السيد محمد حسن الأمين: «الإلحاد» قديم.. والصراعات المذهبية أخطر

بقي الملحدون في عالمنا العربي والاسلامي يمارسون التقيّة ويخفون اعتقادهم خوفا من سطوة المجتمع حتى انبثاق عصر العولمة، فبدأ البعض منهم يجاهر باعتقاده وكفره الديني، ما سبّب حال من النقمة اتجاههم من قبل مجتمعاتنا المحافظة. فما هو موقف الدين وكيف نتعامل فكريا مع هذا الموضوع؟ السيد محمد حسن الأمين يجيب عن هذا السؤال مبيّنا الموقف الفكري والديني من هذه الظاهرة.

الإلحاد أو عدم الإيمان بوجود الله الخالق هو اعتقاد شاذ في مجتمعاتنا الشرقية التي يغلب عليها طابع التديّن والإيمان، والواقع أنّ ما تشكو منه مجتمعاتنا هو التباهي في الإيمان حدّ الغلو، خصوصاً مع تحوّل الأحزاب في بلادنا الى أحزاب طائفية تنشد التعصّب والتحشيد المتبادل.

غير انّه وفي عصر العولمة، ومع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي ومجاهرة العديد من الناشطين العرب بإلحادهم، فإنّ وعي جمهور المسلمين أصيب بصدمة وهم يرون بضع أنفار منهم يتجرّأون ويعلنون إلحادهم على الملأ، فعدّوا هذا عملا شنيعا لا يغتفر ليبدأ التحريض بعد ذلك على عزل الملحدين والنيل منهم معنويا وربما جسديا اذا أمكن.

سماحة العلامة المفكّر الاسلامي السيد محمد حسن الأمين كان له رؤية حول ظهور الالحاد وإسفاره عن نفسه في زماننا فقال:

“الإلحاد ليس ظاهرة حديثة، فقد عرفت في عصور ما قبل الإسلام وما بعده، والإلحاد موجود في المجتمعات، لكنّه بطبيعة الحال لا يمثل إلاّ نسبة ضئيلة على مستوى جميع الأديان وليس في دائرة الإسلام فحسب”.

وحول خطره على المسلمين قال السيد الأمين: “بروز هذه الظاهرة لا أرى فيها خطراً على الأديان بصورة عامة ولا أرى فيها خطراً على الدين الإسلامي تحديداً، فالأخطار، أو التحديات التي تواجه المسلمين اليوم، هي التباينات والصراعات المذهبية التي تساعد بصورة غير مباشرة على تعزيز ظاهرة الإلحاد، أي أنّها تعكس الصراعات المذهبية على الدين نفسه فترى فيه مصدراً لكلّ أشكال التخلّف وترى في الدين عقبة تحول دون التقدم. خصوصاً أنّ التقدم الذي تحقّق في الغرب اقترن بظاهرة الصراع مع الله ممثلاً بالكنيسة، فباتت بعض النخب الفكرية والثقافية في العالم الإسلامي ترى أنّ التقدم المنشود يرتبط أيضاً بحتميه الصراع مع مبدأ الدين والمؤسسة الدينية”.

وبالنسبة إلى السؤال المتعلّق حول البرهنة المنطقية لصحّة الإلحاد يشرح السيّد الأمين: “الإلحاد من الناحية المنطقية والفلسفية هو مستحيل لأنّه لا يوجد في الفلسفة من الأدلة والبراهين المنطقية ما يمكن مناقشته والإقرار بإثباتات جازمة تدلّ عليه”.

التعايش مع الملحدين

لكن هل يستطيع المسلمون التعايش مع الملحدين في مجتمع واحد؟

يجيب السيّد محمد حسن الأمين: “في الإسلام هناك مبدأ هام ويشكّل مظهراً لموقف الدين الإسلامي من الكائن الإنساني هو مبدأ تكريم الإنسان، أي أنّ الإسلام يؤسّس لاحترام الإنسان بوصفه إنساناً قبل كل شيء، وهناك من النصوص القرآنية ما يؤكّد هذه الحقيقة كقوله تعالى: “ولقد كرمنا نبي آدم وحملناهم في البر والبحر”…كما هناك في الأساس الأمر الإلهي للملائكة بالسجود لآدم، أي للكائن الإنساني، تليه آيات قرآنية تشدّد على حرية الكائن الإنساني في الموقف من الإيمان أو عدم الإيمان، مثل: “لا إكراه في الدين”، ومثل: “وذكّر إنّما أنت مذكّر لست عليهم بمسيطر”. أي أنّ الإسلام، رغم أنّه دعوة إلى الإيمان، فهو في الوقت نفسه يجعل الحساب والثواب والعقاب شأناً إلهياً، أما العقوبات في الاجتماع البشري فهي مرتبطة بالأضرار التي تصيب المجتمع عند مخالفة القوانين التي يرتضيها هذا الاجتماع، كما لو أنّ شخصاً ملحداً أو مجموعة ملحدة في إطار مجتمع إسلامي تحوّلت إلى جهة مفسد ومضرّة بهذا الاجتماع. وهذا ما يؤكد أنّ العقوبة للملحد ليست لمجرد كونه ملحداً إذا لم يتسبب بعدوان شائن على عقيدة المجتمع”.

ويستدرك السيّد الأمين قائلا: “هنا اودّ أن أعترف بأنّ تاريخ الاجتماع السياسي الإسلامي لم يكن دائماً على وعي والتزام بهذه الحقيقة، وأنّ التاريخ الإسلامي شهد مظالم ارتكبت بإسم الدين وأدّت إلى جرائم ذهب ضحيّتها رجال ألصقت بهم تهم الزندقة والإلحاد، وهذا الإنحراف لا يمكن نسبته إلى مبادئ الدين الإسلامي بل هو مظهر من مظاهر سلوك السلطات التي أرادت تعزيز نفوذها بإسم حماية الإسلام وادّعاء انّها قائمة وتدافع عن هذا الدين”.

وفي النهاية يخلص السيّد محمد حسن الأمين إلى أنّ الإسلام “لا يمنع الصداقات والعلاقات الحميمة والتعاطف الإنساني بين المسلم وغير المسلم وحتّى غير المؤمن، والتاريخ يحفل بشواهد وأمثلة منها علاقة الصداقة التي ربطت بين الشريف الرضي وأبي إسحاق الصائبي والتي كان من نتائجها أدب قيّم إنساني شكّل جزءاً من قوتنا الإسلامي بوجهه الإنساني. وهناك أمثلة كثيرة وهي بالتأكيد لم تكن تتنافى مع مبادئ الإسلام الجامع والمكرّس لأسمى أشكال التفاعل بين بني البشر مهما اختلفت عقائدهم وانتماءاتهم الدينية والفكرية”.

السابق
أيهما أفضل: الشاي أم القهوة؟
التالي
الجيش يستعيد السيطرة على موقع تلة الحمرا