«فنون» الفرع الثاني: غير مطابق للمواصفات!

هو للناظر إليه من بعيد، مبنى تراثي جميل وعريق، يليق به اسم “معهد الفنون الجميلة “، وذلك باعتراف جميع طلّاب المعهد. لكن، بمجرد أن تطأ قدماك المدخل الرئيسي، وتتقدّم أمتاراً قليلةً إلى الأمام، وبمجرد إلقاء نظرة خاطفة إلى الداخل، سيزول من ذهنك تلقائياً ذلك الخداع البصريّ الخارجي. فالمبنى “الملهم فنّيّاً” من الخارج، هشّ وشبه متهالك من الداخل، وأيضاً باعتراف جميع طلّاب المعهد. طلّابٌ شغوفون بالفن، قادتهم رغباتهم وأحلامهم وموهبتهم إلى هذا المعهد، فاصطدموا بجدار من الإهمال، وصار أملهم الوحيد أن تمتدّ لهم أيدي الدعم والرعاية والاهتمام.
“هيدي باختصار الجامعة اللبنانية”، بهذه العبارة يبدي أحد الطلاب الواقفين أمام مدخل المعهد امتعاضه من البيئة التعليمية غير الصحيّة في الداخل. “فوتي لجوا وشوفي، يلي قاعد جوا متل يلي قاعد برا”، قاصداً في ذلك الإشارة إلى الغياب التام لأجهزة التدفئة داخل المبنى. طلّاب المعهد هم من يقومون بشراء أجهزة التدفئة والتبريد على نفقتهم الخاصة، و”إذا ما عملنا هيك، ما فينا نمسك قلم بإيدنا جوا”، يقول شربل، الطالب في قسم الفنون الغرافيكية.
مقاعد يأكلها الصدأ، جدران ملطّخة بالأسود، تصعد على أدراج محطم معظمها. تقول ريتا، الطالبة في قسم الهندسة الداخلية، انّ الإدارة أدارت لهم الأذن الطرشاء: “إذا الشباك انكسر، بيتركوه مكسور. إذا قلنا ادهنوا الحيطان، بقولوا رح يرجعوا يتوسخوا. بس نقول صلحوا الدرج، بقولوا كل أدراج الجامعة هيك”. أما عن القذارة فحدّث ولا حرج، مشهد الحمّامات والكافيتريا صادم. قذارةٌ فاضحة ومحسوسة، وواضحة للعين المجردة. يرى معظم الطلّاب أن الكافيتريا بحاجة إلى رقابة صحيّة مشدّدة، فهناك حالات تسمّم ترصد في المعهد كلّ عام.
بقيت الكثير من الأمور على حالها في المبنى، منذ أن كان كنيسة، ومن ثمّ داراً للعجزة، قبل أن يتحول لاحقاً إلى معهدٍ للفنون. بل ازدادت الكثير من الأمور الأخرى سوءاً. معاهد الفنون، وكما هو معروف عالمياً، لها تصميمها الخاصة كي تتناسب مع جوٍّ علميٍ هادئ يشجّع الطلاب على تحقيق طموحاتهم الفنيّة، أمّا ما هو متوفر لطلّاب الفرع الثاني فهو: مبنى قديم يقع مباشرةً على الطريق، وخالٍ من المساحات الخضراء، أو الممرّات اللائقة على الأقل، باستثناء بقعة صغيرة تقع خلف المبنى خاليةٍ من المقاعد ولا نعرف إن كان يصحّ تسميتها بالحديقة، فهي أشبه بالخراب. هنا يطرح طلّاب الفنون التشكيليّة السؤال الساخر: “كيف يتم تدريبهم على رسم الطبيعة، وعلى رسم أيّ حدائق يتدربون، أم عليهم أن يتدرّبوا على رسم السيارات والمارة؟”.
طلاب العمارة والهندسة الداخلية لم توفّر لهم الكلية خزانات لوضع معداتهم. يبدو التذمر واضحاً على رولا وهي تصف حالة الطلّاب: “نضطر إلى حمل معدّاتنا كل يوم وهذا أمر مرهقٌ بالنسبة إلينا كطلاب، والإدارة لا تكترث أبداً لهذا الموضوع. الخدمات السيّئة في المعهد تزيد من الشعور بالإحباط لدى الطلّاب. المحبط أكثر بالنسبة لنا أيضاً، عدا عن غياب التجهيزات والخدمات الصحية والبيئة الدراسية السليمة، هو طريقة الإدارة في معالجة مشاكلنا. كل محاولتهم لإيجاد حلول هي اجتهادات ترقيعية”.
“المعاناة تخلق فنانا مبدعا؟”، هذه كذبة كبيرة، لطالما روّجها بعض الذين يعتمدون في طرحها على استثناءات. فالمعاناة المستمرة تقتل الإبداع لدى الفنان، الذي يكون بطبيعته كائناً حسّاساً. كيف إذاً لو كان طالبا لا يزال في بداية مشواره، يسعى لاكتساب الخبرة وتنمية موهبته وإمكاناته، متطلّعاً إلى مستقبل مليء بالأحلام. طلاب الفنون حالهم كحال أيّ شخصٍ آخر، إذا توافرت لهم عوامل وحوافز النجاح يبدعون ويتألّقون في عملهم.. والعكس صحيح أيضاً.

السابق
فائدة المؤخرة الكبيرة ليست فقط كما تروّج لها كيم!
التالي
صرف 36 عاملاً من «EPS» و «المؤسسة» تطلب تعهّداً