النهار : خطاب نصرالله يُثير المخاوف على الـ1701 إسقاط «قواعد الاشتباك» برعاية إيران

قد لا ترقى الكلمة التي ألقاها الامين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله امس في الاحتفال الحاشد الذي أقامه الحزب إحياء لـ”شهداء القنيطرة” الى مستوى “خطاب النصر الالهي” الذي ألقاه غداة انتهاء حرب تموز 2006. لكن الاجواء التي واكبت هذه الكلمة الى بعض مضامين المواقف التي أعلنها نصرالله بدت الاقرب الى استعادة ذلك الخطاب ومناخاته.
ولعل العامل الشكلي والسياسي الذي أضفى على احتفال الحزب وكلمة أمينه العام مزيدا من الدلالات الاقليمية التي تجاوزت البعد الداخلي تمثل في الحضور والرعاية الايرانيين المباشرين للمناسبة مما عكس “تعبئة” معنوية وديبلوماسية ايرانية الى جانب الحزب كرسالة شديدة الوضوح في شأن “وحدة المحور الثلاثي” الذي يضم ايران والحزب والنظام السوري، علما ان السيد نصرالله تناول هذا البعد بحديثه عن “تمازج الدم” اللبناني والايراني على أرض سورية في عملية القنيطرة.
وبعد يومين من العملية التي نفذها الحزب ضد قافلة عسكرية اسرائيلية في منطقة مزارع شبعا ردا على عملية القنيطرة تقدم وفد ايراني رفيع المستوى برئاسة رئيس لجنة الامن القومي والسياسات الخارجية في مجلس الشورى الايراني علاء الدين بروجردي الحضور في مجمع سيد الشهداء بالضاحية الجنوبية، حيث رفعت صور الكوادر الستة من “حزب الله” وأحد الجنرالات في الحرس الثوري الايراني الذين قتلوا في عملية القنيطرة. وعلى وقع زخات كثيفة من الرصاص التي أطلقت في مناطق عدة من الضاحية وبيروت مواكبة الاحتفال، القى السيد نصرالله كلمته التي اتسمت بنبرة المنتصر مهددا اسرائيل بأن الحزب سيرد على أي اعتداء في المستقبل “في أي مكان وزمان” من دون التزام ساحات المواجهة الحالية معلنا ان المقاومة لا تخشى الحرب وان كانت لا تريدها. وقال: “اذا كان العدو يحسب حسابا ان المقاومة مردوعة وانها تخشى الحرب، أنا أقول له اليوم في ذكرى شهداء القنيطرة وبعد عملية مزارع شبعا النوعية، نحن لا نخاف الحرب ولا نخشاها ولا نتردد في مواجهتها وسنواجهها اذا فرضت علينا وسننتصر فيها ان شاء الله”. واضاف ان “اسرائيل التي هزمناها هي أوهن من بيت العنكبوت وان المقاومة في كامل عافيتها وجهوزيتها وحضورها”. وتوجه الى الاسرائيليين قائلا: “جربتمونا فلا تجربونا مرة اخرى”.
أما أبرز المواقف التي عبّر عنها نصرالله، فتمثل في اعلانه اسقاط قواعد الاشتباك مع اسرائيل الامر الذي أثار تساؤلات وشكوكا ومخاوف ايضا من ان يشكل ذلك تحللا ضمنيا من الحزب من التزام القرار 1701 وما يمكن ان يستتبعه هذا التطور من تداعيات. وقال نصرالله في هذا السياق: “لم يعد يعنينا أي شيء اسمه قواعد الاشتباك ولا نعترف بقواعد الاشتباك. لم نعد نؤمن بتفكيك الساحات والميادين، ومن حقنا الشرعي والاخلاقي والانساني والقانوني ان نرد في أي مكان وفي أي زمان وكيفما كان (…)إن اي شاب من شباب حزب الله يقتل غيلة سنحمل الاسرائيلي المسؤولية وسنعتبر ان من حقنا الرد في أي مكان وزمان وبالطريقة التي نراها مناسبة”. ورأى ان “هذه الثلة من الشهداء في القنيطرة تعبر من خلال مزج الدم اللبناني والايراني على الارض السورية عن وحدة القضية والمصير ووحدة المعركة”.
الحكومة
وفي المقابل، علمت “النهار” أن أطرافا في الحكومة تلقوا امس بعد خطاب نصرالله إتصالات ديبلوماسية من الجانبين الاميركي والفرنسي للإستفسار عن موقف الحكومة من هذا الخطاب. وقالت مصادر وزارية ان الموقف المعتدل الذي اتخذه رئيس الوزراء تمام سلام في مجلس الوزراء اول من امس، كان يفترض مبادلته بالمثل فإذا بالخطاب يأخذ الامور الى مزيد من التصعيد، مما يشير الى ان التطمينات الى انتهاء المخاطر ليست سوى تطمينات مرحلية.
وأفادت مصادر معنية ان عددا من المرجعيات تلقى تحذيرا من جهات دولية في الساعات الاخيرة من مغبة جرّ لبنان الى مواجهات ستكون نتائجها كارثية ليس فقط على المستوى الامني، بل أيضا على الصعيد الاقتصادي. وفي هذا السياق قالت الجهات نفسها إن اليونان في أزمتها الاقتصادية لم تلق من يهتم بأمرها فكيف بلبنان الذي لم يجتز إستحقاق انتخاب رئيس جديد للجمهورية والذي يواجه أخطاراً أمنية في ظل أزمة أسعار نفط متدنية؟ وفي تقدير هذه الجهات ان الامين العام لـ”حزب الله” يستفيد من فترة إنتقالية في شباط المقبل تفصل عن آذار حيث هناك إستحقاق المفاوضات النووية بين واشنطن وطهران وإستحقاق الانتخابات الاسرائيلية وكلا الطرفين الايراني والاسرائيلي لا يريد تعكير صفو الإستحقاق الخاص به مما يسمح لنصرالله بإتخاذ مواقف متشددة.
مكاري
ورأى نائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري في تصريح لـ”النهار” أن حديث نصرالله عن رفض تفكيك الساحات “يعني ربط لبنان بكل أزمات المنطقة ومشاكلها”. وقالت: “بدلاً من أن نحاول جميعاً تحصين لبنان وفصله عن حرائق المنطقة، ها هو السيد نصرالله يقحمنا في مزيد من المشاكل والتوترات، ويستورد لنا مصادر جديدة للخطر”.
واضاف: “السيد نصرالله بكلامه عن تفكيك الساحات، يساهم أكثر فأكثر في تفخيخ استقرار لبنان”. ووصف “الحديث عن وحدة مصير بعد امتزاج الدم اللبناني بالدم الإيراني على الأرض السورية”، بأنه “معادلة ثلاثية جديدة أسوأ بكثير من المعادلة الثلاثية المنتهية الصلاحية”.
وإذ لاحظ أن “هذا التوجه ينسجم تماماً مع المشروع الاستراتيجي لحزب الله وهو مشروع أبعد من حدود لبنان”، خلص الى أن “حزب الله ينفي بذلك كونه مقاومة لبنانية ويعلن بوضوح أنه جزء من محور إقليمي”.
ريفي
واسترعى الانتباه في هذا السياق ان وزير العدل اللواء اشرف ريفي سارع مساء أمس الى الطلب من النيابة العامة التمييزية تكليف الاجهزة الامنية تحديد هوية مطلقي النار والقذائف الصاروخية في بيروت وبعض المناطق وملاحقتهم. وأصدر بياناً جاء فيه ان “تكرار مشهد اطلاق النار يضرب عرض الحائط الحد الادنى مما تبقى من هيبة الدولة وان ما حصل اليوم مؤشر لمدى استهانة من يقومون بهذا العمل بكل القيم الاخلاقية والوطنية حيث تستباح هيبة الدولة في عاصمتها وتنتهك حياة الناس تحت وقع ممارسات الاستكبار والتحدي”.
وصرّح ريفي لـ”النهار” بأنه “بعد مشهد إطلاق النار والقذائف الصاروخية في العاصمة بيروت وبعض المناطق شعرت كمواطن ان الآمال قد تبددت في الدولة والحوار والحكومة الأئتلافية والاجهزة الامنية والقضائية وكأن هناك صيفاً وشتاء على سطح واحد… إنه أمر أخجلني فعلاً”.

السابق
الجمهورية: المرفأ يُقـفل الإثنين وأزمة الكازينو تُراوح
التالي
إنّه «الخروج» الإيراني المعقَّد من الصراع مع إسرائيل