أيام سوداء تنتظر منطقة الشرق الأوسط والسبب…

جاسم عجاقة

بين الأزمة الروسية – الأوكرانية والصراع السعودي – الإيراني، أخذت أسعار النفط بالهبوط إلى مستويات ظهرت معها هشاشة الإستراتيجيات الاقتصادية والإنمائية للدول الإقليمية. والتحليل يُظهر أنّ الوزن النفطي والغازي للشرق الأوسط سيجعله مسرحاً للصراعات الدولية التي قد تجلب أياماً سوداء على دُوَله.
«فَرّقْ تَسُدْ»! هذا المثل اللاتيني الذي تعود أصوله إلى العهد الروماني وبالتحديد إلى مجلس الشيوخ القائم في ذلك الوقت، يتحوّل اليوم إلى إستراتيجيات يتمّ إستخدامها في مجالات عدّة وعلى رأسها السياسة. سعادة شخص على حساب مصائب قوم، نعم هكذا يُمكن وصف هذه الإستراتيجية الهدّامة والتي تمّت تكملتها بإستراتيجية حصان طروادة.

هذا الأمر هو ما يحصل حالياً في أوكرانيا وفي منطقة الشرق الأوسط حيث أدّى الإنقسام الداخلي للدول إلى حروب دمّرت البنى الاقتصادية والإجتماعية لدول عدّة. ففي كلّ مرة تُواجَه السياسيات الدولية بمعارضات داخلية، تعمد الدول العظمى إلى اللعب على الإنقسام الداخلي للحفاظ على مصالحها الاقتصادية.

ومن أهم الأدوات التي يتمّ إستخدامها على هذا الصعيد، نذكر المذهب والعرق اللذين يُعتبران الأسباب الحصرية للأزمات التي عصفت وتعصف في العالم. وتطوّر إستخدام هذه الأدوات إلى درجة أصبحت تنقسم إلى إتجهات فكرية داخل الدين الواحد والعرق الواحد.

أنعم الله على الشرق الأوسط بثرواتٍ نفطية وغازية هائلة تزداد يوماً بعد يوم وتفوق حاجة سكانه الإستهلاكية. لكنّ الأنظمة الحاكمة في بعض الدول العربية ومنذ نشأتها، دخلت في اللعبة العالمية وأصبحت جزءاً من الإنقسام بإعتمادها على الدول الخارجية لكي تضمن مصالحها الشخصية على حساب شعبها.

وأخذ بعض الدول المُنتجة للنفط يتعلق بشكل متزايد بمنظومة الحماية الدولية إن من خلال إتفاقات مكتوبة أو إتفاقات شفهية. وبذلك ضمنت الأنظمة الحاكمة إستمرارية طويلة الأمد عبر تحكمها بالسلطة لعقود بشخص الحاكم أو الحزب.

منذ إكتشاف النفط والغاز والدول المُتطورة تستنزف إحتياطاتها في خدمة إقتصاداتها. هذا الأمر أدّى إلى تقليص نسبة الإنتاج العالمي لهذه الدول إلى النصف بحيث إنّ دول الأوبك أصبحت تحتكر 50% من هذا الإنتاج. وبالنظر إلى إحتياط الشرق الأوسط، نرى أنّ هذا الإحتياط أخذ بالإزدياد – إضافة إلى الإكتشاف المُستمر لكميات جديدة – بشكل نوعي وذلك في تسعينات القرن الماضي في ما يخصّ النفط وأوساط العقد المنصرم للنفط.

والأمر يعود قبل كل شيء إلى إكتشاف حقول جديدة في البر والبحر في الكثير من بلدان الشرق الأوسط وعلى رأسها المملكة العربية السعودية وقطر والعراق وسلطنة عمان والجمهورية الإسلامية في إيران (هذه الأخيرة تخضع لعقوبات على نشاطاتها النفطية والغازية من المجتمع الدولي).

هذا الأمر ومن دون أدنى شك، أعطى بعداً إستراتيجياً لمنطقة الشرق الأوسط، تمثل بإنفرادها بتحديد الأسعار كما يحصل حالياً مع المملكة العربية السعودية التي إستطاعت عبر تثبيت الإنتاج، فرض مستوى الأسعار الذي تريده. والأرقام تُشير إلى أنّ إحتياط الشرق الأوسط من النفط زاد بنسبة كبيرة حيث تخطى حجم المخزون الـ 800 مليار برميل في العام 2014.

هذا الأمر مشابه لحال الغاز الذي وبفضل التطوّر التكنولوجي المُستمر، إستطاعت الدول العربية الوصول إلى أماكن كان من الصعب الوصول إليها في السابق. هذا التطوّر التقني دفع بإحتياط الغاز إلى 3000 ألف مليار قدم مكعب أيْ بزيادة 2500 عما تملكه باقي المناطق الأخرى مجتمعة.

نستنتج إذاً مما تقدم وفي ظلّ تخطي معظم الدول في العالم لقمّة منحنى Hubert أو ما يُسمّى بقمّة الطاقة، أنّ الشرق الأوسط أصبح منطقة أساسية في العالم من ناحية مصادر الطاقة.

لا بل يُمكن القول إنّ هذه المنطقة أصبحت القلب النابض للإقتصاد العالمي والتي بدون ثرواتها لن يستطيع أن يستمرّ في التطور. وما يدعم هذا الرأي، ضعف نسبة الطاقات المُتجدِدة التي لا تُساهم في كثير من الإستهلاك العالمي على رغم التقدم التكنولوجي الذي شهده مجال الطاقة البديلة (Photovoltaic، Wind،…).

يبقى السؤال عن الضمانة التي يطلبها العالم الغربي وعلى رأسه الولايات المُتحدة الأميركية، لكي يكون هناك إستمرارية في الإنتاج تُلبّي حاجة الإقتصادات الغربية؟

هذه الضمانة غير موجودة في ظلّ وجود بعض الأنظمة المُعارضة للنظام الكوني بتركيبته الحالية. لذا سيتمّ تغيير الواقع السياسي، الجغرافي (حدود)، العقائدي… لكي تستحصل هذه الدول على شرق أوسط جديد يلتزم بالإتفاقات الدولية ويؤمِّن تزويد النفط والغاز.

وما نشهده اليوم من أحداث في منطقة الشرق الأوسط يدل على المهمة المُتوقعة، أيْ «إنتاج النفط والغاز». وكلّ مهمة أخرى هي خارج نطاق هذه الدول وبالتالي لن يكون هناك من نشاط إقتصادي أخر متطوّر خارج إطار إستخراج النفط والغاز. لذا ستعمد الدول الكبرى إلى تغييرات كبيرة في هذه المنطقة قد تكون قاسية جداً على الشعوب التي تقطنها من ناحية أنّ التاريخ لا يذكر أنّ هناك حدوداً رُسمت من دون حروب.

هذا يعني أنّ المنطقة، ونظراً إلى كبر مساحتها وما يوجد عليها من آبار نفطية وغازية تلعب دوراً مُقيّداً، وستشهد في العقود المقبلة سنوات من الحروب التي ستستدعي التدخل الخارجي للجمها، أو إعادة تصويب مسارها، أو تغيير أهدافها الوسطية.

ولبنان في كلّ هذا؟ من المتوقع ألّا يتخطى في السنتين المقبلتين مرحلة إقرار مراسيم النفط وذلك بسبب ضعف القرار السياسي الناتج عن الإنقسام العامودي الحاد في المجتمع السياسي وذلك على رغم الحوارات التي تقوم بها الأطراف السياسية. هذا يعني أنّ لبنان، كالأردن سيكون عرضة لحروبٍ على أرضه ولكن بوتيرة أقل من مناطق أخرى. هذا الأمر سيؤثر من دون أدنى شك في التطوّر الاقتصادي وكذلك الإجتماعي للبنان الذي سيشهد نموّاً ملحوظاً في صادراته البشرية.

من هنا يظهر سبب ضعف الإقتراحات والخطط الاقتصادية والتي لم يعد مُقترحوها مقتنعين بإمكانية تطبيقها. وهذا يعني حتمية تنفيذ خطوات قصيرة الأمد لن تكون نتائجها ملموسة في ظلّ هذا الأتون الذي تعيشه المنطقة.

السابق
البطولات الأوروبية الدولية: تعادل مخيب لـ«يونايتد»
التالي
ما بدها هلقد!