حانات الحمرا.. موسيقى لكل يوم

من أبرز الأماكن التي يقصدها محبو الموسيقى هي الحانات الليلية. فالمشروبات الكحولية قد تشكل أنيساً جيداً للبعض، خصوصاً اذا اجتمعت مع الموسيقى. وبما أن لكل شيء طقوسه، بما في ذلك شرب الكحول، تحيط بهذا الفعل أجواء معينة، تختلف من شخص لآخر، بحسب أهوائه وذوقه الفني وصولاً الى توجهاته السياسية والأيديولوجية. من هنا، فإنّ اختيار مكان وموسيقى السهر يمكن أن يقول الكثير عن الشخص. وكذلك الموسيقى التي توضع في الحانة قد توضح “أنواع” الأشخاص الذين يستهدفهم المكان.

في جولة في شارع الحمرا نرى عدداً كبيراً من الحانات. ولعل أبرز ما يميز هذا الشارع تعدد أنواع الحانات والموسيقى المتوفرة فيها، وبالتالي تنوع الرواد. ورغم أن الحانات تكاثرت بوتيرة عالية منذ وقت قليل نسبياً، الا أن بعضها أسس منذ زمن بعيد، اذ تعد من معالم الشارع. وهي حانات تحافظ على مستوى رفيع من الموسيقى كحانة Captains’ Cabin التي لا يزال يقصدها الكبار في السن والشباب، للإستماع بشكل خاص الى كلاسيكيات القرن الماضي من الروك أند رول، والتي باتت نادرة في حياة الحانات الليلية. ذلك أن الموسيقى السائدة في معظم الحانات، داخل وخارج الحمرا، هي موسيقى الـR&b والـElectronic اللتين يغلب عليهما الطابع التجاري، وتجذبان الجيل الشاب والأصغر سناً من بين رواد الحانات في المجمل، إضافة إلى أنّ هدفهما تجاري وليس فنياً أو ثقافياً.

والحال أن الكثيرين ينزعجون من استحضار هذه الحانات لرموز فنية، من خلال تعليق صورهم على الجدران، مثل صور مغني فرقة The Doors جيم موريسون، في حين أن الموسيقى فيها لا تشبه أغنيات موريسون، ولا تلامس الروك اند رول، بل تتحرك في فضاء الموسيقى الحديثة والتجارية، الضيق والمحدود.

والظاهرة الملحوظة في السنوات الأخيرة هي فرض الموسيقى العربية نفسها على الساحة، مع افتتاح عدد من الحانات التي تعتمدها، وهي أماكن تستهدف زبائن محددين. وهي تُشغِّل في الأغلب موسيقى عربية من السبعينات والثمانينات، وقليلاً من موسيقى اليوم الملتزمة. وهي تعتبر جاذباً للشباب اليساري الباحث عن النوستلجيا في أغاني الشيخ امام ومارسيل خليفة وغيرهما. كما ان أسعار مشروباتها تكون أدنى من الحانات الأخرى، لإرتباطها بالأجواء اليسارية للشارع. وفي هذه الحانات، كثيراً ما تعلو أصوات النقاشات السياسية التي تفرضها الأجواء الموسيقية والصور المعلقة، ونوعية الرواد أنفسهم.

وتلتزم بعض الحانات بنوع موسيقي واحد فيصبح جزءاً من هويتها ومرادفاً لإسمها، بينما تختار حانات أخرى موسيقاها بليونة أكثر، فتتألف لائحة أغنياتها من أنماط مختلفة، أو تُخصص أياماً محددة من الأسبوع لأنماط موسيقية محددة مثال Jazz Night أو Blues Night، وهي موجهة تحديداً الى محبي هذه الموسيقى. وبالتالي فإننا نرى الوجوه ذاتها أسبوعاً بعد آخر في كل يوم من هذه الأيام. لكن يمكن الملاحظة أيضاً أن الحانات التي تعتمد نمطاً موسيقياً واحداً هي المفضلة عند الشباب والراشدين، وذلك لإمكانية توقعهم مسبقاً، قبل التوجه الى الحانة، نوع الموسيقى الذي ينتظرهم، ولكون ذلك يعني أن هذه الموسيقى ليست تجارية بحتة. فالزبائن الذين يرتادون حانة “أبو ايلي” اليساري في الـJazz Night يختلفون عن رواده في ليالي الأسبوع الأخرى، حين تكون الموسيقى عربية.

وبالمقارنة بين الحمرا وشوارع أخرى تكثر فيها الحانات، تربح الحمرا في مسابقة التنوع من دون أدنى شك. فالجميزة ومار مخايل مثلاً تطغى عليهما الموسيقى الغربية التجارية، مع القليل من الـ Jazz والـBlues، اللذين يخرقان الطابع الموحد للأجواء الموسيقية. الا أن الموسيقى العربية نادرة بإستثناء القليل من الأغاني التجارية، وبإستثناء مطعم أم نزيه أيضاً، الذي يختلف رواده عن رواد الجميزة التقليديين. لكن شارع الحمرا يعتبر أكثر تواضعاً مقابل حانات الجميزة الأكثر أناقة. ويؤثر ذلك على الأسعار وبالتالي على نوعية الرواد، كأن تستقطب الحمرا الزبائن الأقل ثراءاً.
(المدن)

السابق
صيدا تستنكر شتائم بشرى الخليل
التالي
البطولات الأوروبية: «تشلسي» * «ليفربول» و«ميلان» * «لاتسيو» اليوم