العربي الجديد: حزب الله يواصل إرباك الحكومة

يسير حزب الله في خط تصاعدي في عملية الاستقلال عن قرارات الدولة اللبنانية ومواقفها. خرق الأمين العام للحزب، حسن نصر الله، الكثير من القواعد والثوابت في السياسة الخارجية اللبنانية وأبرزها احترام ومراعاة القرارات الدولية وعدم التدخل في شؤون أي دولة عربية. استوجبت مواقف نصر الله ردوداً رسمية لبنانية وتوضيحات، جاءت لتحافظ على ما تبقى من ماء وجه الدولة، أو كردِّ اعتبار معنوي للمؤسسات اللبنانية أو للتأكيد الملزم على وجودها أمام المجتمع الدولي والعربي. وكان آخر هذه الردود، تشديد المدير العام للأمن العام اللبناني، اللواء عباس إبراهيم، بعد لقائه قائد القوات الدولية العاملة في جنوب لبنان (اليونيفيل)، لوتشيانو بورتولينو، على تسمك الدولة بـ”القرار 1701، وفي هذا الموقف أنا أمثّل الدولة اللبنانية”.
سبق لحزب الله أنّ تجاوز هذا القرار الدولي الصادر عن مجلس الأمن في الأمم المتحدة، الذي يحدّد نطاق العمل العسكري على الجبهة الجنوبية بين لبنان وفلسطين المحتلة منذ العدوان الإسرائيلي الأخير على لبنان في يوليو/ تموز 2006. نفّذ الإسرائيليون “عملية القنيطرة” في سورية (22 يناير/ كانون الثاني الماضي)، فاستهدف الحزب موكباً عسكرياً وقتل جنديين في منطقة شبعا (مثلث الحدود بين لبنان وسورية وفلسطين)، في رد طبيعي ومنطقي على الاعتداء. لكن ما قاله نصر الله بعد أيام من الردّ جاء ليؤكد انّ الحزب يحدد استراتيجيته بمعزل عن الدولة، إذ اعتبر، في 30 يناير الماضي، أن الحزب “لم يعد يعنيه أي شيء اسمه قواعد اشتباك (يحددها القرار 1701)، ولم يعد يعترف بتفكيك الساحات والميادين، ومن حقنا الشرعي والأخلاقي والقانوني أن نواجه العدوان أيّاً كان وفي أي زمان ومكان وطريقة”.

تخطى الحزب القرار 1701 في الميدان وعاد وكرّس هذا الخرق في الإعلام على لسان أمينه العام، وسبق كل هذا موقف حزب الله من الوضع في البحرين. فقال نصر الله، في 9 يناير، إنّ “ما تشهده البحرين استيطان واجتياح شبيه بالمشروع الصهيوني، إذ يُؤتى بالناس من كل أنحاء العالم ويعطون جنسية ووظيفة، وابن البلد الأصلي تُسلب منه أبسط الحقوق، وأمام أي موقف يسجن أو تنتزع منه الجنسية”. مضيفاً أنّ “الثورة البحرينية لم تنحدر إلى العنف، ليس لأنه لا يمكن استخدام السلاح في البحرين أو إيصاله للمقاتلين، بل لكون القادة السياسيين فيها يصرون على المسار السلمي”.
استوجب موقف نصر الله رداً رسمياً لبنانياً على لسان رئيس الحكومة، تمام سلام، الذي أكد في 17 يناير على أن “الكلام الذي يصدر عن أي جهة سياسية لبنانية في حق البحرين لا يعبّر عن الموقف الرسمي للحكومة اللبنانية”.
يستمرّ حزب الله في هذه السياسة منذ أعوام، من خلال، أولاً، خرق سياسة النأي بالنفس التي أقرّتها حكومة الرئيس نجيب ميقاتي في بيانها الوزاري في يوليو 2011، بتدخله العسكري في سورية. كان ميقاتي يطلّ على الشاشات والمنابر الوزارية ليؤكد على حيادية لبنان، في حين يُسقط مقاتلو الحزب بلدة القصير (على الحدود الشرقية بين لبنان وسورية)، من أيدي المعارضة السورية، ويستكمل ذلك لاحقاً في دمشق وحلب وغيرها من المناطق السورية.
داخلياً، لا تختلف انتهاكات حزب الله للنظام اللبناني وقوانينه ودستوره وأمنه، إنْ عبر انتشار الفروع الأمنية والعسكرية المختلفة التابعة للحزب، أبرزها “سرايا المقاومة”، أو تخطي سلطة المؤسسات في أحداث 7 مايو/ أيار 2008 واجتياحه لبيروت واحتلاله مراكز تابعة لتيار المستقبل. ليستكمل الحزب كل هذه الممارسات من خلال فرض “الثلث المعطل” داخل الحكومة التي مهّدت لإسقاط زعيم “المستقبل”، الرئيس سعد الحريري، في وقت لاحق من رئاسة الحكومة.
كان بالإمكان القول إنّ مواقف نصر الله وتأكيده على سياسة حزبه الخارجية والداخلية، مجرّد تعبئة شعبية وتعبير عن فائض القوة. إلا أنّ أداء كتلته الوزارية والنيابية في المجالس الرسمية اللبنانية تعبّر عن إمعان الحزب في تجاوز الوجود الرسمي للدولة. صمت وزيرا الحزب خلال اجتماع مجلس الوزراء بعد “عملية القنيطرة”، بعد أن سُئلوا عن احتمال رد الحزب، كأنّ الأمر لا يعني الحكومة وسلطتها. وكذلك هي الحال في اجتماعات اللجان المختصة في البرلمان. أما الجهاز الرسمي في الدولة اللبنانية فغير معنيّ سوى بالتغطية على هذه التجاوزات و”تلميعها” أمام المعنيين في المجتمع الدولي والعربي.

السابق
البناء: حزب الله: «ما منترك عون وما منرضى بدالو»
التالي
استنفار أمني بحثاً عن 5 «انتحاريين»: 4 لبنانيين ومغربي