تل أبيب – طهران: صدام الضرورة!

تراكم اخفاقات حزب الله أضحت تضعُ الحزب في مصاف الاخفاق العربي العام، بعد أعوام تقدّم فيها بصفته ظاهرة اسطورية خارج أزمنة العرب.

بات من عاديات الأمور أن تفشل عمليات حزب الله المخطط لها ضد إسرائيل أو ضد أهداف إسرائيلية. اعترف الأمين العام للحزب السيّد حسن نصرالله بإختراقات الموساد والسي آي إي، ما يفسّر تلك الاخفاقات. ويأتي حدث القنيطرة ليراكم فوق الفشل فشلاً، ويطرحُ أسئلة حول السبيل الذي اعتمدته تل أبيب لكشف الهدف الذي كان، على ما يبدو، بصدد تنفيذ مهمة أمنية نوعية كبرى.

حزب الله حليف النظام السوري، يعمل مع المؤسسة العسكرية والأمنية الإيرانية على الأراضي السورية، بمواكبة ورعاية عيون دمشق في المؤسسات العسكرية والأمنية والميليشياوية. وليس غريباً، في زمن العبث السوري، أن ينشطَ الموساد في الميدان السوري، ليحوّل مقتل إبن عماد مغنية ورفاقه أحجية محيّرة لا تختلف عن أحجية مقتل عماد غنية نفسه في قلب دمشق عام 2008.

وفيما أوحى خصوم النظام السوري أن المعلومة بصدد اغتيال الأب أتت من داخل مؤسسات دمشق، فإنه قد يأتي ربما من يوحي بذلك بشأن مقتل الإبن. فأجهزة المخابرات، مهما اشتدت خصومة الحكومات، تبقى متواصلة متعاونة، تواصل مخابرات طهران مع نظيراتها في إسرائيل والولايات المتحدة، على ما تسرّب من فضيحة الـ “إيران غيت” الشهيرة في عزّ الحرب العراقية الإيرانية، وفي عزّ الخمينية المعادية للشيطانين الأكبر والأصغر. وإذا ما أفرج نور النهار عن عداوة معلنة بين دمشق وتل أبيب، ينشط في الليل الحالك تناغم في المصالح، لا تخفيه همّة إسرائيلية لدى واشنطن لطالما دافعت عن نظام دمشق وعملت على خصيّ أي توجه عدائي ضده، وفق قناعة، كشفتها تصريحات إسرائيلية، عن تفضيل تل أبيب بقاء نظام دمشق على بديل غامض لا تعرف هويته.

قد لا يجوز الاستغراق في سيناريوهات مؤامراتية توحي بعمالة وجاسوسية يتورط فيها هذا أو ذاك، لكن فداحة الفخّ وبلادته يدفع بالأسئلة دون حرج، حول تراكم الاخفاقات التي، على عاديتها، أضحت تضعُ الحزب في مصاف الاخفاق العربي العام، بعد أعوام تقدّم فيها الحزب بصفته ظاهرة اسطورية خارج أزمنة العرب.

بدا لمناصري الحزب قبل خصومه أن ثقة السيد نصرالله في الفعل والتهديد والتقدم في الجليل والجولان تعكس ظاهرة صوتية لطالما صمّت آذان المنطقة خلال عقود.

يكشف نشاط حزب الله الذي أماطت الغارة الإسرائيلية الخبيثة في القنيطرة اللثام عنه، عن سعيّ إيراني، وليس غير ذلك، في السيطرة على حدود سوريا مع إسرائيل على منوال سيطرتها على حدود لبنان مع إسرائيل. بات المطلوب أن تطل إيران مباشرة على إسرائيل، ليس تحرياً لتحرير، فذلك ليس على أجندة الولي الفقيه، بل بهدف التأثير بقوة على مستقبل المنطقة، لا سيما في ما يتعلق بمستقبل سوريا ولبنان. تدرك طهران أن إسرائيل هي المحدد الرئيسي الأول لموقف الغرب بقيادة واشنطن من مستقبل النظام السوري، وأن امساكها بالحدود مع إسرائيل يجعلها رقما صعباً شريكاً مع إسرائيل في توضيب الوصفة المقبولة. وربما هي تلك الشراكة التي لا تريدها إسرائيل، على الأقل وفق الأمر الواقع الإيراني المتوخى.

المهم في ما يعنينا أن هذا الحدث الحدودي لا يعنينا. التناتش ثنائي يجري هنا وهناك، في أوقات تخضع لأجندة الطرفين، ولا علاقة لها بالصراع التاريخي الحضاري بين العرب وإسرائيل. وتهدئة التداعيات وكبت ردود الفعل، أو تصعيدها إلى سقوف قصوى تمليها حسابات الطرفين، سواء في الرؤية الأمنية الاستراتيجية الإسرائيلية وحسابات نتنياهو الانتخابية من جهة، أو في ما تسعاه إيران من خطط ميدانية في مشوار التفاوض الراهن مع الغرب.

وإذا ما كانت إسرائيل تستخدم قواها التقليدية العسكرية والأمنية والسياسية في غيّها وهيمنتها، فإن إيران تستخدم أهلنا وأبناء وطننا في مغامرة لا تخصّ لبنان وقواعد الدفاع عنه، كما لا تتعلق بالمنطقة العربية ولا بالأجندة الفلسطينية. وحين خرجت أصوات لبنانية أثناء حرب 2006 تندد بصبيانية الحزب ومزاجه وتندبُ الخسائر البشرية في البلد، خرج من يقول من الحزب أن القتلى من الشيعة وهذا ليس شأن الآخرين. وربما في مغامرة الحزب في مدن سوريا كما على حدودها من سيخرج لاخراس المعترضين بأن القتلى من الشيعة وهذا ليس شأنكم.

تستمر الأصوات الشيعية تخرج ملَّمعة عبر اعلام الحزب تبارك خياراته وتعدُ بتقديم المزيد. في ذلك مشهد خارج منطق الحياة، لا سيما حين تصبح التضحية طقساً فردياً لا يتصل بقضية جامعة يتشارك فيها أبناء الوطن، في لبنان وسوريا وفلسطين، وحتى العرب أجمعهم.

قد تكون الحرب ضرورة يشتهيها من لهم مصلحة في قلب الطاولة تحرياً لترتيب يحسّن شروط المحاصصة المقبلة في المنطقة. إيران تعاني من ضائقة مالية تقتربُ إلى حدود الإختناق، وحزب الله قلق مما ستؤول إليه أمور سوريا، لا سيما مخاطر فيضان داعش والنصرة على الداخل اللبناني، وإسرائيل لا تنظر بعين الرضا إلى تناغم غربي يقترب من إيران يهضم برنامجها النووي ولا تحتمل تمدداً إيراني يرث نظام الأسد في دمشق ويمسك بحدود وقف اطلاق النار معها. وإذا ما ذهبت إسرائيل في مغامرتها في القنيطرة إلى مستويات محفوفة بخطر الانفجار الكبير، فإن ذلك دليل على استعداد الدولة العبرية لإشعال فتيل الصدام مباشرة مع إيران وتحمّل أكلاف ذلك (من خلال قتل أحد كبار ضباطها).

قد يكون مستبعداً أن يسمح المجتمع الدولي بفلتان الأمور على الجبهتين السورية واللبنانية (أو إحداها) مع إسرائيل. وقد يكون مستبعداً أن تلجأ طهران إلى صدام مع تل أبيب قد يهدد استقرار دمشق في يد النظام، كما يهدد جهدها التفاوضي مع الغرب. وقد يكون مستبعداً أن يرد حزب الله بجرعات غير منضبطة داخل بيئة لم تعد ودودة منذ حربه عام 2006 ومغامراته الداخلية في لبنان وسوريا. ومع ذلك فإن المواجهة العسكرية، بأشكالها المختلفة باتت واردة، وربما مطلوبة، لدى كافة الأطراف بما يقطع الستاتيكو اللئيم الذي تشهده المنطقة منذ الكارثة السورية وتوابعها الداعشية.

السابق
حزب الله ما بعد عملية القنيطرة: صمت وهدوء وتوقعات ايجابية
التالي
ايران تعزي بوفاة الملك عبد الله وظريف يشارك في المراسم الرسمية