اللجان المشتركة تقر سلامة الغذاء.. والعبرة في التطبيق

لعل اللبنانيين يجدون بعض العزاء في إقرار اللجان النيابية المشتركة، أمس، اقتراح قانون سلامة الغذاء (قانون د. باسل فليحان)، على أمل أن تقره الهيئة العامة لمجلس النواب في أول جلسة تشريعية مقبلة.
فبعد الطعام الفاسد والأغذية المنتهية الصلاحية والسيئة التخزين والتوضيب وغيره، التي كشفت عنها حملة وزارة الصحة مؤخراً، وبيّنت أن اللبنانيين كانوا يتناولون ما لا يصلح حتى للحيوانات في بعض الأحيان، تغاضت القوى السياسية عن بعض خلافاتها حول اقتراح قانون سلامة الغذاء، وخصوصاً صلاحيات الهيئة اللبنانية لسلامة الغذاء، وتم السير بالقانون في اللجان النيابية المشتركة، بعد نحو 15 عاماً على إرساله إلى مجلس النواب.
جاء إقرار اقتراح القانون أمس بعد التعديلات التي أدخلتها اللجنة الفرعية النيابية الخاصة بالقانون والتي تشكلت في اللجان المشتركة. وطالت هذه التعديلات بالدرجة الأولى، كما أكد رئيس لجنة الصحة النيابية النائب عاطف مجدلاني لـ «السفير» صلاحيات الهيئة بشكل أساسي، حيث تم التشديد على تنسيق قراراتها مع الوزارات المعنية بملف الغذاء وسلامته. وشملت التعديلات الجهة الوصية على الهيئة التي «تتمتع بالشخصية المعنوية وبالاستقلال المالي والإداري، وترتبط برئيس مجلس الوزراء الذي يمارس سلطة الوصاية عليها».
وكان تحديد جهة الوصاية على الهيئة جزءاً من الخلافات في شأن إنشائها، وخصوصاً أن هناك ست وزارات على الأقل معنية بملف الغذاء، فجاءت التسوية بربط الهيئة برئيس مجلس الوزراء مباشرة، ووصايته عليها. وكان الخوف من إلغاء الهيئة صلاحيات بعض الوزارات المعنية بملف الغذاء، سبباً أساسياً في عدم التوافق على القانون بصيغته السابقة.
ولكن وزير الصحة وائل أبو فاعور، وبالرغم من اعتباره إقرار اقتراح قانون سلامة الغذاء إنجازاً كبيراً واستكمالاً لحملة مكافحة فساد الغذاء في لبنان، إلا أنه قال لـ «السفير»: «كنت أفضل أن تكون للهيئة صلاحيات تنفيذية كاملة، وأن لا يحد التنسيق مع الوزارات من قوة صلاحياتها». وتمنى أبو فاعور لو «منحت الهيئة صلاحيات موازية لصلاحية الوزارات».
وقال النائب مجدلاني لـ «السفير» إن رئيس مجلس النواب نبيه بري أكد أنه سيدرج اقتراح القانون في جلسة التشريع الأولى المقبلة ليتم إقراره في الهيئة العامة للمجلس. وسيفتح الرئيس بري دورة استثنائية تشريعية بعد الاتفاق مع رئيس الحكومة تمام سلام. وعليه يأمل مجدلاني ورئيس «جمعية المستهلك» الدكتور زهير برو أن يقرّ القانون في الجلسة النيابية التشريعية الأولى.
وأوضح مجدلاني أنه في «حال حصول خلاف بين الهيئة وأي وزارة أو هيئة رسمية معنية، يرفع إلى رئاسة مجلس الوزراء للبت فيه، كونه سلطة الوصاية على الهيئة». وأكد أن الهيئة الوطنية لسلامة الغذاء هي مؤسسة عامة مستقلة مالياً وإدارياً وتتبع رئاسة مجلس الوزراء، «ولا يمون عليها الوزراء المعنيون بملف الغذاء، لأن مجال مهماتها وصلاحياتها تتعدى وزارة واحدة لذلك لا يمكن أن توضع تحت سلطة الوصاية لأي من هذه الوزارات».
وتتمثل أهمية قانون سلامة الغذاء، وفق مجدلاني وبرو، في سريان أحكامه ومواده على مجمل مراحل «العملية الغذائية من الإنتاج إلى المستهلك بما فيها الزراعة وتربية المواشي واستعمال المبيدات والتصنيع وكل ما يرتبط بالغذاء، بما فيه قطاع نقل الغذاء والمنتجات، والذي لا نصوص تحكمه اليوم».
واعتبر رئيس لجنة الاتصالات النيابية النائب حسن فضل الله أن انجاز قانون لـ «سلامة الغذاء هو أمر مهم لحماية الأمن الغذائي للمواطنين»، مشيراً إلى أن المشكلة في لبنان لم تكن دائماً في غياب القوانين، وإنما في عدم تطبيق الموجود منها». وذكّر فضل الله بـ «قانون حماية المستهلك الذي أجرينا عليه تعديلات أساسية أقرت في الهيئة العامة وهي تؤمن بشكل كبير وفاعل السلامة العامة للمواد الغذائية والاستهلاكية الأخرى ولكن للأسف لم يتم تطبيقها بشكل سليم».
ويشرح برو لـ «السفير» الفرق بين قانوني «حماية المستهلك» المقرّ، و «سلامة الغذاء» العالق في مجلس النواب. ويشمل «قانون حماية المستهلك كل قضايا السلع والخدمات وتأمين حقوق المستهلكين فيها عامة ويتناول الغذاء في فصل منه، بينما يحدد سلامة الغذاء الأطر والأنظمة والمواصفات الخاصة بسلامة الغذاء تحديداً من المنتج إلى المستهلك».
ويصف النائب مجدلاني قانون سلامة الغذاء بقانون «من المزرعة إلى طاولة المستهلك». لذا يتفق برو ومجدلاني على شمول القانون لكل تفصيل يتعلق بالأمن الغذائي.
واعتبر برو إقرار اقتراح قانون سلامة الغذاء «خطوة مهمة تستوجب استتباعها بإقراره في الهيئة العامة، والأهم العمل على إصدار المراسيم التطبيقية والتنظيمية التي تمهد لتطبيقه، وعدم إضاعة دقيقة واحدة لناحية السرعة في إقراره وتنفيذه، ولناحية اختيار هيئة وطنية لسلامة الغذاء من خارج القيد الطائفي، وبناء على كفاءات أفرادها وليس وفق المحاصصة السياسية». ودعا برو إلى أن «تكون الهيئة مثالاً للخروج من وحول المحاصصة الطائفية والزبائنية، واتخاذ معيار الكفاءة كأساس لها».
ولفت برو إلى أنه «للمرة الأولى في لبنان يوضع قانون حديث للغذاء تكون مسؤولة عن تطبيقه هيئة مستقلة، وله مرجعية واحدة وتؤمن التنسيق بين كل الوزارات والإدارات المعنية بسلامة الغذاء».
وتنص المـادة 47 من القانون على مراعاة «أحكام المعاهدات الدولية المتعلقة بسلامة الغذاء لا سيما تلك المتصلة بتدابير الصحة والصحة النباتية والقيود الفنية على التجارة، عند تطبيقه».
ضمان التنفيذ
اثر جلسة إقرار اقتراح القانون في اللجان المشتركة، أشار مجدلاني إلى أن «الخطوة التالية هي وضعه على جدول أعمال الجلسة التشريعية الأولى للتصويت عليه، ليصبح قانونا نافذا بعد نشره في الجريدة الرسمية».
وأشار مجدلاني إلى بدء «التحضير لضمان تنفيذ القانون لدى إقراره لأن العبرة دائما في التنفيذ»، منتقداً التقصير الفاضح في تطبيق قانون منع التدخين، خصوصا في المطاعم والمقاهي والأماكن السياحية الأخرى من الوزارات المعنية بتنفيذ القانون وفي مقدمها وزارات الاقتصاد والصحة والسياحة». وسأل: «إلى متى هذا الاستهتار بصحة الناس؟ وإلى متى هذا الإهمال لصحة الناس؟ ومعها هذه اللامبالاة؟».
من جهته، رد أبو فاعور على مجدلاني في شأن قانون منع التدخين في الأماكن العامة، مبدياً أسفه لـ «عدم وجود عدد كاف من المفتشين للعمل، لأننا نقوم كوزارة صحة بكل هذه الأعباء ومن ضمن الحملة، وبالرغم من هذا الأمر فقد تم منذ يومين فرز عدد من المفتشين الصحيين المتخصصين بمسألة التدخين في المطاعم، لان بعض المطاعم أو بعض المؤسسات يفكر انه إذا كانت الدولة متوجهة إلى سلامة الغذاء فيعني أن التدخين مسموح». وقال أبو فاعور لـ «هؤلاء، سنعود إلى حملات المداهمة في المطاعم من اجل ضمان تطبيق قانون منع التدخين».
ورأى أنه لولا مؤازرة حملة مكافحة الفساد الغذائي من قبل القوى السياسية والإعلام والرأي العام «لما وصلت الحملة إلى ما وصلت إليه». وعليه، توجت بعض الأمور الإصلاحية مثل «اقتراح القانون الذي نحن فيه اليوم، حيث استشرى الفساد بهذه الطريقة حتى يبدو للناظر وكأن لا قوانين في لبنان، والأمور فالتة على عاتقها، حيث يتصرف الجميع كما يرى مصلحته المالية من دون اعتبار لسلامة اللبناني أو للقوانين التي يجب التقيد بها». وأكد أبو فاعور أن «ضمان استمرار هذه الحملة يكون بالتشريعات وبالإجراءات، وهذه خطوة أساسية على طريق استكمال مسار سلامة الغذاء».

القواعد والهيئة

يتضمن اقتراح قانون سلامة الغذاء 47 مادة ويهدف، وفق الصيغة النهائية التي أقرت في اللجان النيابية المشتركة، وحصلت عليها «السفير» إلى «تحديد القواعد التي ترمي إلى تأمين سلامة الغذاء وتحديد الأجهزة المكلفة تطبيق أحكامه».
ويشمل نطاق تطبيق أحكامه «جميع أنواع المأكولات والمشروبات على اختلاف أنواعها وأصنافها بما في ذلك المياه، وجميع المواد التي تستعمل في عمليات تصنيع الغذاء وتحويله وتحضيره وتعبئته ومعالجته وتسويقه، وجميع المنتجات الزراعية بما في ذلك تلك التي تدخل في إعداد الغذاء أو صناعته وإن كانت لا تعتبر غذاء بذاتها».
أما بالنسبة إلى الهيئة اللبنانية لسلامة الغذاء التي تنص المادة 23 على إنشائها، تخضع لوصاية رئاسة مجلس الوزراء مباشرة، ولرقابة التفتيش المركزي وديوان المحاسبة المؤخرة، ولكنها لا تخضع لرقابة مجلس الخدمة المدنية.
ويتولى السلطة التقريرية في الهيئة مجلس إدارة مؤلف من سبعة أعضاء يعيّنون لمدة خمس سنوات بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء بناء على اقتراح رئيس مجلس الوزراء من بين أهل الاختصاص والخبرة في النشاطات المتعلقة بسلامة الغذاء. ويراعى في تشكيل مجلس الإدارة تنوع الاختصاصات.
ويسمى في مرسوم التعيين من بين الأعضاء رئيس ونائب للرئيس، تتوافر في كل منهما الشروط الخاصة المنصوص عليها في القانون، ويكونان متفرغين لأعمال «الهيئة ولا يجوز لهما الجمع بين منصبهما وأي عضوية برلمانية أو بلدية أو وظيفة أو حتى مهمة تطوعية».
وتتولى «الهيئة» مهمات إقرار و/أو اقتراح النصوص اللازمة لتطبيق أحكام قانون سلامة الغذاء، وتحديد شروط وإجراءات مراقبة تنفيذ أحكامه ونصوصه التطبيقية، وممارسة الصلاحيات المنصوص عليها في مواده، واتخاذ القرارات اللازمة لوضع موضع التنفيذ السياسة العامة لسلامة الغذاء التي يقرّها مجلس الوزراء بناء على اقتراح رئيس مجلس الوزراء المبني على إنهاء الهيئة، والتنسيق في ما بين الوزارات المختصة والإدارات المعنية لتنفيذ أحكام لقانون ونصوصه التطبيقية، والمشاركة في إعداد مشاريع المواصفات والقواعد الفنية المتعلقة بالغذاء والمبيدات والأدوية البيطرية والأعلاف والأسمدة واقتراح إصدار أو تعديل هذه المواصفات والقواعد الفنية، والمشاركة في وضع المعايير المتعلقة بسلامة الغذاء بالاستناد إلى المعلومات العلمية وبعد تقييم المخاطر التي قد تنتج عن استهلاك غذاء معين أو استعمال المبيدات أو الأعلاف، بالإضافة إلى مهمات أساسية أخرى.

السابق
شهداء الجيش… يعودون قرابين الى بلداتهم
التالي
ندوة بين العلمانية والطوائف في بلدية صيدا