّين”. الشاب الأرمني الذي يقضي معظم وقته بملاعبة كلبه، يملك أرشيفاً سينمائياً كاملاً، من غريفيث وصولاً إلى كزافييه دولان، ومن أقاصي آسيا وصولاً إلى أميركا الجنوبية، مقابل مبلغٍ لا يتجاوز الألف ليرة للفيلم الواحد. لا يجذب المحل “السنيفيليين” فقط، بل أصحاب المحال الأخرى أيضاً، الذين يشترون الأفلام ليعيدوا بيعها بأسعارٍ مضاعفةٍ.

نموذج رقم 4:

محلٌ آخر، يتشابه مع محل برج حمود، من خلال تشكيلة أفلامه المتنوّعة والواسعة، لكن هذه المرّة في أحد شوارع الحمراء. يشكّل هذا المكان قبلة لمحبي الأفلام أيضاً، لكن ليس لطلاب الجامعات أو لمتوسّطي الحال منهم، بل للـ “أثرياء” والراغبين بتكوين مكتباتٍ سينمائية مرتّبة. شكل الـ “دي.في.دي” هنا مطابق لشكله الأصلي، بغلافه المطبوع بطريقةٍ مميّزة، وبالقرص الذي سجّل عليه ملصق الفيلم. هذا الأمر يرفع سعر الـ “دي.في.دي” إلى خمسة دولارات في الحد الأدنى.


يشكّل ارتفاع سعر بطاقة السينما سبباً لزيادة الإقبال على شراء الأفلام المقرصنة، بدل أن تدفع ثمانية دولارات لتشاهد الفيلم، بإمكانك أن تكتفي بدفع دولارٍ واحد. لكنّ التطوّر المستمر لسرعة الانترنت في السنوات الأخيرة، دفع الكثيرين للتخلي عن شراء الـ “دي.في.دي” المقرصن، والبدء بتحميل الأفلام أو مشاهدتها “أونلاين”. يدفع ذلك إلى التفكير بأنّ مصير محال الـ “دي.في.دي” المقرصنة سيكون مشابهاً لمحال “الانترنت كافيه” و”الديسكوتيك”.

(السفير)

السابق
ملاكمة بين خالد الضاهر ونهاد المشنوق في ساحة النور
التالي
تجمع في طرابلس لمنع إزالة كلمة “الله” من ساحة عبد الحميد كرامي