تقديمات الجماعات وأحزابها: حزب الله و«المستقبل» أولاً

ربما تعتبر الزبائنية السياسية في لبنان مسألة حياتية اعتدنا عليها، بل ونتعايش معها. لكنّها ما زالت تجذب الكثير من الباحثين الاجتماعيين كموضوع للدراسة. “اهتمامي بالموضوع يتخطى دراسته فقط، الى معرفة المزيد عن علاقة القوى السياسية في ما بينها في ظل الخدمات الاجتماعية التي تقدمها”. هكذا، لخصت الأستاذة في جامعة هارفرد ميلاني كاميت (Melani Cammett) الدافع وراء كتابها (Compassionate Communalism: Welfare and Sectarianism in Lebanon) الذي يتناول التقديمات الخدماتية التي توفرها القوى السياسية في لبنان، اجتماعية كانت أم اقتصادية، لكسب المواطنين. الكتاب الذي نشر العام الماضي، كان محط النقاش في الندوة، التي أقيمت، في “معهد عصام فارس للسياسة العامة والشؤون الدولية” في “الجامعة الأميركية في بيروت”. قدم الندوة وناقشها، بالاضافة الى الكاتبة، الأستاذ في مركز الدراسات العربية والشرق أوسطية في الجامعة فواز طرابلسي.

حزب الله وتيار المستقبل
تتنوع التقديمات وتختلف بين المناطق اللبنانية، وبين القوى السياسية أيضاً، من دون أن ننسى حجمها ومدى تأثيرها المرتبط بتوقيت تقديمها. هذا ما استخلصه الكتاب الذي تضمن العديد من الدراسات والمقابلات مع بعض المستفيدين، بالاضافة الى العاملين في هذا القطاع في التنظيمات اللبنانية، على حد قول الكاتبة. حيث أن الخدمات التي تتمحور حول تأمين الأمن الاجتماعي للمواطنين من شؤون صحية وأخرى خدماتية، تكثر وتقل بحسب التنافس داخل كل طائفة وبحسب التوقيت أيضاً. ولاحظت كاميت أنه وبرغم التنافس الحاد على استقطاب المسيحيين في لبنان بين القوى المسيحية، تعتبر الخدمات التي تقدم للمسيحيين الأدنى. في المقابل ورغم انعدام المنافسة في الطائفتين الشيعية والسنية، الا أن التقديمات تعتبر ركناً أساسياً في العمل السياسي لكل من حزب الله وتيار المستقبل. وهذا ما دفع بكاميت، على حد قولها، الى التركيز على هذين الطرفين في الكتاب، ومدى اختلاف نمط عملهما. فبحسب الدراسة فإن حزب الله يركز بنشاطه الاجتماعي والخدماتي على المناطق الشيعية فقط، في حين يتعدى نطاق عمل تيار المستقبل المناطق السنية، ليشمل المناطق المختلطة طائفياً.

في سياق آخر، وبالرغم من أنّ كاميت تحدثت في كتابها عن ارتفاع مستوى وكمية الخدمات المقدمة في مرحلة ما قبل الانتخابات، وخصوصاً أن نسبة المستفيدين من الخدمات غير الحكومية في لبنان تتعدى النصف من عدد السكان المسجلين، وهي نفسها نسبة المشاركين في الانتخابات. غير ان طرابلسي اعتبر ان الزعماء اللبنانيين الذين تحولوا من نمطية الزعامة التقليدية التي تعتمد على الخدمات الى أمراء حرب، لا تؤثر الانتخابات على وجودهم على الساحة اللبنانية، بل ما يؤمنوه من غطاء أمني هو الأساس في ذلك. هذا الحديث عن التغير الزعماتي ليس جديداً، ففي دراسة أجراها “مركز الدراسات اللبنانية”، في صيف العام 1994، سُلط الضوء على الأمن الذاتي المقدم من الميلشيات اللبنانية في مرحلة ما بعد الحرب، ما يجذب العديد من اللبنانيين الى دعمها سياسياً.

من جهته، لفت طرابلسي النظر الى نوع آخر من الخدمات المقدمة، وهو النطاق التوظيفي. واعتبر ان تجربة حزب الله، بالتحديد، تستحق الوقوف عندها في وجود 32 ألف منتسب، غير العسكريين، في وظائف وفرّها لهم الحزب.

الدولة في خدمة القوى السياسية
لا يخلو النقاش حول الزبائنية السياسية في لبنان، من الحديث عن دور الدولة في ذلك، ان كان ذلك من خلال تهميشها لمناطق أو من خلال السماح للقوى السياسية الطائفية باستعمال الخدمات الحكومية في العمل السياسي. وبالرغم من ان قطاع الصحة العامة يشهد تطوراً ملفتاً من قبل الدولة، حسب كاميت، الا ان طرابلسي تحدث عن اتجاه لبنان الى النيوليبرالية في نظامه الاقتصادي، وذلك عبر الاعتماد على الواردات أو من خلال السماح للمصارف برفع نسب الفوائد على القروض. وهذا ما رأى فيه استكمالاً لسياسة عالمية أفضت في نهاية المطاف الى تمكين ما يقارب 8 ألاف لبناني فقط من التحكم في 48 في المئة من الاقتصاد المحلي، وهم من دون شك يمثلون مصالح الزعماء اللبنانيين.

الهوية السياسية الاجبارية
لم تصل الدراسة الى نتيجة ملموسة يمكن البناء عليها للتنبؤ باحتمال توقف هذه الخدمات، من ناحية بسبب استحالة مقارنة الخدمات غير الحكومية بتلك الحكومية، ومن ناحية أخرى لأن المواطن اللبناني لا يحتمل النفقات المعيشية للخروج من تحت مظلة القوى السياسية، حسب طرابلسي، الذي أشار الى ان الهوية السياسية للمواطن اللبناني ليست اختيارية، بل اجبارية، بحيث تبدأ منذ الولادة وتستمر في كل مراحل الحياة، بسبب الاعتماد على الهوية الطائفية من قبل الدولة، وهذا ما يصعّب التفكير في اعادة القدرة الخدماتية الى كنف الدولة.

رغم ذلك، فإن ربط هذه الدراسة بتلك المنفذة منذ 20 عاماً، لا ينبئ إلا باحتمال تغير القوى المهيمنة. أو بشكل أدق يُنبئ بتغير في ميزان القوى ونسبة استفادة كل تنظيم من مرافق الدولة لتأمين خدماته. في حين تجدر الإشارة إلى أنه بالاضافة الى استفادة القوى السياسية من الدولة، في تقديماتها، لا يمكن نسيان الدور الأجنبي في ذلك، كمثل الدعم الايراني والسعودي الذي قد يفسر فعالية ووفرة خدمات كل من حزب الله وتيار المستقبل.
(المدن)

السابق
ماذا سيكشف السيد نصرالله في خطابه اليوم؟
التالي
تركي الدخيل مديراً عاماً لـ«العربية»