جرأة «حزب الله» والأسئلة الصعبة

نجاح «حزب الله» أمس (الأربعاء الماضي) في الهجوم ضد قوة عسكرية إسرائيلية على الحدود، الذي لقي فيه مقاتلان مصرعهما، يشهد ليس فقط على اختيار توقيت جيد من ناحيته، وإنما أيضا على جمع معلومات استخبارية دقيقة، وعلى نجاعة وعلى مستوى مهني عال لمقاتلي هذا التنظيم الشيعي. فالأمر لا يتعلق بعمل مقاتل منفرد من «حزب الله»، وإنما بنشاط واسع شارك فيه جزء من سلسلة القادة والقوات الميدانية.

وقبل ذلك، في العام 2000، في إطار عمل أركاني واستعدادات في قيادة الجبهة الشمالية لانسحاب الجيش الإسرائيلي من الحزام الأمني جرى التشديد على الفارق العملياتي من جانب إسرائيل في قطاع مزارع شبعا. فالمخاطر كانت واضحة، والمنطقة والطرق فيها كانت مكشوفة أمام الإطلاقات المباشرة لصواريخ مضادة للدروع.
وفي المستوطنات الواقعة شمالي اصبع الجليل المحاذية للحدود مع لبنان، مثل المنارة والمالكية، تقرر إبعاد محاور الوصول من أجل إحباط احتمال تعرض المدنيين والعسكريين لإطلاقات نار مباشرة. وجرى سكب آلاف الأطنان من الباطون والاسفلت في هذه المحاور من أجل حمايتها في اليوم التالي بعد الانسحاب، بل إن محور الحركة العملياتي ــ المدني، الذي تلقى اليوم الضربة (من مفترق الدبابة إلى قرية غجر في قاطع مزارع شبعا)، جرت الإشارة إليه في العمل الأركاني. وكل هذا بسبب أنه مكشوف أمام مواقع مطلة لـ«حزب الله» من التلة ومن محيط بلدة مارون الراس. وبناء على ذلك قدمت سلسلة من التوصيات من أجل تطبيقها. وبين أمور عدة تقرر نصب مكعبات باطون أو حاويات محصنة في كل خمسين مترا على هذا الطريق، وزرع أشجار كبيرة تعرقل إمكانية رصد المحور فضلا عن إجراء أعمال هندسية أخرى. ولكن لم يتم قبول كل هذه التوصيات. ففرضية العمل كانت هي أن هذا المحور مدني، وهكذا تعاملوا معه. وفي ضوء هذه الأمور، تحول الطريق على مر السنين إلى نقطة ضعف. وبديهي أن هناك من يزعم أن العنوان كان مكتوبا على الجدار. وعلى هذا المحور سارت أمس عربات مدنية وعسكرية غير محصنة نزلت من مزارع شبعا. وأفلح رجال الاستخبارات في «حزب الله» في اختيار عربة تندر الإيسوزو دي ماكس من بين كل العربات وكان يستقلها قائد سرية في لواء جفعاتي.
ويثير الحدث سلسلة أسئلة تكتيكية واستراتيجية، الأول والأبرز بينها من الطبيعي أن يكون مسألة التحصين. غير أن من المهم القول إن الصاروخ الذي أصاب العربة كان من طراز كورنيت، وهو من النوع القادر على اختراق عربات مدرعة إذا ما أصاب نقاطا معينة فيها. لذلك يبقى سؤال آخر: لماذا بعد أقل من 12 ساعة من غارة سلاح الجو الإسرائيلي على سوريا، ردا على عملية إطلاق الصواريخ على جبل الشيخ، حينما كانت كل قيادة الجبهة الشمالية متأهبة لاحتمال أن يرد «حزب الله» على اغتيال جهاد مغنية والجنرال الإيراني علي الله دادي، تحركت وسائط النقل هذه على مقربة كبيرة جدا من السياج الحدودي من دون تغطية جوهرية وفي ظل تعرضها لخطر الاختطاف أو الهجوم؟
فهل أن انتشار «حزب الله» الميداني غاب عن عيون إسرائيل؟
وهل أن فرضية العمل كانت أن «حزب الله» لم يرد من الأراضي اللبنانية من أجل أن لا يجر إسرائيل نحو التصعيد، خلافا لمصالح التنظيم الشيعي؟ من المعروف أن «حزب الله» يتعامل مع منطقة مزارع شبعا على أنها أراض محتلة، ولا مشكلة لديه في تنفيذ عمليات هناك. وبناء على ذلك، هل كان الأمر هنا افتقاد للتقدير؟
لقد أطلق «حزب الله» على الأقل خمسة صواريخ من طراز كورنيت باتجاه القوة العسكرية الإسرائيلية. ومثل هذا العمل يتطلب وجود منظومة كبيرة من مواقع الرصد ووجود قوى بشرية مدربة من أجل ضمان النجاح، وبداهة أن تجري عملية جمع معلومات استخبارية في زمن حقيقي. فهل أن استعدادات «حزب الله» على الأرض أفلتت من عيون شعبة الاستخبارات العسكرية ومن قوات قيادة الجبهة الشمالية؟ وهل تم نقل وسائل تكنولوجية إلى منطقة مزارع شبعا تساعد في اكتشاف استخدام صواريخ متطورة مضادة للدروع، وإن كان حدث ذلك كيف تم استخدامها؟ كل هذه أمور ينبغي للتحقيق العسكري الإشارة إليها.
إن التحقيق الذي سيجري بعد الحادث بدأ عمليا وذلك من أجل التعلم واستخلاص العبر. وكما سلف فإن التحقيق سيشمل أسئلة كثيرة بشأن إجراءات الحركة في قاطع مزارع شبعا، وبشأن طريقة إعطاء التعليمات لقوة جفعاتي عند دخولها إلى ذلك القاطع وبشأن النشاطات المطلوبة لكبح «حزب الله»، في وقت توجد فيه حركة كبيرة لوسائط نقل مدنية وعسكرية على الطريق ذاته.

امير بوحبوط(موقع والا)

 

السابق
«النصرة» تردّ على«حزب الله» بتفجير أبرياء برّي: نصرالله لم يذكر خرق الـ1701
التالي
كيف ينظر الإسلاميون إلى عملية «حزب الله»؟