لطيفة الحاج قديح: الإسلام سَاوَى المرأة بالرجل لكنّ واقعنا يُناقِضُ ذلك

لطيفة قديح

بعد خمس روايات ومجموعة قصصية، طلعت علينا الأديبة “لطيفة الحاج قديح” ببحث عن المرأة العربية المسلمة، موسوم بعنوان “مقامات نون النسوة، صادر عن دار الفارابي في 304 صفحات، وهو أول عمل بحثي للمؤلفة. وقد جرت مناقشة الكتاب في ندوة ضمن فعاليات معرض الكتاب الدولي، تحدّث فيها كل من سماحة السيد محمد حسن الأمين، والدكتورة أحلام بيضون، والكاتب الإعلامي أمين مصطفى، وادارتها د. فاطمة قدورة الشامي. وحول هذا الكتاب كان هذا الحوار:
• عملك البحثي هذا،هل يعني ذلك أنك تخليت عن عالم الرواية؟
بالتأكيد لا، فالرواية هي الأصل والأساس في تجربتي، وهي الملعب الحر الذي لا يقيده شباك ولا حارس مرمى، فالابداع الروائي يأخذك إلى أفلاك ومدارات وفضاءات مختلفة يختارها الكاتب ويحلّق في سمائها كما يشاء ويهوى، وهي عكس البحث الذي يرتبط بالواقع، والأحداث الحسية والمرئية، كما نشاهدها على أرض الواقع. في البحث يكون التركيز على ما هو كائن، وعلى ما يجب أن يكون، ويرتبط بتفضيلات الباحث الذاتية، وعدم التوقف إلا بعد التوصل إلى النقطة التى يجد الباحث عندها الإجابة عن تساؤلاته، وهو ما يفترض الموضوعية والتزام الدقة والوضوح واتباع أسس التفكير العلمي، وقواعد المنهج.

دوافع مختلفة
• ما الذي دفعك إلى موضوع هذا البحث بالذات وهو بحث في قضايا المرأة العربية والمسلمة؟
أعتقد ان دوافعي تكمن في داخل ذلك التناقض الذي يعيشه مجتمعنا، فالإسلام قد أعطى المرأة حقوقها، وساواها بالرجل، هذا صحيح، ولكن الواقع يشهد على خلاف ذلك، فقلة من النساء هن اللواتي يتساوين بالرجال، أما الغالبية، فمغلوب على أمرها، وتعاني الجهل، والفقر، والمرض، والتهميش الخ…. فما معنى إذن أن تعاني النساء، وأن تبقى المرأة في المجتمع العربي الإسلامي مواطنة درجة ثانية؟ ولماذا تعاني بعض النسوة من مشاكل كثيرة يشهد عليها واقعنا المعاصر، من الظلم والحرمان، والتعنيف الذي يلامس حد القتل أحياناً؟.وكذلك ما معنى وجود هذاالعدد الكبير من الجمعيات النسائية التي تطالب بحقوق المرأة، وتمكينها، ووقف العنف ضدها، الخ.. ؟.وماذا تعني محاولات التفتيش عن حلول لقضايا النساء، ومطالبتهن المشاركة في إدارة البلاد، أو بالشان العام ؟ ولماذا هن مبعدات عن المشاركة ؟.وماذا تعني تلك الإتفاقات الدولية (مثل اتفاقية “سيداو” وأخواتها) التي تحاول وضع حلول لمشاكل المرأة المسلمةمن خارج الإسلام؟. بينما الإسلام يقدم لنا حلولاكثيرة، ولكنها بعيدة عن متناولنا لأسباب عديدة منها: الجهل بها، ومنها عدم وضوح الرؤية بالنسبة للبعض، حتى بات كثيرين يفتشون عن الإنموذج الأمثل التي على المرأة الأقتداء به،هل هي المرأة المنقبة أم المحجبة أم السافرة أم المتحررة؟ وقد تسنى لي السفر إلى أماكن مختلفة، والعيش فيها، وتعرفت على نماذج عديدة ومختلفة من النساء، الغربيات والشرقيات واطلعت على أوضاعهن المعيشية، فكان لا بد لي من إجراء المقارنة، مقارنة حرية المرأة الغربية وحرية المرأة في الشرق العربي. وكذلك طرح بعض الأسئلة التي لم أجد الجواب عنها سوى من خلال البحث.
• ولكن ماذا تعني ب “مقامات نون النسوة”، ولماذا اخترت هذا العنوان؟
العنوان يشي بالموضوع، ولكلمة مقام معان كثيرة، فهناك علم يسمى علم المقامات. يهتم بالصوت وتحسين الأداء. فقد حصر أهل الفن الأوزان وسموها مقامات، وهي ستة . وهناك أيضاً مقامات أدبية وهي عبارة عن نثر فني ، يتكون من أحاديث وحكايات، قصيرة مسجوعة ،تعتبر عند العرب من البذور الأولى للقصة. مثل مقامات “بديع الزمان الهمذاني، ومقامات الحريري.
ولكن هنا في هذا البحث،كلمة “مقامات”تأتي بمعنى مجالس النساء حيث يتحدثن ويتسامرن. وتأتي بمعنى المرتبة او الرتبة التي أعطيت للنساء.وفي كل الأحوال فهناك عنوان فرعي يوضح نوع العمل بأنه بحث في أوضاع المرأة العربية المسلمة أي في أحوالها، وشؤونها وشجونها.

“مقامات نون النّسوة”
• حدثينا عن “مقامات نون النسوة”:
هو عمل بحثي يتناول مشاكل المرأة عموماً، والمسلمة العربية المعاصرة خصوصاً، ولا سيما ما تعانيه الأخيرة من مشاكل في ظل ما سمي بالربيع العربي، وما رافقه ويرافقه من أحداث ومشاكل وجرائم، وقع منها الكثير على كاهل المرأة.
فبعض الحركات التي تدعي الإسلام تحاول الابتعاد عن خط التطور والعودة بالمرأة الى الوراء، وفي هذا منتهى الظلم ومنتهى القسوة في حق المرأة التي خلقها الله مساوية للرجل. فهنا الرجل هو الذي يصادر حرية المراة باسم الدين. ويبحث الكتاب في إحدى جوانبه عن الأسباب التي ساهمت في جعل المرأة متخلفة عن الرجل في بعض شؤون الحياة، وهل يعود ذلك إلى الدين كما يدعي البعض؟ أم الى المرأة نفسها؟ أم ربما يعود إلى الرجل؟
• وما هي هذه الأسباب برأيك؟
لقد وجدت ثلاثة عشر سبباً، منها ما يعود الى التربية والتمسك بالعادات البالية والمفاهيم الخاطئة التي يجب التخلص منها. إضافة إلى التهمة التي الصقت بالمرأة، بانها ناقصة عقل ودين. وإلصاق تهمة الضعف بالمرأة،بينما الضعف ليس من لوازم شخصية المراة. وهناك سببٌ يكمن في تراتبية المرأة، حيث وضع المجتمع المرأة في رتبة أدنى من رتبة الرجل ولا ننسى نظام تقسيم العمل بين المرأة والرجل: فقد وضعت المرأة في الدرجة الثانية من المجتمع.
وهناك أسباب أخرى تعود للتطبيق الخاطىء لبعض المفاهيم الإسلامية مثل مفهموم القوامة، وغيره.. وعلى رأس هذه الأسباب تأتي _نسبة الأمية العالية بين النساء ، حيث تقول موسوعة “أنكارتا” أن مستوى الأمية (عند النساء) في بعض الدول العربية عال جداً قياساً على دول أخرى، فهو( حوالي 50 بالماية في اليمن و75 بالماية في السودان، أما في الصومال فتصل نسبة الأمية بين النساء إلى 90 بالماية. ومن أسباب تخلف المرأة عن مواكبة الرجل عدم تشجيع المرأة على صناعة الفكر، وعدم اتاحة الفرصة لها لذلك.
ومن الأسباب أيضاً، جهل المرأة لحقوقها، وهنا الطامة الكبرى، وهذا ما أدى إلى اتهامها بالضعف والخنوع والتخلف.وكرس صورة نمطية للمرأة أنها لم تستطع ان تصل إلى مستوى الرجل في العمل والفكر والإدارة… ومن الأمثلة على ذلك كثيرة.
ومن هذه الأسباب ما يعود للمراة نفسها، وهو ظلم المرأة للمرأة،وهنا لا بد لنا من النظر إلى الأم التي تربي، وتفرق في معاملة الأولاد، وتميز الذكر عن الأنثى، وتخصه بكل ما هو أفضل. وفي جانب آخر يلقي الكتاب الضوء على تكريم الإسلام للمرأة وعلى الحقوق التي أسبغها عليها قياساً على ما كانت عليه قبله. ويطرح السؤال: إلى أي مدى طبقت هذه الحقوق على أرض الواقع في مجتمعاتنا العربية والإسلامية؟

حول المرأة المعاصرة
• ولكن ماذا عن المرأة المعاصرة، وأي حيز شغلت في هذا المؤلف؟
لقد خصصت “المقامات” حيزاً هاما للمرأة المعاصرة، إمراة القرن الواحد والعشرين، حيث ما زلنا نسمع عن جرائم الاغتصاب والشرف وختان البنات والزواج المبكر، و…، والأنكى من ذلك إن ثلة من التكفيريين جاؤنا ببدع وفتاوى عجيبة غريبة كفتوى “جهاد النكاح” وأخواتها، وعادوا بنا إلى سوق النخاسة حيث تباع النساء لمن يدفع أكثر، فأعادونا بذلك مئات السنين الى الوراء،كل ذلك بإسم الإسلام، والاسلام منهم براء. والواقع أنه لا يمكنناالحديث عن الحاضر من دون التطرق إلى الماضي لأن التاريخ سلسلة واحدة مترابطة الحلقات. وهناتطرح المقامات أسئلة كثيرة منها: هل التاريخ تقدمي؟ وهل الاسلام جاء بالرق أم بالعتق؟ ولماذا عُزلت المرأة عن الحياة العامة في العصرين العباسي والعثماني؟ وأسئلة أخرى تتعلق بالمرأة وحقوقها وواجباتها …هذه الأسئلة وكثير غيرها يطرحها كتاب “مقامات نون النسوة” يحلّلها ويناقشها ويحاول الإجابة عنها..
• ولكن ماذا عن العولمة التي نعيش فيها، وأين موضع المراة العربية فيها؟
هذا سؤال هام، لم يغفل البحث الحديث عنه، ففي المقلب الآخر ،يطرح هذا المؤلف، موضوع علمنة قضايا المرأة وعولمتها، ومدى تأثير حركات التحرر النسوية في العالم على المرأة العربية والمسلمة. وكذلك موضوع الاتفاقيات الدولية مثل اتفاقية “سيداو” واخواتها حيث يطالب صانعو القرار برفع التحفظات عن هذه الاتفاقيات.

تشخيص… وانتظار…
• وما هي الخلاصة التي توصلت إليها؟
الحل ليس بعصا سحرية تقلب الأسود أبيض أو ترفع الظلم بكبسة زر، طبعاً المطالبة شيء جيد ومشروع وما ضاع حق وراءه مطالب، ولكن على هذا المطالب ان يشخص الداء قبل ان يصف الدواء، وان يسعى لدواء يكون من صيدلية الشرق، وأن يكون صبوراً وملحاحاً ومثابراً.
• إن موضوع المرأة في الشرق العربي موضع شائك، وقد تطرق إليه كثيرون ومع ذلك فما زال هناك الكثير لكي يقال، فماذا أضاف ” مقامات نون النسوة” للمكتبة العربية؟
إنها شيمة البحث أن يبنى على ما سبق، وأن يستفيد من تجارب الآخرين، وقد بنيت بحثي على حقائق موضوعية، وخاصة فيما يتعلق بالمرأة العربية المعاصرة ومشاكلها الكثيرة في ظل ما سمي بالربيع العربي، والربيع منه براء. وما حمله معه ذلك الربيع الكاذب من سلبيات كثيرة تريد العودة بالمرأة مئات السنين إلى الوراء، مثل فتوى “جهاد النكاح” واخواتها. كما العودة بالمجتمع إلى سوق النخاسة حيث تباع المرأة حسب العمر والطائفة. ولم يكتف مقامات نون النسوة بذلك، بل بحث عن دور المرأة في بناء الحضارة الإسلامية من خلال المفاهيم القرآنية التي مكنت من تشييد تلك الحضارة مثل مفهوم الإستخلاف، والولاية، وهل للمرأة الحق في قيادة المجتمع حسب النص القرآني؟ أم لا؟ فوضع النقاط على الحروف في موضوع شائك كهذا، فكان بهذا سباقاً الى طرح الموضوع من زاوية لم يتطرق إليها أحد من قبل.
• هل باعتقادك انك سوف تستفيدين من هذا البحث في أعمالك الروائية؟
أظن أنني حتما سأستفيد من هذه التجربة، ولا سيما أن معظم الروايات التي كتبتها، تعتمد وبالدرجة الأولى على النساء، ولا أخفي أن الكتابة عن الأسرة هي هوايتي. من هنا أعتقد استطيع أن أجزم، أنني سوف أستفيد بشكل أو بآخر، في عملي الروائي القادم،من هذا البحث الشامل عن المرأة.
وأتمنى أن يعي المسؤولون في بلادي أهمية هذا الموضوع، وعلاقته بما يحدث على الساحة، ولا سيما عندما نشاهد الأخبار اليومية وما تحوله من مشاهد مأساوية لنساء وعائلاتهن، يعانين في ظل الحروب من مشاكل التهجير القسري، وما يواكبه من الفقر والجهل والمرض والفاقة، والبطالة . وهذه أشياء لا تحدث فجأة وإنما هي نتيجة لما تعانيه المرأة من جهل وأمية وقلة وعي .لهذا يجب معالجة قضايا المرأة وعدم اهمالها، للنهوض بالمجتمع، لأن المرأة ليست فقط نصفه وإنما هي أكثر من ذلك لأنها تربي النصف الآخر…

(شؤون جنوبية)

السابق
وثيقة تكشف لأول مرة ماذا يريد «داعش» من النساء
التالي
الجنس بين الطلاب والأساتذة ممنوع!