هكذا وقع الإسرائيليون في «كمين شبعا»

لبنان بلا رئيس للجمهورية لليوم الحادي والخمسين بعد المئتين على التوالي.

مرة جديدة أظهر «حزب الله» قدرته على اختيار لحظة الردّ ومكانها وهدفها محتسباً النتائج، من ألفها إلى يائها، وبينها خيار تدحرج الأمور إلى حد اندلاع حرب شاملة، لم يكن خافياً على أحد، أن «حزب الله» بدا منذ اللحظة الأولى لعملية القنيطرة أنه لا يريدها، ولذلك، اعتمد قاعدة للردّ عنوانها «أكبر من ثأر.. وأقل من حرب».
العملية في مزارع شبعا بحساسياتها وحساباتها السياسية والعسكرية والأمنية واللوجسـتية وحتى القانونية، كانت محسوبة بدقة متناهية، وبرغم ذلك، كان احتمال «الجنون الإسرائيلي» موضوعاً على الطاولة، برغم الشعور بانعدام أسسه وفرصه، وهذه هي ركيزة رسالة «البيان رقم واحد».
وهكذا، يطلّ الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله، عصر اليوم، بشكل مميّز ونوعيّ، على المشاركين في إحياء حفل تكريم شهداء عملية القنيطرة، بحضور وفود تمثل إيران (رئيس لجنة الأمن القومي والسياسات الخارجية علاء الدين بروجوردي) وسوريا وفلسطين، في رسالة، بالشكل والمضمون، تنسجم والموقف الأخير للمقاومة، بأن أيّ اعتداء على أيّ مكون من مكوّنات «المحور»، يستوجب بالضرورة رداً من المحور في الساحة التي يحدّدها ووفق المعادلات التي يقرّرها والتوقيت الذي يختاره..
وهذه المرة، لن يكون «السيد» معنياً بإطلاق أي وعد لجمهوره، فقد سبق الفعلُ.. الوعدَ هذه المرة، ولن يكون أيضاً معنياً بطمأنة الإسرائيلي، ولو أنه سيخاطب جمهوره لا بل الجمهور اللبناني والعربي العريض بأن قواعد الاشتباك لن تمسّ ويد المقاومة هي العليا.
وسيجري السيد نصرالله قراءة للموقف الإسرائيلي من زاوية البازار السياسي ـ الانتخابي الذي جعل رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه موشيه يعلون يُقدمان على عملية القنيطرة، من دون احتساب تداعياتها، وصولاً الى ما أظهرته التحقيقات العسكرية الاسرائيلية من إخفاق استخباري وعملياتي، جعل إنجاز «حزب الله» في مزارع شبعا «إنجازاً كاملاً».
وسينال الموقف السياسي للحكومة اللبنانية حصته، خصوصاً في ظل التقدير العالي للموقف الذي اتخذته غالبية المكونات الحكومية، والرئيس تمام سلام الذي كرر في جلسة الأمس، إدانته العدوان الإسرائيلي، مؤكداً شرعية المقاومة وعملياتها في منطقة لبنانية محتلة تقع خارج الخط الأزرق، مشدداً في الوقت نفسه على تمسك لبنان بالقرار1701 (ص 2).
وثمة أسئلة وأسرار مرتبطة بعملية مزارع شبعا، كما بمعظم عمليات المقاومة، ستكون الأيام وحدها كفيلة بكشف البعض منها، وفي الأولوية منها «سرّ» تمكّن مجموعة صغيرة من مجموعات «النخبة» في المقاومة من دخول منطقة عمليات حيوية جداً للجيش الإسرائيلي، ثم الخروج منها، من دون أن تترك أثراً، وهو الأمر الذي جعل فرق التفتيش الاسرائيلية تعمل ليل نهار لفك أحجية هذا التسلّل الكبير، وهل يمكن أن يكون قد حصل عبر أحد الأنفاق المموّهة، وهي فرضية يضعها الإسرائيليون في حسبانهم، بدليل أنهم أوعزوا الى فرقهم لليوم الثاني على التوالي بالمضي في أعمال الجرف في محيط مستوطنة زرعيت التي يشتكي المستوطنون فيها من سماع ضجيج ليلي يومياً (منذ نهاية 2006)، يعتقدون أنه ناجم عن حفر أنفاق حدودية.
وأشار وزير الدفاع موشي يعلون الى عدم العثور على أية إشارات حول وجود أنفاق لـ «حزب الله» داخل المناطق الشمالية، ومع ذلك «لا أظن أن حزب الله بحاجة تحديداً إلى نفق من أجل الدخول إلى إسرائيل. الأمر هنا يختلف عن غزة».
أما شريط «الفيديو» الذي صوّره «الإعلام الحربي» في المقاومة، فإن نشره له توقيته وظروفه، واللافت للانتباه أن المشاهد تم التقاطها من مسافة قريبة جداً وتظهر جزءاً من ساحة العملية قبل وقوعها وخلالها وبعدها، وهي تجيب على الكثير من الأسئلة والروايات الإسرائيلية حول ظروف العملية ونتائجها.

التحقيقات الإسرائيلية: 6 صواريخ «كورنيت»

ووفق تقرير كتبه محرّر الشؤون الإسرائيلية الزميل حلمي موسى، فإن التحقيق العسكري الإسرائيلي، بيّن أن موكباً قيادياً من لواء «جفعاتي» كان يضم خمس عربات بينها سيارتا جيب وثلاث تنادر D-MAX غير محصّنة، كانت في طريقها إلى خط المواقع في أعالي مزارع شبعا. وسارت القافلة 400 متر باتجاه الطريق العسكري الخلفي للمزارع، لكن بناء على أمر من قائد لواء «حيرام» عادت القافلة على أعقابها. في هذه الأثناء، أطلق مقاتلون من «حزب الله» 6 صواريخ مضادة للدروع من طراز «كورنيت» متطورة باتجاه القافلة.
ويشير التحقيق الذي نشره موقع «يديعوت» الألكتروني إلى أنه تواجد في العربات الخمس أكثر من عشرة ضباط من كتيبة «صبار» من لواء «جفعاتي» وصلوا لتعزيز القوات الإسرائيلية في المنطقة، وأن صعودهم إلى خط المواقع العليا كان في إطار التعرف على تلك المنطقة. وهكذا في الطريق الذي يربط بين كريات شمونة والطريق المدني المؤدّي إلى قرية الغجر، وبعد التقدم 400 متر شمالاً نحو الطريق العسكري عادت القافلة لتقف عند حاجز عسكري موجود لمنع المدنيين الإسرائيليين من غير سكان الغجر من عبور الطريق بسبب التوتر بعد غارة القنيطرة. وحينما توقفت القافلة عند الحاجز كانت قوة رصد من «حزب الله»، يُعتقد أنها كانت على مسافة 4 كيلومترات باتجاه الخيام، تنتظر عودة القافلة من خط المواقع العليا.
واستغلت خلية «حزب الله» الظرف فأطلقت أول صاروخ أصاب عربة D-MAX التي كان يستقلها قائد سرية في «لواء جفعاتي» وسائقه الرقيب أول فقتلا على الفور. وحسب التحقيق فإن القادة الآخرين قفزوا من عرباتهم، وحينها أصيبت سيارة جيب كانت فارغة واشتعلت فيها النيران، لكن أصيب في محيطها سبعة جنود من الشظايا.
وقد واصلت خلية «حزب الله» إطلاق صواريخ «كورنيت» المتقدمة التي يبلغ مداها خمسة كيلومترات لكن ثلاثة منها أخطأت هدفها في حين أصاب رابع، وفق الرواية الإسرائيلية، منزلاً في قرية الغجر من دون أن يوقع إصابات (تشير رواية المقاومة الى أن القافلة كانت تضم ست سيارات وأن 6 صواريخ استهدفتها من مسافة 500 متر).
وحينها أطلق الجيش الإسرائيلي قذائف دخانية بقصد التشويش على إمكان رصد «حزب الله» باقي القوة ومواصلة استهدافها. وأطلق أيضاً بموازاة ذلك حوالي 100 قذيفة مدفعية ودبابات باتجاه ما تعتبره إسرائيل «مواقع مضادات للدروع لـ «حزب الله» في المنطقة».
ولاحظت «هآرتس» أن هذه الحادثة تعيد إلى الأذهان الضربة التي وجّهت إلى مركز قيادة فرقة المدرعات 188 بداية الحرب على غزة في حزيران الماضي، قرب كيبوتس عين هشلوشا. فقد وصلت مجموعة القيادة للقيام بدورية في المنطقة المتقدمة من دون أن تكون محمية، وهي المنطقة التي شهدت تحركات للجيش الإسرائيلي في ظل إجراءات عملياتية متشددة، واصطدمت بقوة من «حماس» تسللت عبر الأنفاق، ما أدى أيضاً إلى مقتل ضابط وجندي.
وبرّر الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي العميد موتي ألموز دعوته المستوطنين للعودة إلى الحياة الطبيعية في الشمال بالقول إن واقع الأيام والسنوات الأخيرة على الحدود الشمالية «لم يبدأ اليوم أو في الأسبوع الفائت.. وللأسف، لن ينتهي غداً. هذا صراع طويل من أجل أمن دولة إسرائيل وحماية سكان الشمال». وطمأن المستوطنين بأن الجيش «ينتشر بقوات كبيرة جداً في الشمال» وأن لدى سلاح الجو «أهدافاً جاهزة في لبنان».
وكشف وزير الدفاع موشي يعلون أن إسرائيل تلقت رسالة من لبنان عبر «اليونيفيل» تفيد بأن الطرف الآخر معنيّ بوقف القتال وتهدئة الخواطر. وأضاف: «هناك قنوات تنسيق بيننا وبين لبنان عن طريق «اليونيفيل» وبوسعي تأكيد أنه تمّ استخدام هذه القنوات».
وأفاد مراسل «السفير» في باريس أن الفرنسيين والإيطاليين والأسبان نشطوا على خط الاتصالات بينهم وبين كل من تل أبيب وبيروت وباقي العواصم المعنية طيلة نهار أمس الأول، وأشار الى أن قيادة «اليونيفيل» أجرت مشاورات حيوية شملت «حزب الله» والقيادة العسكرية الإسرائيلية وتبلغت من الجانبين في الوقت نفسه جواباً واضحاً «بعدم وجود رغبة في تطور الوضع ميدانياً».

(السفير)

 

السابق
واشنطن تهدد روسيا بعقوبات جديدة وترحب بعقوبات الاتحاد الاوروبي
التالي
قمة القاهرة الـ 109: لا «أهلي» ولا «زمالك»