جهاد بنوت: التحريف يهدد مصداقية المواقع الالكترونية

“حبر وورق” غاليري ليس ككل الغاليريهات المتعارف عليها في لبنان، بل، هي كما يشي اسمها وثائق واوراق ومخطوطات وكتب نادرة باللغة العربية والانكليزية والفرنسية وارشيف كبير من الصور الفوتوغرافية من القرن الثامن عشر حتى نهاية الصورة بالابيض والاسود، ومجموعة مهمة من البطاقات البريدية (كارت بوستال) وطوابع بريدية لمختلف الدول  والاسطوانات العربية القديمة واللوحات الزيتية.

وفي لقاء مع صاحب (حبر وورق) حول استمرارية التعامل والعلاقة مع الورق والحبر والقلم والصورة، وايمانه من خلال عمله المضني والمكلف، والذي دفعه ليتخذ موقعا في شارع عُرف عنه اهتمامه بـ”الانتيكا” في بيروت.. هناك التقت “شؤون جنوبية” الدكتور جهاد بنّوت، فماذا قال عن علاقة الورق بالاعلام الالكتروني حاضرا؟.

ما الطريقة التي تعمل بها لجمع الوثائق على اختلافها؟

من خلال ممارسة العمل والتجربة تم تعميم اسم غاليري (حبر وورق) في  وسط اشخاص يريدون بيع محفوظات قديمة لديهم، ومنهم مع الاسف من يرمها للتخلص منها. وكم وجدنا في هذا الاطار من عائلات مرموقة تدعيّ الثقافة وتتقدم الحضور في الصالونات الادبية والاجتماعية قد تخلّت مباشرة، بعد فقدها احد افراد عائلتها، الذين كانوا يهتمون بجمع الكتب والاوراق والوثائق العائلية الخاصة، للتخلص منها باعتبارها عبئا، وبالتالي تكون وجهة سيرها مكبات النفايات، والامثلة على ذلك كثيرة.

كما انه هناك بعض الاشخاص، عندما يتقدّم السن بهم يعمدون بأنفسهم الى بيع بعض الممتلكات التي جمعوها خلال سنيّ حياتهم. واني في هذه الاطار وان كنت انتقد الذين يرمون اوراقهم الا انني أجده مبررا على مستوى تداول الاوراق لاعتبارات معرفية اذ ان بقاء مثل هذه الاوراق في خزائنهم مغلقة، قد يحرم المهتمين من الاستفادة من مضامينها التي قد تكون مهمة وضرورية على مستوى الدراسات والابحاث.

ما هي هذه المجموعات التي اقتنيتها في “حبر وورق” حتى الان؟

من خلال تفرغيّ للبحث عن الاوراق على مختلف انواعها تمكنت بحمدالله من اقتناء عدد كبير من الوثائق التاريخية لا سيما في بلاد الشام والتي يعود بعضها الى عهد المماليك، ومن المجموعات المهمة في هذا الاطار: المجموعة الفلسطينية التي تمتد من العهود العثمانية ثم مرحلة الانتداب. وايضا منذ اعوام قليلة شرعت باستكمال هذا الملف عبر البحث عن وثائق فلسطينية ما بعد النكبة، هذا بالاضافة الى مئات الكتب المتنوعة والمهمة التي شكلت، حسب رأيي، مراجع ومصادر اساسية للمهتمين.

ما هي العقبات والمعوقات التي لاقتك؟

ان المشكلة التي تواجه كل من يسير في هذه السبيل هي مسألة الحفظ لا سيما الوثائق والمخطوطات التي تحتاج الى تقنيات متخصصة بالكاد تستطيع الدول والمؤسسات المعنيّة اقتنائها، وهذا ما قد يشكل احيانا اعاقة على الاستمرار، وعلى الجمع. وهذا ما دفعني في احد اللحظات الى التخلص من جزء منها مما لا استفد منه في كتاباتي ودراساتي، وشرعت الى تأمين تصريف لها، وعندما وجدت انه هناك عشرات بل مئات ممن يهتمون في هذا الشأن تشجعت على فتح صالون كتاب أسوق من خلاله كل من يدخل ضمن اهتماماتي واختصاصي العلمي.

هل تخاف من اقتحام موجة التقنيات الالكترونية في المجال الثقافي والتراثي؟جهاد بنوت

لقد ظن البعض انه مع تطور عالم المعلوماتية من جهة، والقفزة النوعية على مستوى الثقافة الالكترونية ان ذلك قد يؤدي الى نهاية عصر الورق على انواعه. وهو ما دحضه الواقع العملي حيث حافظ الكتاب بشكل خاص على مستواه ومقامه، وليس فقط عند اؤلئك الذين يحفظونه بترف او هواية، بل عند الباحثين عن المعرفة والمتخصصين والمتعلمين لاعتبارات متعددة في مقدمها، حسب رأييّ، ان الكتاب سيظل الحجة الاقوى والاصدق على مستوى الانتاج المعرفي.

ان المتصفح مع تقديري للدور الكبير الذي يلعبه عالم المعلومات اليوم يجد ان الكم الاكبر من المعلومات الي تحتوي عليه المواقع الالكترونية تتهدد مصداقيته مسألتين: الاولى: التحريف المتعمد من عرض المعلومات. والثاني: غياب التخصيص في هذا الموضوع او ذلك، الامر الذي يؤثر على اضعاف هذا الموضوع. وهذا ما يفرض مسألة فلترة المعلومات من قبل اناس متخصصين.

هل ما زال هناط اناس يحفظون التراث ويدركون قيمته؟

لا يمكن لهذا الحديث ان يكتمل دون الوقوف عند الاشخاص الذين ما زالوا يقدرون ويقدسون الورق لاعتبارات متعددة ولو كان في طليعتها اقتناء الكتاب او الورق كتحفة ثمينة او لادعاء ترف فكري معين اوللزينة. اذ مهما كان الدافع هنا فان النتيجة ستظل حفظ وحماية هذا التراث الانساني العميق. وهو ما ما يؤدي بطريقة غير مباشرة الى اعطاء جزء كبير من الاوراق والمخطوطات والكتب قيمة مادية لا يستهان بها والامر نفسه ينسلخ على موضوع الصور الفوتوغرافية التي تعتبر وثيقة وحجة لا تقل اهمية عن الوثيقة التاريخية، بل احيانا تكون اكثر صدقا لانها تنقل الواقع كما هو. وهنا اريد ان اعطي اهمية للصورة نفسها على مستوى صدقها ودقتها في نقل الواقع مقارنة مع ما يجري اليوم من عملية اللعب في مضمون الصورة اي الـ(فوتوشوب) لاسباب تسويقية، قد تكون ليس فقط مادية بل سياسية، وهو الاسلوب الدعائي الذي قد يترك اثرا في هذه المسألة او تلك على المستوى السياسي والفضائحي.

كيف يستفيد الورق من التجارة الالكترونية والتقانة كما ترجمها البعض من المفكرين امثال الراحل عبدالله العلايلي؟

ان اكبر دليل على مكانة الكتب المطبوعة والمخطوطات على انواعها واستمرار الاهتمام بها هو ما يعرف اليوم بالتجارة الالكترونية، وتمثل هذه التجارة والتي تجد زبائن ومهتمين جعلها تدخل في عالم البيع بالمزاد على مستوى عال وللتأكيد على ما اقول أحيل من عنده شك الى متابعة موضوع المزادات العالمية التي تجري في اكبر الصالات في الولايات المتحدة واوروبا، حيث تتصدر الكتب والمخطوطات والرسائل والصور قائمة المعروضات. وكيف لنا ان نقرأ وصول سعر كتاب المصور المصري الشهير محمد صادق باشا الذي يحتوي على اوائل الصور للاماكن المقدسة الاسلامية الى اكثر من مليون جنيه استرليني، وهو عبارة عن عدد بسيط من الصور. وان ورقة واحدة خطّها ابن البواب او ابن مقلة من المصحف الشريف تصل الى 100 الف دولار!!

من هنا أقول، لا يمكن ان ينتهي عصر الورق، في الوقت نفسه الذي لا يمكن ان تعمل على عرقلة القفزة النوعية التي نشأت بواسطة عصر المعلوماتية والتقانة، بل اننا ندعو الى تزاوج التقنيات التي حافظت على حضارة البشرية منذ عصر “غوتنبرغ” وما قبله من مخطوطات وحتى عصرنا الحالي، حيث ينتج ما يعرف بالنشر الالكتروني من جهة تسويق الكتاب الورقي عبر الانترنت.

(شؤون جنوبية)

 

 

 

السابق
الصراع السنّي – السنّي
التالي
نقابة الأطباء تنتفض على وزير الصحة