نصرالله يتولى ترجمة تهديد روحاني لدول الخليج

حسن نصر الله

الغضب الإيراني كما القلق والتوتر الذي يبديه حزب الله يعود لانخفاض سعر النفط الذي يهدد في تداعياته المشروع الإيراني للهيمنة والسيطرة على المنطقة العربية والإسلامية، وكذلك على مصير ومستقبل ادواته، لذلك وتاكيداً وتطميناً من إيران لمواطنيها ولادواتها في المنطقة.. فقد تعهد وزير النفط الإيراني، “بيجان زنغنه”، بالسحب من صندوق الثروة السيادية حال تعاظم أثر انخفاض أسعار النفط على الاقتصاد الإيراني.ووفقا لبيانات استقتها جريدة “الشرق الأوسط” من معهد صناديق الثروة السيادية (جهة مستقلة بدراسة صناديق الثروة الحكومية حول العالم) فقد بلغت قيمة الاحتياطات الأجنبية لإيران بنهاية نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، نحو 62.2 مليار دولار. كذلك لا بد من الإشارة إلى أن تدني سعر النفط بهذه السرعة غير المعهودة قد ترك آثاراً سلبية على الميزانية العامة الإيرانية.. ويقدر صندوق النقد الدولي أن تحقيق توازن في ميزانية إيران يتطلب أن يكون سعر برميل النفط 130 دولارا. حيث انه وفي أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، توقع الصندوق أن يبلغ العجز في ميزانية إيران نحو 8.6 مليار دولار العام الحالي، بحسب سعر الصرف الرسمي، مع احتساب أسعار برنت حينها عند 80 دولارا للبرميل. ولكن سعر النفط اليوم هو دون الخمسين دولار ومن المتوقع ان يهبط مستقبلاً دون الاربعين دولاراً… لذا فقد أشار أمين مجلس تشخيص مصلحة النظام محسن رضائي إلى أن المجلس يدرس وضع تخمينين لسعر برميل النفط في الميزانية العامة الإيرانية للسنة الشمسية الجديدة، التي تبدأ في 21 مارس /آذار 2015؛ الأول عند سقف 72 دولارا، والثاني 50 دولارا. إلا أن أسعار الخام هوت إلى ما دون 45 دولارا، مع احتمال جدي أن تلامس 35 دولارا في نهاية الشهر المقبل.

هذا الواقع الاقتصادي الإيراني المستجد والذي كنا قد أشرنا له سابقاً، قد أثار حفيظة الرئيس الإيراني  الشيخ حسن روحاني ودفعه إلى التخلي عن دبلوماسيته، وتوعد من اتهمهم بالتخطيط ضد بلاده بأنهم سيندمون، موجها كلامه مباشرة إلى السعودية والكويت، معتبرا أنهما ستعانيان صعوبات تفوق صعوبات بلاده جراء انخفاض الأسعار، مؤكدا أمام حشد كبير من المواطنين التقاهم في مدينة بوشهر أن الجمهورية الإسلامية لن تخضع لضغوط خفض أسعار النفط، وستتغلب على هذه المؤامرة.. وخوف روحاني يعود إلى ان تحريكا لأسعار بعض المنتجات المدعومة من قبل الحكومة، سينعكس سلباً على مستوى معيشة المواطن الإيراني. وما ذكره احد التقارير الاقتصادية يفيد بأنه وفي مطلع الشهر الماضي رفعت الحكومة الإيرانية أسعار الخبز نحو 30 في المائة، وهو ما قابله سخط شعبي شديد. كما تنوي الحكومة رفع أسعار البنزين في العام المالي المقبل، ومن شأن تحريك الأسعار بالرفع أن يؤثر على مستويات التضخم المرتفعة بالأساس. وتقول الحكومة الإيرانية إنها تستهدف الحفاظ على مستويات التضخم حول 25 في المائة، فيما يقدر صندوق النقد الدولي تراجعه إلى نحو 20 في المائة في نهاية العام المالي الحالي، إذا ما حدث ارتفاع في أسعار النفط أو تماسكت قليلا فوق مستوياتها المتدنية الحالية. هذا وقال ستيفن لويس، كبير الاقتصاديين لمنطقة الشرق الأوسط لدى «إيه دي إم إنفستورز»: “يضع السعر الجديد لبرميل النفط في ميزانية إيران الكثير من الضغوط لدى صناع السياسات المالية للبلد الغني بالنفط والغاز، فإما فرض المزيد من الضرائب وتقليل الإنفاق، وهو ما يعني سخطا شعبيا على القيادات السياسية”. وتابع: “قد يكون الخيار الآخر هو السحب من الاحتياطات الأجنبية المتمثلة في صندوقها السيادي، ولكن حتى هذا الأمر سيصطدم بواقع العقوبات الدولية المفروضة عليها”…
المشكلة التي تواجهها إيران جراء انخفاض سعر النفط مزدوجة ونتائجها  ذات بعدين داخلي وخارجي:
-على مستوى الداخل الإيراني يتسبب انخفاض سعر النفط إلى استثارة مشاكل داخلية نتيجة عدم قدرة النظام الإيراني على تلبية حاجات الشعب الإيراني والتخفيف من أزماته المعيشية، والحد من معدل البطالة نتيجة هجرة رؤوسالموال وإفلاس المصابع وعدم وجود فرص عمل منتجة وحقيقة لمئات الآلاف من الشباب المتخرج من الجامعات والمعاهد الفنية والمهنية باستثناء العمل لدى الحرس الثوري الإيراني الذي لا يزال يهيمن على معظم مقدرات البلاد الاقتصادية… إلى جانب المعاناة من التضخم المالي الذي ينهش رواتب الموظفين والطبقة الفقيرة..نتيجة ارتفاع الأسعار وهبوط سعر صرف العملة الإيرانية مقابل الدولار..وهذا الواقع يهدد باندلاع ثورات وانتفاضات في ايران بسبب الأزمة الاقتصادية الخانقة وتدني الخدمات العامة إضافةً إلى عدم اقتناع المواطن الإيراني بجدوى السياسات الإقتصادية الايرانية على امتداد الرئاسات المتعاقبة لأن المسؤول الحقيقي عن الواقع الاقتصادي والمعيشي هو الخامنئي شخصياً الذي يملك القرار النهائي في رسم السياسات الحكومية سواء في الداخل او في الخارج وعلى كافة المستويات ومنها الاقتصادية…
-اما فيما يتعلق بواقع ومصير حلفاء إيران في الخارج والذين يعتمدون اعتماداً كلياً على المال الإيراني والدعم المباشر من المؤسسات الإيرانية فإنهم سوف يعانون بقوة وقد ينهار بسرعة مشروعهم ومشروع التمدد الإيراني السياسي والعسكري في المنطقة.. في حال لم يتمكنوا من تامين مصادر وموارد مالية جديدة تضمن لهم الاستمرار والمتابعة خاصةً وانهم يخوضون حروباً في كلٍ من سوريا والعراق واليمن ولبنان والبحرين وغيرها من دول العالم التي تحاول فيها إيران مد سيطرتها او التأثير على سياساتها الداخلية او الخارجية..فقد أكد نائب قائد الحرس الثوري الإيراني الجنرال حسين سلامي وجود جيوش شعبية مرتبطة بالثورة الإيرانية في العراق وسوريا واليمن، يبلغ حجمها أضعاف حزب الله في لبنان. وقال في تصريحات نقلتها وكالة أنباء “فارس” إن الثورة الإيرانية ارتبطت بأواصر مع العراق لتشكل هناك قوات شعبية يبلغ حجمها 10 أضعاف حجم حزب الله في لبنان. وأشار سلامي إلى أن سوريا تشكلت فيها أيضاً قوات شعبية، معتبراً أن جماعة أنصار الله التابعة لجماعة الحوثيين في اليمن يمارسون الآن دوراً كبيراً كدور حزب الله في لبنان. من جهته قال رئيس البرلمان الإيراني علي لاريجاني إن بلاده استطاعت أن تشكل قوة ردع تحفظ أمنها وتساعدها على الوقوف في وجه التهديدات.
بدايةً لا بد من القول ان هذا الخوف والقلق الإيراني قد عكسه الرئيس الإيراني في كلمته التهديدية بحق دول الخليج، وترجمه لاحقاً وصول الرئيس الفنزويلي على عجل لمعالجة هذا الأمر إلى كلٍ من السعودية وقطر وكذلك إلى إيران وهو حليف ايران الأساسي في منطقة أميركا الجنوبية.. ولكن اهم مؤشر يدل على جدية  القلق الإيراني من المستقبل القاتم الذي يتسبب به انخفاض سعر النفط، والدليل الأقوى على ان التهديد الإيراني يجب ان يؤخذ على محمل الجد نتيجة المعاناة والقلق، هو ما أشار إليه حسن نصرالله في خطابه الاخير حين هاجم سلطات مملكة البحرين بقوة ودافع بشدة عن المجموعات المعارضة، مما اعطاها صفة مذهبية وأبعد عن تحركها العناوين الوطنية وجعل منها بيدقاً في خانة المجموعات التي تحركها إيران تماماً كما هو حال حزب الله في لبنان، وهذا الخطاب او التحرك الذي باشره نصرالله نحو البحرين يأتي في سياق التكليف الرسمي الإيراني لترهيب دول الخليج برمتها انطلاقاً من الملف البحريني وتأسيساً عليه، وهذا السلوك هو ترجمه حرفيه لتهديد روحاني وتثبيتاً لكلام ومنطق لاريجاني الذي قال عندما زار بيروت قبل فترة وجيزة.. “بأن دور حزب الله اللبناني “أكثر فاعلية من بعض دول المنطقة” مضيفا: “حزب الله لديه دور أكثر فاعلية من بعض الدول.”.. هذا التوصيف وما سبقه من إعلان الدعم والارتباط يؤكد بأن ما قاله نصرالله بحق مملكة البحرين إنما هو موجه لجميع دول مجلس التعاون، في إطار قيامه بما هو متوجباُ عليه لخدمة السياسة الإيرانية والقيام بممارسات وتصرفات وإطلاق تصريحات تحريضية تسيء لعلاقات لبنان المصيرية مع دول الخليج، وتؤذي جمهور اللبنانيين العاملين في تلك الدول وتهدد مصير عائلات مغتربة واخرى تستفيد من تحويلات أبنائها العاملين في دول الخليج، وتصرف نصرالله هذا يأتي ليشير إلى عدم التفاته او اهتمام حزبه وميليشياته بمصير ومصلحة اللبنانيين ليس في دول الخليج بل في دول العالم أجمع أمام تامين مصالح واستراتيجيات إيران السياسية والأمنية والأقتصادية… كما يمكن الاشارة ايضاً إلى ان قلق نصرالله وميليشياته نابع من الخوف على مستقبل حزب الله وولاء جمهوره له الذي بدأ يتململ نتيجة تضاءل الدعم الإيراني وشعوره بضغط سياسي واقتصادي بالغ بسبب خدمة المشروع الإيراني دون مراجعة موضوعية او مناقشة هادئة لأهداف ومصالح هذا المشروع او حتى حجم التضحيات ومبرراتها، مما ينعكس سلباً على مجمل الجمهور وحتى على الطائفة أيضاً نتيجة الإساءة للعلاقات مع دول صديقة او التورط في نزاعات مسلحة كما يجري في سوريا والعراق واليمن وربما البحرين لاحقاً… واول مؤشرات هذا الضعف والخوف جاءت كما نشر موقع “إيلاف الالكتروني” على شكل اعتراف ذكره مسؤولون في حزب الله ومراقبون قريبون منه، أكدوا فيه إقدام ايران على خفض الدعم المالي الذي تقدمه الى الحزب بدرجة كبيرة. وقال خليل، وهو قائد عسكري في حزب الله طلب استخدام اسم مستعار، “ان الكثير من اعضاء الحزب لا تُدفع رواتبهم إلا بعد تأخير طويل”. واضاف ان البعض يتسلم أقل مما كان يُدفع له في السابق. ويقدر محللون ان طهران خفضت تمويل الحزب بنحو 50 في المئة. ولكن خليل أكد لمجلة نيوزويك ان التخفيض هو بنسبة أكبر. واضاف خليل محاولا ان يبدو متفائلا رغم الضائقة المالية التي تواجه حزبه “نحن معتادون على ظهور غيمة سوداء فوقنا وهذه الغيمة ايضا ستنقشع”… وبحسب القائد العسكري خليل ومصدر آخر قريب من حزب الله فان سياسيا درزيا متحالفا مع الحزب كان يتسلم 60 الف دولار شهريا من الحزب وهو اليوم يقبض 20 الف دولار فقط. وذهب خليل والمصدر على السواء الى ان سياسيا لبنانيا آخر كان يتقاضى مخصصات شهرية تبلغ 40 الف دولار ولكن عليه الآن ان يقنع بـ15 الف دولار. وقال الباحث ليفيت من معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى “اعتقد ان حزب الله يشعر بقلق بالغ. فهو حين يضع نفسه في موقع الحزب الذي يلبي هذه الحاجات يتعاظم ما يكون منتَظَرا منه”.
لا تجد إيران سوى منطق التهديد تخاطب به دول الشرق الأوسط والعالم الإسلامي والغربي، ولا تملك  سوى ترهيب شعوب العالم من التطرف الإسلامي الذي كانت أحد اهم منتجيه وواضعيه في الخدمة منذ عقد الثمانينيات من القرن الماضي، مع اختطاف الرهائن الغربيين في لبنان وقبلها احتجاز رهائن السفارة الأميركية في طهران.. ثم كان ما ذكرته صحيفة الشرق الاوسط نقلاً عن عمر بن لادن نجل زعيم تنظيم القاعدة اسامة بن لادن الذي فقد اثره منذ احداث 9/11 ، بقوله ان شقيقته وخمسة من اخوته واحدى زوجات ابيه في عهدة السلطات الايرانية في طهران منذ فرارهم من افغانستان في 2001.”..
وبما أن إيران المأزومة تدرك اهمية استقرار وامن إسرائيل بالنسبة للمجتمع الغربي ودول الغرب عموماً لذلك فقد أشار نصرالله في مقابلته الأخيرة مع محطة الميادين المدعومة من إيران وحزب الله: “أن ما حصل عام 2014 من رد الفعل الذي قمنا به في منطقة مزارع شبعا كان رسالة واضحة أن المقاومة في لبنان قد تصبر على بعض الخروقات، ولكن هناك أمور لا يمكن أن تصبر عليها. أي اختراق للسيادة أو الأمن وأي شكل من أشكال العدوان على لبنان خط أحمر، ومن حق المقاومة أن ترد حتى على الخروقات الجوية، وقد يأتي يوم من الأيام وترد على خرق جوي أو بحري. وقال إن الدخول إلى الجليل في أي حرب مقبلة فرضية جدية، قد نضطر إليها وقد نذهب إليها من غير اضطرار، وقلت للمجاهدين في الماضي: استعدوا ليوم قد تطلب فيه القيادة منكم تحرير الجليل، والمقاومة تعمل للدخول إلى الجليل لا بل إلى ما بعد الجليل ونحن اليوم أقوى من أي وقت مضى، وسنعمل لنصبح أقوى مما نحن عليه. أشار الأمين العام لحزب الله إلى أن الحزب حصل على هذا السلاح منذ 2006″… وقد اشارت القناة الثانية الاسرائيلية تعقيباً على كلام نصرالله الى ان هذا الصاروخ “الكاسر للتوازن” هو صاروخ “فاتح 110″ارض ــ ارض ايراني الصنع، يبلغ مداه حوالي 300 كيلومتر، مع رأس حربي يصل حتى نصف طن من المواد المتفجرة. الا ان ما يقلق” اسرائيل” في هذا الصاروخ هو مستوى دقته العالية، “ولهذا السبب حاولت” اسرائيل” في المدة الاخيرة منع نقله من سوريا الى لبنان، لكن نصرالله كشف ان هذه الصواريخ في حوزته منذ سنوات”… ولكن على المستوى المحلي فقد رفعت تصريحات نصرالله من مستوى القلق والتوتر لدى اللبنانيين القاطنين في القرى اللبنانية المحاذية للحدود الفلسطينية المحتلة، وكذلك لدى عائلات عناصر ميليشيا حزب الله التي تنتظر بفارغ الصبر عودة ابنائها من القتال في سوريا لتدرك بان حرباص جديدة قد تكون وشيكة بناءً على رغبة طهران قد تندلع بين لحظة واخرى لحماية مشروع طهران بوقود لبناني يطال كافة لبنان وفئاته ..وقد اشارت الصحيفة الصهيونية إلى ان المصادر أكدت ان الحرب المقبلة مع حزب الله لن تكون مشابهة لأي حرب اخرى خاضتها “اسرائيل” مع الحزب، اذ ان تهديد الصواريخ يستوجب اخلاء مستوطنات ومنظومة القبة الحديدية لن تؤمن الحماية اللازمة مثلما حصل مع قطاع غزة، وسلاح الجو سيكون مهدداً بما لدى حزب الله من وسائل قتالية ودفاع جوي، “ما يعني ان الدخول البري الى لبنان سيكون هو الجزء الحاسم من هذه الحرب.”..
إذاً لبنان تحت رحمة مواقف وسياسات وأهداف وطلبات السلطة الإيرانية في طهران والتي يمثل وجودها وسلطتها ودورها وخدمة مصالحها في المنطقة والشرق الأوسط حزب الله وحسن نصرالله.. وقرار الدخول في حربٍ مفتوحة مع إسرائيل هو قرار إيراني، والتورط في سوريا كذلك، وبالتالي فإن الاساءة للعلاقات اللبنانية – العربية هو قرار إيراني بالتأكيد استكمالاً لمنطق التهديد ولكن بأدوات غير إيرانية… مما يعني ان المصالح الوطنية ومصير الشعب اللبناني لا يعني هذا الحزب في شيء.

السابق
حصيلة الهجوم على تلة الحمرا شهيدان للجيش
التالي
حزب الله ما بعد عملية القنيطرة: صمت وهدوء وتوقعات ايجابية