تجارة الأعضاء البشرية تزدهر في سوريا

أربعة أعوام لحرب امتدت على كامل مساحة الأرض السورية كانت كافية لتحويل البلد، الذي كان يعد الأول في العالم في إنتاج القطن، والصابون، والزيت وغيرها، إلى بلد بات يحتل موقعاً مهماً في مجال تصدير الأعضاء البشرية، لتغدو أعضاء السوريين التائهين هرباً من أتون الحرب سلعاً تباع في متاجر الغرب، التي تملك فيها أوروبا حصة الأسد، لتُستباح أجساد السوريين بعد أن استبيحت دماؤهم.

معلومات جديدة كشفها رئيس قسم الطب الشرعي في جامعة دمشق حسين نوفل قد تساهم في رسم الصورة الضبابية، في دولة لا ضوابط واضحة فيها. وأشار نوفل إلى أن «هناك عصابات طبية سورية تتعامل مع عصابات عربية ودولية للمتاجرة بقرنية العين»، موضحاً أن هناك آلاف الحالات، لا سيما في بعض المناطق الحدودية وفي مراكز اللجوء.
وأوضح أن «هذه العصابات تبيع جميع قرنيات العيون، التي حصلت عليها من المواطنين السوريين في الدول الأوروبية وبعض الدول الآسيوية، على أساس أنها استوردتها من دول أخرى غير سوريا، وبأسعار تصل إلى المليون ونصف المليون ليرة سورية (نحو 7500 دولار)».
وبمقارنة بسيطة بين الأسعار التي تباع فيها قرنيات عيون السوريين في الوقت الراهن، وفق الأرقام التي قدمها نوفل، وبين تلك التي كانت سائدة قبل نحو 4 أعوام، يتضح أن «قرنيات عيون السوريين تسببت بانخفاض كبير في الأسعار العالمية للقرنيات، حيث كانت تباع القرنيات بأسعار تتجاوز 1200 دولار قبيل الحرب»، وفق بيانات لبنك العيون في سوريا، الذي كان يعمل على تأمين قرنيات لعيون السوريين (أكثر من ستة آلاف مواطن سوري مسجّل بحاجة إلى قرنيات، وفق إحصاءات بنك العيون في العام 2011) عن طريق التبرعات تجنبا لتكاليف القرنيات الباهظة، والذي نجح بتأمين «بضع قرنيات للسوريين» قبل أن تعرقل الحرب والعقوبات الأوروبية عمله.
وكشف مصدر طبي متابع للملف، لـ «السفير»، أن عمليات الاتجار بالأعضاء البشرية تشهد ارتفاعاً كبيراً في المناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة، خصوصا القريبة من الحدود مع دول الجوار، حيث تنشط «مافيات الأعضاء».
وأشار المصدر إلى أن «الأعضاء التي يتم الاتجار بها تتجاوز السوريين في بعض الأحيان، وتصل إلى الجهاديين ذاتهم الذين تعمل المافيات على بيع أعضاء من يُقتَل منهم في ساحات المعارك»، وهو ما يتقاطع مع إحصاءات مركز الطبابة الشرعية في حلب، القريبة من الحدود مع تركيا التي أفادت بوجود «حالات عديدة لجثث عُثر عليها في مناطق كان يسيطر عليها المسلحون، وسيطر عليها الجيش شرق حلب، لأشخاص تمت سرقة أعضائهم ودُفنوا في مقابر جماعية».
وفي وقت باتت تعتبر فيه مستشفيات تركيا مركز تصدير لأعضاء السوريين التي تتم سرقتها، وفق نشطاء، («السفير» كانت نشرت في شباط الماضي تقريراً حول سرقة أعضاء مواطن سوري في مستشفى حكومي تركي)، شدد رئيس قسم الطب الشرعي في جامعة دمشق على أن مراكز اللجوء في لبنان وتركيا تشهد نشاطاً كبيراً لهذه العصابات، حيث تقدر بخمسة آلاف عصابة، تعمل على الحدود للمتاجرة بأعضاء السوريين، لا سيما ما يتعلق بقرنية العين التي تباع بأسعار باهظة خارج سوريا.
ولفت نوفل، الذي كان وَثَّقَ أكثر من 18 ألف حالة اتجار بالأعضاء البشرية في سوريا، إلى أن «العصابات التي تتاجر بقرنية العين تستغل حاجة المواطن السوري إلى المال، خاصة في ظل الظروف المعيشية الصعبة، حيث أن المواطن السوري أصبح يبحث عن أي وسيلة لتأمين قوت يومه، ولذلك فمن الطبيعي أن تنشط هذه العصابات للمتاجرة بأعضاء البشر»، داعيا إلى «تشديد الأحكام بحق كل من يتاجر بأعضاء السوريين، عبر فرض عقوبات رادعة»، وموضحاً أن «قانون الاتجار بالأعضاء يعد من أشد القوانين السورية صرامة، إلا أنه لا بد من تطبيقه بحق الفاعلين الذين أقدموا على ارتكاب هذه الجريمة البشعة».
وأشار معاون وزير الداخلية السوري حسان معروف إلى أن سوريا أصبحت من دول المنشأ بجرائم الاتجار بالأشخاص، بعدما كانت من دول العبور، موضحاً، خلال مشاركته في ورشة عمل أقامتها وزارة الإعلام، أن «عمل الانتربول الدولي انخفض في سوريا إلى 10 في المئة، وذلك نتيجة الظروف التي تمر بها سوريا، ما أدى إلى تكاثر شبكات الاتجار بالأشخاص، التي تتواصل مع بعض السوريين في الداخل لتجنيد السوريين والمتاجرة بهم».
وأوضح أنه تم ضبط الكثير من الشبكات التي تقدم على ترحيل النساء السوريات إلى بعض دول الجوار، مثل تركيا، بهدف الزواج من أشخاص غير سوريين، مشيراً إلى أن هذه الظاهرة انتشرت بشكل كبير، وأصبحت خطراً يتهدد المجتمع السوري، ما دفع «بوزارة الداخلية إلى ملاحقة هذه العصابات، لا سيما في المناطق الشرقية والشمالية».
إلى ذلك، كشفت إحصائيات حكومية، نشرتها صحيفة «الوطن» السورية، أن عدد حالات الاتجار بالأشخاص التي تم ضبطها في العام 2014، بلغت نحو ألف حالة، معظمها لشبكات تعمل خارج البلاد، وتتواصل مع سوريين في الداخل، مشيرة إلى أن نسبة الضحايا من النساء بلغت 60 في المئة من إجمالي الحالات التي تم ضبطها. كما أشارت الإحصاءات إلى أن ما يقارب 400 حالة كانت بهدف استغلال جنسي، مؤكدة أن هناك ازدياداً كبيراً في جرائم الاتجار بالأشخاص في سوريا.
وأكد معروف أنه «تم ضبط الكثير من الحالات المتعلقة بالاتجار بالكلى، والتي أصبحت ظاهرة منتشرة في سوريا»، مشيراً إلى أن تجنيد الأطفال أصبح ظاهرة تهدد المجتمع السوري، في حين بَيَّن رئيس قسم الطب الشرعي في جامعة دمشق أن «الاتجار بالبنكرياس لم يشهد أي نشاط في سوريا بسبب صعوبة العملية الجراحية لهذا العضو، وضرورة وجود خبرات طبية كبيرة، يبدو أنها غير متوفرة حتى الآن في صفوف مافيات الاتجار بالأعضاء في سوريا».
وبالعودة إلى موضوع سرقة قرنيات عيون السوريين والاتجار بها، أوضح مصدر طبي، خلال حديثه إلى «السفير»، أن القائمين على هذه الجرائم يرغبون عادة بقرنيات عيون صغار السن، الأمر الذي يجعل جلّ ضحايا هذه الجرائم من الأطفال (فوق السنتين) وحتى سن العشرين من العمر، مشيراً إلى أن العصابات تعمل عادة على سرقة كامل العين، ومن ثم انتزاع (قطف) القرنيات منها لبيعها، وفق تعبير المصدر.

(السفير)

السابق
التفاصيل الكاملة لاعترافات المشتبه فيهم بقتل ايف نوفل
التالي
الذكرى المئوية للإبادة الأرمنية 1915: احتفالات ونشاطات