ساعات من شبح 2006 ومسارعة دولية إلى الاحتواء

كتبت “النهار” تقول : هل يؤدي توازن الرعب والربح والخسارة بين ضربة القنيطرة والرد عليها بضربة مزارع شبعا الى اعادة النصاب الى “ستاتيكو” الاستقرار الذي كان سائدا منذ عام 2006 في الجنوب، ام ان ما جرى يضع لبنان امام واقع تصاعد التوتر جرعة اثر جرعة بما ينذر بانفجار حرب شاملة في لحظة غير محسوبة؟

الواقع ان رد “حزب الله ” امس في مزارع شبعا على عملية القنيطرة التي نفذتها اسرائيل قبل عشرة أيام وقتل فيها ستة من كوادر الحزب وأحد القادة العسكريين للحرس الثوري الايراني استتبع معطيات ميدانية واجواء شديدة الخطورة ساعات عدة بعد العملية بدت معها المنطقة الحدودية في الجنوب ومناطق شمال اسرائيل على مشارف استعادة سيناريو اشتعال شرارة حرب 2006 . ذلك ان الحزب الذي سيطل أمينه العام السيد حسن نصرالله غدا بكلمته الاولى بعد عملية القنيطرة استبق هذه الاطلالة برد على الضربة الاسرائيلية فاجأ معظم المراقبين والمعنيين بمكانه وليس بتوقيته باعتبار ان مجمل المعطيات كان يشير الى ان الحزب سيرد في وقت وشيك ولكن من خارج الاراضي اللبنانية. بيد أن الحزب استهدف قافلة عسكرية اسرائيلية من تسع عربات في مزارع شبعا وقصفها بستة صواريخ من طراز “كورنيت” المضادة للدروع والموجهة الكترونيا الامر الذي ادى الى مقتل ضابط وجندي وجرح سبعة آخرين في صفوف القافلة. وأكدت قيادة القوة الموقتة للأمم المتحدة في لبنان “اليونيفيل” انها رصدت اطلاق ستة صواريخ نحو اسرائيل من محيط عام منطقة الوزاني شمال الميسات في منطقة عملياتها.

ورد الجيش الاسرائيلي بقصف مناطق كفرشوبا والمجيدية وحلتا والعرقوب بما يفوق الخمسين قذيفة ونجم عن ذلك مقتل جندي اسباني ضمن الكتيبة الاسبانية في قوة “اليونيفيل”. وهدد رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو على الاثر “بتكرار تجربة غزة في لبنان”، مشددا على ان الجيش الاسرائيلي “على أتم الاستعداد للتعامل مع الاوضاع الامنية على كل الجبهات وبكل قوة”.

وبدا واضحا ان رد الحزب في مزارع شبعا حصرا استهدف تحقيق توازن الردع ضمن تبادل الضربات التي لا تشعل حربا شاملة اذ ان منطقة المزارع المحتلة لا تزال ضمن قواعد الاشتباك منذ 2006 ورد الحزب ادرج ضمن التزامه هذه القواعد. كما ان المعلومات افادت ان الحزب ابلغ اسرائيل عبر الامم المتحدة انه يكتفي بالرد اذا لم تصعد الدولة العبرية الوضع فيما بدا في المقابل ان اسرائيل لن تذهب الى اشعال حرب شاملة وفق توقيت الحزب ومن ورائه ايران.

بيد ان ذلك لم يقلل خطورة اللعب على حافة الهاوية بين الفريقين، اذ تقول اوساط مطلعة واكبت التطورات الميدانية والديبلوماسية امس ان حبس أنفاس حقيقيا ساد طوال اكثر من اربع ساعات بعد توجيه الحزب الصلية الاولى من صواريخه في اتجاه قافلة عسكرية اسرائيلية في مزارع شبعا لمعرفة حقيقة الخسائر البشرية التي أسفرت عنها العملية والتي بلغت قتيلين وسبعة جرحى وكان يمكن ان يتطور الامر الى الاسوأ لو جاءت الحصيلة مطابقة لمعلومات اولية تجاوزت هذه النتيجة . واذ ترجح الاوساط ان يكون الوضع الناشئ ادخل واقعيا في خانة الاحتواء فانها لا تخفي خطورة تصاعد التوتر الذي بات يحاصر لبنان جراء الربط الميداني الطارئ بين جبهتي الجولان ومزارع شبعا من جهة وبروز العامل الاسرائيلي – الايراني في المواجهة من جهة اخرى. كما ان الجانب اللبناني الرسمي بدا في خلفية هذا التصعيد الجانب الاضعف اطلاقا على رغم تشديد لبنان على تمسكه بالقرار 1701 وهو الامر الذي سيترك تداعيات سلبية داخلية برزت ملامحها مع الانتقادات التي وجهتها جهات سياسية داخلية الى “حزب الله” لتفرده تكرارا بقرار الحرب والسلم مع اسرائيل.

اتصالات وتطمينات
وعلمت “النهار” من مصادر وزارية واكبت تطورات الجنوب ان المسؤولين تخوفوا عند قيام “حزب الله” بعملية شبعا من رد إسرائيلي من نوع ما حصل في حرب 2006 أو في حرب “عناقيد الغضب” عام 1996 وهذا ما دفع رئيس الوزراء تمام سلام الى إجراء إتصالات عاجلة دوليا وإقليميا وداخلياً أثمرت تطمينات من مراجع عليا دولية الى أن التطورات الامنية لن تؤدي الى نشوب حرب،, فيما سجل دخول أميركي وفرنسي على خط الاتصالات مع إسرائيل وإيران. وقد عزز منطق عدم التصعيد أن العملية التي نفذها “حزب الله” تمت في منطقة متنازع عليها ولا تزال تعتبرها إسرائيل أرضا سورية محتلة. ومما أثار القلق إصدار الحزب البيان “الرقم واحد” عن العملية مما أوحى ان ثمة بيانات أخرى على ما حصل عام 2006، لكن هذا القلق تبدد لاحقا. إلا ان التوتر لا يزال سائدا باعتبار ان “التطمينات” من الجانب الاسرائيلي لا يمكن الركون اليها.

واذ شدد الرئيس سلام على تمسك لبنان بالقرار 1701، حذر الرئيس ميشال سليمان من “جر لبنان الى خرق هذا القرار” ومن معارك تستفيد منها اسرائيل . كما تساءل رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع “كيف يسمح حزب الله لنفسه باتخاذ قرارات امنية وعسكرية لا يوافق عليها اللبنانيون”. وشددت كتلة “المستقبل” على انه “لا يحق لاي طرف مصادرة ارادة اللبنانيين والحلول مكان السلطات الدستورية”. أما رئيس “اللقاء الديموقراطي” النائب وليد جنبلاط، فرأى ان “عملية المقاومة ذكرت اسرائيل بأن اللعب بالنار مكلف ولكن هذا لا يمنع اتخاذ الاحتياطات الضرورية لمواجهة اي عدوان”. ولفت الى ان “العملية حصلت في الارض السورية في انتظار ترسيم الحدود وهذا ضرب من الذكاء في غاية الاهمية”.

واشنطن
وأعربت الولايات المتحدة عن تأييدها لاسرائيل في مواجهتها مع “حزب الله”. وصرحت الناطقة باسم وزارة الخارجية الاميركية جين بساكي: “نحن ندعم حق اسرائيل المشروع في الدفاع عن النفس ونواصل دعوة جميع الاطراف الى احترام الخط الازرق بين اسرائيل ولبنان”. واضافت ان واشنطن تدين قصف “حزب الله” للموكب العسكري في المنطقة الحدودية التي تحتلها اسرائيل، و”ندعو جميع الاطراف الى الامتناع عن القيام بأي تحرك من شأنه ان يصعد الوضع”.

مجلس الامن
وأفاد مراسل “النهار” في نيويورك علي بردى ان الديبلوماسية الفرنسية سعت عبر مجلس الأمن الى لجم أي تدهور إضافي محتمل على الحدود اللبنانية – الإسرائيلية.
وباشرت البعثة الفرنسية اتصالات مع سائر الأعضاء الـ15 في مجلس الأمن لإصدار بيان يندد بالتصعيد عبر العملية التي شنها “حزب الله” وبمقتل عنصر من القوة الموقتة للأمم المتحدة في لبنان “اليونيفيل” بنيران اسرائيلية.
وحذر مسؤول رفيع المستوى في الأمم المتحدة مما سماه “خطر إساءة الحسابات” ومن نشوب حرب كما عام 2006 بين لبنان واسرائيل، داعياً مجلس الأمن الى التدخل للحد من التصعيد.

ورداً على سؤال لـ”النهار” عن الجلسة الطارئة لمجلس الأمن، قال مندوب فرنسا الدائم لدى الامم المتحدة فرنسوا دولاتر: “نحن في فرنسا قلقون للغاية من التطورات الأخيرة في لبنان، ولهذا دعونا الى هذه الجلسة الطارئة لمجلس الأمن”، مشيراً خصوصاً الى “مقتل رجل حفظ سلام إسباني خلال تبادل النار”. وأوضح أن “غايتنا هي الإنخراط في عملية تخفيف التصعيد والحيلولة دون مزيد من التصعيد للوضع. سنوزع مسودة بيان صحافي لإصداره عن المجلس”.

واستمع أعضاء المجلس الى إحاطة عن التطورات من الأمين العام المساعد للأمم المتحدة لعمليات حفظ السلام أدموند موليه. ونقل عنه ديبلوماسيون أن “عدداً من الصواريخ أطلق من الوزاني في اتجاه اسرائيل، التي ردت بطلقات مدفعية”، مشيراً الى أن “حزب الله تبنى مسؤولية الهجوم رداً على هجوم القنيطرة”. وأفاد أن الجندي من “اليونيفيل” أصيب بجروح “أدت الى وفاته عقب اطلاق النار رداً” على هجوم “حزب الله”، وأضاف أن “الوضع هادىء الآن على طول الخط الأزرق”. وحض على “حد أقصى من ضبط النفس”. وكشف أن الأمين العام للأمم المتحدة بان كي – مون “أجرى اتصالات مع زعماء اقليميين” للمساهمة في جهود التهدئة. ووصف ما حصل بأنه “انتهاك خطر لوقف العمليات العدائية” ولذلك فإن الأمين العام “قلق للغاية” مما سماه “خطر إساءة الحسابات” ووصول الأمر الى “خطر حرب على غرار ما حصل عام 2006”. وشدد على أن “المنطقة لا تحتمل ذلك”.

وبعد مشاورات استمرت زهاء ساعتين، خرج رئيس مجلس الامن للشهر الجاري المندوب التشيلياني الدائم لدى الامم المتحدة كريستيان باروس ميليت ليدلي بعناصر بيان للصحافة جاء فيه أن مجلس الامن “يندد بأقصى العبارات بوفاة عنصر حفظ السلام من اليونيفيل الذي حصل في سياق تبادل النار على طول الخط الازرق”. وعبر عن “تعاطفه العميق” مع ذوي الجندي الاسباني وحكومته.

وعلمت “النهار” ان المشاورات ستظل جارية لاصدار بيان صحافي خلال ساعات للتنديد بمقتل الجندي الدولي. بيد ان ثمة حاجة الى مزيد من المشاورات بين العواصم في حال وجود اتجاه الى التنديد بالاطراف الذين ساهموا في التصعيد.

وقال المندوب الاسباني الدائم لدى الامم المتحدة رومان أويارزون مارتشيزي ان بلاده “تطالب باجراء تحقيق شامل من الامم المتحدة” في مقتل جنديها، مشيرا الى أن هذا الجندي أصيب بنيران أطلقت من الجانب الاسرائيلي.

(النهار)

السابق
الأمم المتحدة قلقة من«خطر إساءة الحسابات» والوصول إلى حرب بين «حزب الله» واسرائيل
التالي
سلام يتمسك بالقرار 1701 وجنبلاط يعتبر أنّ عملية شبعا «تمّت في أراضٍ سورية»