«حرب الأمراء» تستعر في سوريا

أصبحت «حرب الإمارات» الدائرة فوق الأراضي السورية أكثر وضوحاً. كل فصيل من الفصائل الكبرى يسعى إلى اقتطاع جزء من الأرض، والهيمنة عليه، وعلى ساكنيه بموجب قوانين خاصة به، يتفرد بوضعها وتطبيقها.

ولم يعد التغزل بالحاضنة الشعبية، أو محاولة كسب رضاها، محل اهتمام أي من هذه الفصائل، فالمهم في هذه المرحلة هو تشكيل «الإمارة» والحفاظ عليها بغض النظر عن الثمن.
ففي الغوطة الشرقية، بدا جلياً أن قائد «جيش الإسلام» زهران علوش لم يلجأ إلى إطلاق حملته الصاروخية على أحياء مدينة دمشق إلا بعد أن أحس بالخطر يتهدد حدود «إمارته»، بعد أن كادت مدينة عربين (بوابة الغوطة) تفتتح عهد المصالحات مع الجيش السوري.
وبالنسبة إلى علوش فإن مثل هذه المصالحة تشكل خطراً كبيراً على مشروعه، وتتجاوز كل الخطوط الحمر التي حاول رسمها في المرحلة السابقة. لذلك جاءت الحملة الصاروخية، الأولى من نوعها، لتعبر عن مدى القلق الذي استشعره علوش جراء تسلل المصالحات إلى عقر داره. وهو أراد من خلال قصف دمشق واللاذقية إيصال رسالتين، الأولى إلى الفصائل المسلحة، خصوصاً تلك التي سارت في عملية المصالحة في عربين متجاهلة رفضه لها، بأنه لا يمكن القفز من فوق «جيش الإسلام»، ولو كان ثمن منعها من ذلك أن يهدم المعبد على كل من فيه. والثانية إلى السلطات السورية لإيهامها أنه قادر على تغيير قواعد اللعبة في حال قررت الاقتراب من حدود «إمارته»، سواء بالحرب أو بالمصالحة، وأن ثمن ذلك سيكون قصف «معاقلها» في قلب دمشق واللاذقية بما يشبه سياسة «الردع». وكان جواب الجيش السوري واضحاً من خلال استمراره في قصف معاقل «جيش الإسلام» في مدينة دوما، حتى بعد أن أوقف علوش حملته الصاروخية، وذلك في رسالة مضادة مفادها أن الجيش السوري غير معني بالخطوط الحمراء التي يتوهم علوش أنه يرسمها على الأرض.
بالإضافة إلى ذلك، لا يستبعد أن يكون أحد الدوافع وراء خطوة علوش، هو محاولة استقطاب المزيد من الفصائل المسلحة في الغوطة، وإغراؤها بمشهد قصف دمشق، لاستدراجها إلى الانضواء تحت كنفه وقيادته العامة. لأن زهران علوش يدرك أن استكمال سيطرته على الغوطة الشرقية سيتطلب منه خوض العديد من المعارك، وبالتالي سيحتاج إلى أعداد إضافية من المسلحين، خاصةً وأن المعارك المقبلة، فيما لو قرر علوش خوضها، ستبدو معها المعركة ضد «جيش الأمة»، التي أتاحت له الهيمنة على مدينة دوما، كأنها مجرد تمرين.
وأما في الشمال السوري، فهناك «إمارة جبهة النصرة» التي سيطرت على غالبية الريف الإدلبي، بعد أن طردت «فصائل الاعتدال» منه، وعلى رأسها «جبهة ثوار سوريا»، في معركة ما تزال تثير الكثير من التساؤلات، نظراً لسهولتها وعدم بذل جمال معروف أي مجهود حقيقي لخوضها بشكل فعّال.
ولم تعلن «جبهة النصرة» عن «إمارتها» بشكل رسمي، لكن جميع تصرفاتها تدل على أنها تعتبر المنطقة ملكاً خاصاً بها. فهي لم تكتف بإنشاء «دار القضاء»، الذي هو عبارة عن مجموعة من «المحاكم الشرعية» التي تتوزع على بلدات وقرى المنطقة التي تسيطر عليها، بهدف تطبيق الشريعة الإسلامية وإقامة الحدود على مخالفيها، بل أسست ما أسمته «قوة رد المظالم المشتركة»، وهي سرية عسكرية تهدف إلى ملاحقة «المفسدين» والقبض عليهم. وقد ألقت القبض مؤخراً على عدد من المطلوبين، من بينهم قادة كتائب مسلحة مثل القيادي في «تجمع ألوية فجر الحرية» أيمن فروح. وثمة أنباء عن عزمها على تشكيل «اتحاد الإعلاميين» الذي يهدف إلى إمساكها بزمام الإعلام في المنطقة، ومنع الناشطين من انتقادها أو نشر أخبار تعتبرها مضرة بسياستها.
ورغم أن «جبهة النصرة» كانت تنفي على الدوام وجود نية لديها لتأسيس «إمارة»، إلا أن عدة عوامل أجبرتها على تكذيب نفسها وإظهار حقيقة مخططاتها. وأهم هذه العوامل هو منافسة تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام»-»داعش»، الذي أعلن في حزيران الماضي عن «دولة الخلافة»، فلم تجد «النصرة» بداً من التمثل به كي لا تخسر عناصرها لصالحه، لاسيما أن غالبية عناصرها يرون في إقامة «الخلافة» وتطبيق الشريعة هدفاً أسمى يسعون إلى تحقيقه.
لكن هناك عاملا آخر قد لا يقل أهمية رغم عدم ظهوره، هو رغبة «جبهة النصرة» في استثمار الحرب التي يشنها التحالف الدولي ضد «الدولة الإسلامية»، وتجيير نتائج هذه الحرب لمصلحتها، وذلك عبر إيجاد بديل يلجأ إليه مسلحو «داعش» بعد إلحاق الهزيمة بهم من قبل التحالف. ولا شك أن خطوة «جبهة النصرة» ستسبب إرباكاً كبيراً لإستراتيجية التحالف الدولي، الذي سيجد نفسه في حال نجاحه بالقضاء على «داعش» أمام تحد آخر تمثله «الإمارة» التي يقودها «فرع القاعدة في الشام».
وإذا كانت «الإمارة» التي يقيمها «الدولة الإسلامية» شرقاً، على مساحات شاسعة من الرقة ودير الزور وشرق حلب، معروفة وواضحة للعيان، فإن الجنوب السوري يبقى وحده هو الاستثناء الذي لم ينخرط حتى الآن في «حرب الإمارات» الدائرة على الأراضي السورية.
وما يثير الاستغراب، بالإضافة إلى المعركة السهلة التي تمكنت من خلالها «جبهة النصرة» من السيطرة على ريف إدلب، هو عدم اختيارها لدرعا أو لريفها ليكونا مقر «إمارتها»، رغم أن قوتها المركزية موجودة فيها، كما أن كبار قادتها، أمثال أبو ماريا القحطاني وأبو حسن الكويتي، فروا من دير الزور بعد الهزيمة التي ألحقها بهم «الدولة الإسلامية» واتجهوا إلى درعا.
وما يزيد من الاستغراب أن «جبهة النصرة» تتبع في الجنوب سياسة مغايرة لسياستها في الشمال، فهي لا تسعى إلى احتكار القضاء والإعلام والنفوذ، بل دخلت مع باقي الفصائل في تشكيل «دار العدل»، بعد أن قبلت أن تحلّ «محكمة كوبرا» الخاصة بها. فهل هذا دليل على وجود تمايزات داخل «جبهة النصرة»، أم أن هناك جهات إقليمية ودولية ما تزال قادرة على ممارسة تأثيرها عليها ومنعها من التمادي في تصرفاتها، حيث يسبب التمادي مساساً بمصالح هذه الجهات أو مصالح حلفائها؟.

(السفير)

السابق
بوينر ونتنياهو ذكيان أحمقان!
التالي
بالصور: أول بدينة في العالم تتحول إلى عارضة أزياء!