المطلوب تسوية تاريخية

هاني فحص

على مسؤوليتي، أدعو الشباب اللبنانيين عموماً، وأهل الكفاءات العملية والطموح الوطني منهم خصوصاً، أن يعملوا بشكل أو بآخر على إنهاء هذا الوضع الشاذ في لبنان والذي طال عمر شذوذه، وما زال شذوذه يتعاظم، كي يبقى الماضي مُتحكّماً بالمستقبل ملغياً له. هذا يعني أنه لا بد من تسوية تاريخية في هذا البلد حتى لا تتراكم الخسائر. فالحروب الداخلية والخارجية تنتهي إما بانتصار طرف على طرف، وإما بالتسوية. ولا أعتقد أن من مصلحتنا ان ينتصر طرف لبناني على طرف آخر، لأننا لا نثق ثقة كاملة بجميع الأطراف التي أثبتت عدم أهليتها في بناء الدولة.

إذاً التسوية لازمة، وعندما تحدث التسوية بين الأطراف المتحاربين بالتنازل المشترك، يصبح بإمكان أي رأي آخر أي رأي ثالث في أي طائفة او حزب أو جهة أن يبدأ بالعمل، بشكل محكوم بالأمل. وحتى لا تبقى العصبيات الطائفية جاهزة للإحباط والابتلاع والمصادرة، تبحث أي حركة عن الحرية كشرط إنساني وشرط وطني في هذا البلد. وقد أثبت الربيع العربي وأثبتت الأنظمة التي تهاوت والتي سوف تتهاوى أن الحرية شرط للخبز وشرط للكرامة، لأن المستبد هو مصدر الإقفار وسبب ضياع الثروة.

إن المستبد قد يكون طرفاً واحداً ولكن الحروب الأهلية وهي ليست أهلية، لأنها ضد الأهل وضد الوطن، تهدم الدولة، عمارة الدولة، وفكرة الدولة. وعندما يتم تهديم الدولة تصبح مصلحة الأهالي والمواطنين مهدورة، وهذه الحروب تخلق لنا بدل الاستبداد الواحد استبدادات متعددة متطرفة، يبرر فيها الاستبداد نفسه بالاستبداد الآخر، ويبرر فيها التطرف نفسه بالتطرف الآخر، وكلها تسقط الدولة من وعي وفكر المواطنين وحياتهم.

نريد تسوية من أجل إعادة بناء الدولة، نريد تسوية لنعيش تحت سقف الدولة، دولة الأفراد، لا دولة الطوائف، دولة القانون، لا دولة أخذ الحق أو ما يدّعى أنه حق باليد.

لقد مللنا وعلى الشباب أن يضغطوا بهذا الاتجاه، لأنه من لحظة التسوية يبدأ دورهم في إعادة بناء الدولة والمجتمع الأهلي والمدني معاً.

* من كتاب “على مسؤوليتي” – صوت لبنان

السابق
560 زيجة لبنانية في قبرص عام 2014… فهل من يعتبر؟
التالي
وثيقة تكشف لأول مرة ماذا يريد «داعش» من النساء