الصحافة اليوم: متاعب كثيرة وسلطة تتقلّص

من أقوال مرشدي، عميد الصحافة العربية غسان تويني، أنّ لقب”صحافي” هو لقبه المفضل والأثمن. الصحافة التي انتمى اليها الأستاذ غسان تويني تختفي بسرعة. كان يحترم الآراء حتى لو اختلف مع أصحابها. وكان نموذجاً يحتذى في ممارسة هذه المهنة المقدسة، والتي حققت لنفسها التمييز بين “مهنة المتاعب” و”السلطة الرابعة”.

في الآونة الأخيرة، تفحصت عن قرب وبقلق متزايد أداءنا كصحافيين ومؤسسات إعلامية. أعتقد أننا في انزلاق ملموس نحو ممارسة المهنة كأبواق فقط، وإن لم يكن ذلك دائماً من طريق الاختيار. في بعض الأحيان الظروف القاسية – سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية – تلقي بظلالها على الرغبة الحقيقية في البحث عن الحقيقة والجهد الحثيث المطلوب لإظهارها بتجرّد.
من صحافي ياباني خطف وقطع رأسه تنظيم “داعش” في سوريا، الى زملاء من صحافيين عرب ومدوّنين سجنتهم الأنظمة القائمة أو اغتالتهم قوى الشر التي لم تتحمل دوي الحقيقة التي عبّروا عنها. إلى عمالقة الإعلام الذين يمارسون الرقابة الذاتية لتجنب التعرض للقمع أو الاقفال التام. إنّ استهداف الصحافيين والحقيقة التي يمثلون هو خطر حقيقي ونحن نعيش أشرس أيامه.
من يمثّل الصحافة الحرة في العالم العربي اليوم ويتولى الدفاع عن حقوق الصحافيين؟ نعلم عن بعض الجهود الفردية، لكنها ليست كافية إلا إذا تعاونت في ما بينها وتضامنت بصوت واحد وشملت مجموعة أوسع من الأفراد الصامتين.
كيف يمكن أياً منا – مهنيين وأساتذة أو مدربين – أن يكون قدوة إذا كان لكل منّا فهم خاص لما هي الصحافة أو كيف تُمارَس؟ إذا لم نتمكن من تعليم الانفتاح والحرية، وإذا كنا لا نعلّم احترام وتقديم الأطراف المتنازعين جميعاً، إذا كنا لا نسمي الأشياء بأسمائها من دون خوف من التداعيات، إذا كنا لا نستطيع معالجة أي موضوع من غير أن نسمّي الأطراف والنزاعات والحقائق. كيف يمكننا تشجيع الصحافة الحرة إذا كان كل شيء نكتبه يجب ان يتفق والوضع الراهن أو لا بد من رعاية علامة تجارية ما للوصول إلى الجماهير؟
العالم بأسره يحتاج إلى اعادة نظر واعادة إحياء لوسائل الإعلام، لكن أحداً لا يحتاج إليها أكثر من منطقة الشرق الأوسط. هناك أسباب كثيرة جداً تقف، ويا للأسف، في طريقنا، لكن هذا لا يعني أننا لا نستطيع تغيير شيء. بل على العكس تماماً. هذا يعني أننا يجب أن نستعيد صوتنا باعتباره الغالبية الصامتة من الصحافيين التي يمكن أن تحدث فارقاً وعدم السماح لقوى الطغيان والشر بإسكاتنا وقمعنا باستمرار والتمادي في ذلك أكثر.
في مهنتنا اليوم، متاعب كثيرة وسلطة تتقلّص يوماً بعد يوم. يتعيّن علينا ان نُعلي أصواتنا كي نستعيد مكانة الصحافة كسلطة رابعة من اجل الحقيقة والحرية قبل أن يصير الوقت متأخراً جداً.

(النهار)

السابق
مهرجان صور الموسيقي الدّولي في لبنان بمشاركة عربية وأجنبية
التالي
مخطط فتنوي لـ«النصرة» في شبعا وصولاً إلى البقاع