زايد: الاستقرار الإقليمي غير ممكن من دون مصر

يزور وزير الخارجية المصري سامح شكري لبنان في النّصف الثاني من شباط المقبل، في زيارة رسميّة هي الأولى لرئيس الديبلوماسية المصرية بعد انتخاب الرئيس عبد الفتّاح السياسي رئيساً لمصر، وعقب اجتماع المعارضة السورية في القاهرة الذي نسّقته مصر مع روسيا والدّول الخليجيّة.

تندرج الزيارة في إطار إعادة تنشيط العلاقات المصرية اللبنانية، وقد ظهرت بوادر واضحة في هذا الإطار عندما أيّدت القاهرة الحوار بين «حزب الله» و «تيّار المستقبل»، فأصدرت وزارة الخارجية بياناً بهذا المعنى يؤيّد أيضاً جهود رئيس المجلس النيابي نبيه برّي.
هذا الإعلان المصري الفوري ينطلق من إرادة بتحييد لبنان عن النيران الإقليمية، خصوصاً في سوريا. ويقول السفير المصري في بيروت الدّكتور محمّد بدر الدين زايد لـ «السفير»:
بعد مرور 4 أعوام على ثورة 25 يناير، ثمّة تصميم مصري واضح وصريح بأن لا عودة الى زمن ما قبل الثورة، بحسب ما يقول زايد.
تدرك مصر أنّ مصالحها الدّاخلية واقتصادها يقتضيان دوراً فاعلاً لها، وتدحض القاهرة بسلوكها المنفتح تجاه الإقليم، التوقّعات بانكفائها ـ ولو مؤقتاً ـ لكي تعالج مشاكلها الدّاخلية. يقول السفير زايد: «هذه النظرية غير مقبولة في مصر التي تدرك جيّداً بأنّ الاستقرار الإقليمي غير ممكن من دونها، وبالتالي لا يمكنها الانكفاء في المستقبل القريب أو البعيد».
يوضح: «حضور مصر الإقليمي قبل 2011 كان أقلّ ممّا يتمنّاه العرب والمسلمين، حين تستعيد القاهرة دورها تدريجيّاً في الملفّات العربيّة كافّة، وعبر تنشيط العلاقات الثنائية البينية، وهي ليست حكراً على العلاقات الفلسطينية أو الملفّين العراقي أو السّوري، إنّما تشمل تنشيط العلاقات المصريّة في العالم العربي بأكمله».
الموقف من الأزمة السورية
تنطلق مصر من رؤيتها للمسألة السورية من ثابتة أكيدة وهي أنّها لا تريد رؤية سوريا مقسّمة، وتعتبر أنّ استمرار الوضع الرّاهن يشكّل خطراً على الأمن القومي.. هذه المقاربة المصريّة لا تعني علاقات متجدّدة مع نظام الرئيس بشار الأسد.
بالرّغم من وجود رئيس قسم لرعاية المصالح المصريّة في دمشق، وبالرّغم من الروابط التاريخية والاستراتيجية العميقة، فثمّة نفي مصري قاطع لبعض القراءات عن وجود اتصالات بين الجيشين المصري والسوري متبقية من زمن الوحدة ( 1958-1961).
يقول السفير زايد ردّاً على أسئلة «السفير»: «ثمّة مشاعر قوية تربط الشعبين المصري والسوري وهي مسألة لا نخفيها، وهنالك رابط خاص منذ الدولة الأيوبية، والعلاقة الاستراتيجية بين الشعبين هي التي حمت العرب والمسلمين». غياب الاتصال بالنظام لا ينفي تبادل المعلومات عبر الأجهزة الأمنية ووزارة الدّاخلية، خصوصاً في ما يتعلّق بمكافحة الإرهاب «يحصل تبادل معلومات في موضوع الإرهاب بين الدول المعنية، ومنها مع لبنان، وذلك من خلال الأجهزة الأمنيّة، ولا يحمّل الأمر أكثر من ذلك. أمّا أن يكون هنالك تبادل معلومات مع سوريا فلا أظنّ أن الأمر قائم، إذ لا توجد قنوات رسمية بين مصر وسوريا في المرحلة الرّاهنة»، بحسب السفير المصري.
«تعقيم» المفاهيم المغلوطة
وبالرّغم من الدعم السعودي والإماراتي لمصر، خصوصاً لناحية تقديم الأموال، فإن النظام المصري يعتبر أنه ينتهج سياسة مصرية قادرة على الاستقلالية من أيّة ضغوط خارجية، «لا مساومة على حرية القرار المصري، ومن غير الدقيق أو المقبول القول إنّ قرار مصر الحرّ يتأثّر بصداقاتها أو بتمويل من هنا أو هنالك، وأيّ دعم لمصر من الدول الخليجية ينبثق من إدراك هذه الدول لخصوصية العلاقة مع مصر»، يقول زايد.
ويذكّر بأنّ «مصر كانت المستعمرة البريطانية الوحيدة التي تحدّت بريطانيا، والعقل المصري له خصوصية دقيقة في التعامل مع الخارج: ثمّة خفايا ديبلوماسية مصرية لم يكشف التاريخ عنها بعد، بدءاً من فرملة الهرولة في مؤتمر مدريد للسلام (1991)، وصولاً الى الدّفاع عن العراق في محنه المختلفة، الى العلاقة مع حركة حماس». ويخلص الى القول: «تتمتّع المؤسسات الرسمية المصرية بفكرة راسخة تتعلّق بالمصالح العربية، ولم تستطع أية قوّة خارجيّة منعها من إنجاز ما تعتبره صحيحاً». تمرّ مصر اليوم بمخاض صعب «لكنّها تثابر على توطيد نظام قوي يدرك تماماً أنّ مصالحه العربية متداخلة مع مصالحه الداخلية، لكنّ الحكم المصري بقيادة المشير عبد الفتّاح السيسي مصمّم على المضيّ في البناء الدّيموقراطي المتدرّج، لأن لا عودة الى ما قبل ثورة 25 يناير».
يوطّد حكم السيسي السلطة المركزيّة مجدداً ويمحو الآثار السلبية التي تركها «الإخوان المسلمون» على الحياة السياسية، يقول زايد: إنّ التطوّر الديموقراطي عمليّة طويلة الأمد ولا تحصل فجأة، أدّى ظهور «الإخوان المسلمين» الى نشوء مفاهيم سلبيّة تمّ تصحيحها بمواجهة أولى في عهد الرئيس المصري الراحل جمال عبد النّاصر، وتتمّ اليوم مخاطبة مباشرة لهذه السّلبيّة فيتمّ «تعقيم» النظام المصري منها، ومن المفاهيم السلبية التي أدخلها «الإخوان المسلمون»: رفض الديموقراطية وطريقة تفسيرها والمراجعة العميقة التي تحصل بحاجة إلى وقت في ضوء إعادة قراءة التّاريخ المصري.

(السفير)

السابق
«هيومن رايتس ووتش» تدين العنف في مصر
التالي
قمة بين خادم الحرمين وأوباما اليوم تتناول اليمن والإرهاب