كيف سيردّ «حزب الله» على غارة القنيطرة؟

في آخر حديث أجراه السيد حسن نصر الله، أمين عام “حزب الله”، مع قناة “الميادين”، شدد على إبراز سلسلة قضايا شائكة كان يهمه نقلها الى قادة اسرائيل. قال إن الحزب يملك ترسانة صواريخ متطورة، ستفاجىء قوات العدو في حال تقرر إطلاقها على المدن الاسرائيلية. وكرر نفيه لأي وجود عسكري من قِبل الحزب في الجولان المحتل، مكتفياً بالحديث عن الدعم السياسي فقط.

حول الأوضاع الاقليمية، إنتقى نصر الله بعض الأنظمة السنيّة لينتقد اداءها بعنف في تركيا والبحرين والدولة الاسلامية (داعش). وكشف في الوقت ذاته عن الدور المريب الذي قام به أحد العملاء ممَّن تم تجنيدهم بواسطة “الموساد” والاستخبارات الاميركية.
والمؤكد، أن السيد نصرالله تعمّد التقليل من شأن هذا العميل الذي رفض تسميته (محمد شوربا)، بهدف دحض الشائعات التي أعطته أدواراً غير صحيحة.
بعد إنقضاء فترة قصيرة على بث حديث السيد نصرالله، وحرصه على إرسال إشارات التهديد للدولة المحتلة… ردت اسرائيل بشن غارة جوية إستهدفت سيارتين قرب مدينة القنيطرة السورية. وكان من حصيلة ذلك الاعتداء المفاجىء مقتل بعض المسؤولين في “حزب الله”، بينهم القائد العسكري محمد أحمد عيسى، المشرف على ملفي العراق وسوريا، وغازي علي ضاوي، ومهدي محمد ناصر الموسوي، وجهاد مغنية (26 سنة) نجل عماد مغنية الذي إغتيلَ في دمشق (شباط – 2008).
والثابت أن طهران كانت مهتمة برعاية الشاب جهاد، وفتح آفاق المغامرات الخطرة أمامه، منذ إستقبله المرشد الأعلى الامام علي خامنئي، وحفزه على الاقتداء بأسطورة والده.
ويُستدَل من طبيعة الحشد السياسي الذي أرسلته طهران للمشاركة في مأتم عماد فايز مغنية في لبنان، أنها كانت تعتبره خسارة ايرانية من الدرجة الأولى. لذلك عهدت اليه سنة 2006 بادارة نشاطات ثماني مجموعات مقاتلة في المنطقة. وكانت وكالة الاستخبارات المركزية تُقحِم إسمه بكل العمليات التي نُفذت ضد مصالح الولايات المتحدة في لبنان.
ولما إغتيلَ في 12 شباط 2008، وصفته الحكومة الايرانية بأنه شخصية أسطورية يصعب تعويضها. لذلك حرص “حزب الله” على الاهتمام بمستقبل نجله منذ تخرج من الجامعة اللبنانية – الاميركية في إدارة الأعمال. وقد دشّن نشاطه بخطاب ثوري ألقاه في مناسبة ذكرى الاحتفال بقادة “حزب الله” في الضاحية الجنوبية.
من جهة أخرى، هدد قائد “الحرس الثوري الايراني”، محمد علي جعفر، اسرائيل بصواعق مدمرة إنتقاماً لاغتيال أحد كبار قادة الحرس العميد محمد علي دادي. وعلق وزير الدفاع الاسرائيلي، موشيه يعالون، على تهديد قائد الحرس الثوري الايراني بسؤال يحمل لهجة الاستغراب، قائلاً: وماذا كان يفعل الجنرال محمد علي الله دادي (هكذا تُلفظ) قرب مرتفعات الجولان؟
الجواب على هذا السؤال صدر عن جهات مختلفة، وإنما بطرق متباينة، تدل على غموض المهمة.
القناة التلفزيونية العاشرة في اسرائيل بثت خبراً يقول إن جيش الدفاع شنّ غارة داخل سوريا بواسطة مروحية قرب مدينة القنيطرة، على مقربة من خط الفصل بين القسم السوري من هضبة الجولان والقسم الذي تحتله اسرائيل.
هذا في حين ذكرت واشنطن أن غارة اسرائيلية إستهدفت عناصر من “حزب الله” و”الحرس الثوري” الايراني لمنعها من بناء قواعد صاروخية داخل المنطقة التي تقع تحت سلطة الدولة السورية من الجولان (510 كلم2).
وذكرت واشنطن أيضاً أن قرار بناء منصات صاروخية جاء تلبية لرغبة الرئيس بشار الأسد وقاسم سليماني، قائد “فيلق القدس.” وقد عهد الاثنان الى العميد محمد علي دادي بضرورة تنفيذ المشروع، كونه يُعتبَر من أصحاب الاختصاص في هذا الحقل. وسبق له أن نفذ سلسلة مشاريع مشابهة في سوريا.
الهدف الأساسي لهذا التطور الميداني يكمن في رؤية طهران لمستقبل بشار الأسد ونظامه. خصوصاً بعدما صدرت سلسلة مقترحات دولية واقليمية تطالب باستمرار نظام الأسد بعد إزاحة الرئيس والاستعاضة عنه بمجلس إنتقالي يضم كل شرائح المجتمع السوري.
ويجري الاعداد حالياً للاتفاق على حلول مجدية للحرب الأهلية في سوريا، من خلال مؤتمر القاهرة الذي بدأ أعماله يوم الخميس الماضي… أو مؤتمر موسكو الذي يباشر إجتماعاته الأسبوع المقبل.
وإعترض الوزير وليد المعلم على هذه الدعوة بحجة أن القاهرة لم تستشر دمشق حول قائمة الحضور. ورأى أن ذلك المؤتمر المرتجل عُقِد من أجل إفشال لقاء موسكو الذي تستضيفه السلطة الروسية الأسبوع المقبل.
وفي موسكو، أعلن وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، أن بلاده تسعى من خلال تنظيم الحوار السوري – السوري الى تجاوز أخطاء وقعت أثناء مفاوضات جنيف.
ومن وراء هاتين المحاولتين، أطلت طهران بمشروع سري يمنع إزاحة بشار الأسد، لأن أي تغيير، في نظرها، سيفكك وحدة سوريا، ويمنع تمدد ايران في اتجاه لبنان.
وعليه، قررت القيادة في طهران قلب المعادلة القائمة، وتثبيت منصات صواريخ فوق الشريط الحدودي المتاخم للجولان بغرض إستهداف المستوطنات الاسرائيلية، ومنع “جبهة النصرة” من التحكم بمواقع المواجهة. والثابت أن العميد محمد علي دادي كان في مهمة إستكشاف مع مجموعة من “حزب الله” عندما ضربتهم مروحية اسرائيلية. وعلى الرغم من التكتم الشديد على زيارة الفريق المختص، فان اسرائيل تبلغت وصول الموكب من جواسيسها داخل “جبهة النصرة.”
وتقول مصادر ايرانية مطلعة إن مشروع تعويم شعبية بشار الأسد، محلياً واقليمياً، يفترض إلغاء حال الهدنة في الجولان، وإعلان حرب إسترجاع المرتفعات المحتلة.
صحيح أن “حزب الله” متورط في القتال على الجبهة السورية… وصحيح أن الجيش النظامي السوري منشغل في حماية دمشق وحمص وريف اللاذقية، ولكن الصحيح أيضاً أن إطلاق الصواريخ على المستوطنات الاسرائيلية، بواسطة عمليات تسلل، يمكن أن يُحدِث بعض التحول الايجابي لدى الدول العربية المعارضة لاستمرار حكم الأسد.
المراقبون في الأمم المتحدة لا يعيرون المشروع الايراني الاهتمام الذي يستحقه لأكثر من سبب:
أولاً – لأنه من المستحيل تعويم نظام بشار الأسد – عربياً ودولياً – بعد تحميله مسؤولية دمار المدن السورية، ومقتل مئتي ألف نسمة، وتهجير خمسة ملايين مسنّ وإمرأة وطفل موزعين بين لبنان وتركيا والأردن.
ثانياً – ان ايران لا تستطيع التورط في حرب اقليمية من أجل استمرار نظام يصعب تعويمه. لذلك فهي تنسق مع حليفتها روسيا، بحيث يكمل الأسد فترة حكمه بمشاركة حكومة يتم اختيار نصف أعضائها من المعارضة المعتدلة.
ثالثاً – ان التهديد والوعيد بالانتقام من اسرائيل جاء على لسان قائد الحرس الثوري الايراني محمد علي جعفر. وربما تتطلع الولايات المتحدة واسرائيل الى الحرس الثوري كجناح عسكري آخر لا يمثل قاعدة الحكم مثل حسن روحاني. وهذا يعني أن النظام الايراني لا يريد تعكير أجواء المفاوضات الجارية مع الولايات المتحدة، أو إعطاء نتنياهو العذر لنسف الحوار القاضي بابرام إتفاق نهائي بين ايران والدول الست المعنية بملفها النووي.
بقي السؤال المتعلق بموقف “حزب الله” حيال عملية القنيطرة، وما إذا كان السيد حسن نصرالله سينفذ تهديده “بالسيطرة على الجليل… وما وراء الجليل.”
مصدر عسكري اسرائيلي حذر من مخاطر محاولات الرد بواسطة إطلاق صواريخ على المستوطنات، أو بواسطة إستهداف شخصيات اسرائيلية. وفي تصوره أن نتنياهو قد يستغل عملية الانتقام لاحراج “حزب الله” وسوريا، والقيام بضربة قد تنسف مسار الحوار بين الولايات المتحدة وايران.
الخائفون على سلامة الاستقرار والهدوء في لبنان يرجحون تأجيل الضربة الثأرية الى وقت آخر، ومكان آخر بعيداً عن حدود الوطن الصغير. وهم يذكرون الاسرائيليين بالقرار الذي إتخذه اسحق شامير بتصفية أمين عام الحزب عباس الموسوي (1992). وكان الثمن تفجير سفارة اسرائيل وبناية الجالية اليهودية، في بلد لاتيني.

السابق
بانتظار قرار «حزب الله»
التالي
«داعش» يوسّع راياته السود على الحدود اللبنانية