عن شيعة وسنّة فرحوا بإعدام الكساسبة وشمتوا بالأردن

معاذ الكساسبة
اعدام الطيار الاردني حرقا من قبل داعش ترافق مع بروز الخطاب المذهبي الطائفي بمستوى متدنّ، وطغيان خطاب تمجيد الذات ضد الآخر فأصبح الضحيّة ظالما يستأهل القتل، وعميلًا أميركيًّا بنظر الفئتين المتقاتلتين، كعادة شعوبنا في إلقاء مخلفاتهم القذرة على "الاستعمار"، في سوريالية هي أقرب إلى الهلوسة والجنون الهستيري.

لم تكد مواقع التواصل الاجتماعي تنقل فيديو إعدام الطيار الأردني معاذ الكساسبة من قبل “داعش” حرقًا بأبشع صورة أقل ما يقال بها إنّها وحشيّة وظالمة، حتى فوجىء الناشطون بدفق من التعليقات المذهبية والطائفية الهائلة التي فجّرها هذا الإعدام الهمجي. وهذا يدلّ على أننا عدنا في القرن الواحد والعشرين إلى عصور ظلام وانحطاط أخلاقي وإنساني لم يشهد له العصر الحديث مثيل. شيعة وسنّة كانوا يشمتون بالقتيل.

عدد غفير من الناشطين “الشيعة” شمت بحرق الكساسبة فمنهم من قال: “هذه ثقافة أهله الدينية، والأردنيون الذين صدّروا الزرقاوي وغيره إلى العراق ليقتلوا الشيعة يلاقون جزاء فعلتهم”، وآخر يعلّق: “طابخ السم آكله”، وغيره: “الأميركيون الذين يدعمون الأردن هم أيضًا دعموا داعش والآن يأكلون بعضهم بعضًا، يستأهل هذا اللعين الحرق، اللهم أخلف الظالمين بالظالمين”!

وهكذا كان يسيرًا على المتابع أن يميّز بسهولة طائفة ومذهب من يعلّق على خبر حرق الطيار الأردني وذلك من خلال التعليقات الطائفية الصارخة والوقحة.

أما الناشطون “السنّة” فلم تقلّ تعليقاتهم الطائفيّة السامة عن نظرائهم الشيعة بل بزّوهم بأضعاف ولم يغفر لهذا المظلوم الذي شوي حيًّا أنه ابن جلدتهم، فمنهم من قال: “يستأهل والله، فهو خائن يقصف أهل السنّة ويقتلهم وهذا القصاص عادلٌ له”، وناشطٌ آخر بدا أنه غيورٌ على الدين من الإعلام العالمي المتآمر على الإسلام على حدّ تعبيره، فقال: “كان يمكن إعدامه بغير هذه الطريقة البدائية كي لا يظهر أن الاسلام دين وحشيٌّ كما يزعمون”، وفي النهاية يتوافق الطرفان أن المقتول عميلٌ أميركيٌّ فيعلّق أحد الناشطين السنّة: “فليذهب هو وملكه عبد الله (الأردني) إلى الجحيم، فهو انضمّ إلى الحلف الصليبي الذي يناصر إيران ويقاتل أهل السنّة”.

قلّة ترحّموا على شباب الطيّار المحروق ظلمًا، والنتيجة، أنه عندما ينحدر الخطاب المذهبي الطائفي إلى هذا المستوى المتدنّي، ويطغى خطاب تمجيد الذات (الفئة الناجيّة)، ضدّ الآخر (الفئة الضالة)، ويصبح الضحيّة (المحروق ظلمًا) ظالمًا يستأهل القتل، وعميلًا أميركيًّا بنظر الفئتين المتقاتلتين، كعادة شعوبنا في إلقاء مخلفاتهم القذرة على “الاستعمار” في سوريالية هي أقرب للهلوسة والجنون الهستيري، فهذا ان دلّ على شيء فانما يدلّ ذلك على أزمة يعاني منها الإنسان في مجتمعاتنا المريضة وقد تجرّد الفرد من قيمه الإنسانية وعاد وحشًا طائفيًّا بامتياز، يتقرّب إلى ربّه الذي احتكره عن طريق قتل الآخر وذبحه، أو حرقه وتفجيره، كل ذلك أعلاء لشأن جماعته “الطائفة” وضمان سطوتها على الطائفة الأخرى، والسلاح الغرائزي في سبيل ذلك، هي الفتوى التي تأمر بالقتل، مع شعار “النصر أو الشهادة”، و”قتلانا في الجنّة وقتلاكم في النار” وغيرها من أحاديث وآيات قرآنية تُستغلّ طائفيّا وعنصريّا وتُوضع في غير موضعها.

المؤكّد أنه بعد مطالعة التعليقات والردود التي تناولت الإعدام الشنيع للطيار الأردني معاذ الكساسبه، نصبح على يقين بأن الخسارة الأولى والجسيمة التي نُمنى فيها تباعًا، هي خسارة “الإنسان” فينا، وهي خسارة لن تعوّض إلا بعد أجيال طويلة.

السابق
الراية: رفض ممارسات النظام السوري لا يعني التعاطف مع «داعش»
التالي
جنبلاط : باريس مهتمة بالرئاسة أكثر من بعض اللبنانيين