هل يقبل الرجل بتوكيل المرأة أمر تطليق نفسها؟

تزوجت مهى زواجاً تقليدياً كي تهرب من فقر أهلها، ورضيت العيش في بيت عائلة زوجها، لتفاجأ بمعاملتها كـ”خادمة” لا أكثر. وقالت: “لم تمرّ على زواجي أيام حتى بدأت طلبات والدته التي لا تنتهي، من التنظيف إلى الطبخ إلى النرجيلة، وزوجي راضٍ، ووصل به الأمر الى تعنيفي وضربي مراراً حين كنت أتذمر”.

من الأم إلى الأبناء انتقلت الطلبات حتى طفح كيل مهى، فطلبت الطلاق الذي حصلت عليه بعد أشهر من عذاب الاجراءات الروتينية في المحكمة الشرعية، لكن كما تقول “بعد سنة من عودتي إلى منزل عائلتي، حاول زوجي أن يعيد المياه إلى مجاريها بيننا. وعود كثيرة قدمها لي لكنني لم ولن أصدقه، فقد عانيت الأمرّين، إلا ان الوضع المادي المزري لعائلتي المؤلفة من أربعة اشخاص، إذ إن والدي لا يعمل والرطوبة تنهش جدران منزلنا الأرضي المؤلف من غرفة ومطبخ، دفعني الى التفكير بالعودة في حال تحقق شرطي الوحيد وهو أن تكون العصمة بيدي”.
العصمة تعد شرطاً قاسياً بالنسبة لكثير من الرجال، وهي تعني لمهى الكثير، إن لجهة عدم إساءة معاملتها أو تجرؤ زوجها على مدّ يده عليها، وقدرتها على أخذ حريتها في اي وقت يحصل تجاوز لحقها وكرامتها. وختمت “بين نار فقري وتحكم زوجي بحريتي، سأختار الفقر وأكسب حريتي”.

“حواجز” القوانين
مهى تمثل نموذجاً للمرأة اللبنانية التي تخشى ما ستواجهه ما بعد الارتباط، تخاف على حريتها في حال لم تكن حياتها الزوجية كما ترغب. ومن الواضح ان هذه الخشية لا تنحصر بمهى فقط. في تقرير “هيومن رايتس ووتش” الأخير حول وضع المرأة اللبنانية، راجعت المنظمة “243 من قضايا الطلاق، ووجدت تمييزاً ممنهجاً ضد المرأة، بسبب قصور توصلها إلى الطلاق أو إجراءات المحاكم التي تثقلها بأعباء مالية وتنصب أمامها الحواجز عند إنهاء الزواج وحماية حقوقها”.
وأشار التقرير إلى أن “القوانين لدى جميع الطوائف الدينية تفرض على المرأة حواجز تتخطى ما يمكن أن يواجهه الرجل الراغب في انهاء زيجة تعيسة أو مسيئة لجهة بدء اجراءات الطلاق أو لجهة ضمان الحقوق المتعلقة بالاطفال بعد الطلاق او لجهة تأمين الحقوق المالية من شريك الحياة السابق”.
التقرير الذي خلص إلى أن “النساء السنة والشيعة والدروز يتمتعن بقدرة أكبر على انهاء زيجاتهن أمام المحاكم الطائفية مقارنة مع النساء المسيحيات”، لفت إلى أن “المرأة المتقاضية أمام المحاكم السنية أو الدرزية يمكنها أن تنهي زواجها بسهولة أكبر من المرأة المتقاضية أمام المحكمة الجعفرية”.
هذه الحواجز تدفع المزيد من النساء الى التفكير لا بل الى اصرار بعضهن على أن تكون العصمة بيدهن أي أن يكون لهن حق تطليق أنفسهن، لكن ما هو موقف الدين الاسلامي من هذه المسألة؟ وهل يقبل الرجل الشرقي بهذا الشرط؟ كيف ينظر المجتمع إلى الزوجة صاحبة العصمة والزوج الذي قبل منحها هذا الحق؟

تمليك لا توكيل
المعمول به في المحاكم الشرعية السنية هو ما ينصّ عليه قرار حقوق العائلة بحسب القاضي الشيخ حسن الحاج شحادة في حديثه لـ”النهار” إذ رأى أن ” للمرأة حق الاشتراط أن تكون العصمة بيدها، وإذا وافق الزوج فلها ذلك، حينها يتم تمليكها لا توكيلها اياها، فالزوج لا يوكل زوجته العصمة بل يملكها إياها، فيكون لها الحق في أن تطلّق نفسها بأي وقت وهذا لا يسقط حقه في طلاقها”. وعن السبب في ان المعمول به أن تكون العصمة بيد الرجل، أجاب “كونه أقدر في الغالب على ضبط عواطفه وانفعالاته من المرأة”.
وعما إذا كان يحق للزوجة أن تأخذ المهر والنفقة إذا طلّقت زوجها، قال: ” نعم، إن لم يكن الزوج مشترطاً عكس ذلك”.
إن كان عدد النساء اللواتي اشترطن أن تكن العصمة في يدهن قليلاً وفقاً للعارفين في المحكمة الشرعية الا أن “ذلك لا ينفي كون حقوق المرأة بالإسلام كثيرة لكن النساء لا يطّلعن على حقوقهن، والامر لا يقتصر على العصمة بل يحق لها أن تشترط ألا يتزوج عليها”.

توكيل لا تمليك
بخلاف المذهب السني، العصمة هي من خصوصيات الرجل في المذهب الشيعي، فلا يمكن ان يملّكها لزوجته وفق الشيخ علي خازم الذي يقول لـ”النهار”: إن “العصمة لا تنتقل إلى المرأة، فهي حق للرجل يمكن أن يوكله لزوجته، اذ يصح توكيل المرأة خلال عقد الزواج بأن تكون وكيلة عن الزوج في تطليق نفسها وفق شروط معيّنة تتفق واياه عليها، كأن يحق لها ان تطلقه في حال أصرّ على نقلها من البلد أو تعنّت في طلاقها أو أي سبب يتفقان عليه يدخل في صلب العقد”.

المجتمع لا يتقبل
سببان يقفان وراء عدم تقبل المجتمع أن تكون العصمة بيد المرأة بحسب أستاذ علم الاجتماع في الجامعة الأميركية ساري حنفي الذي وصف مجتمعنا بأنه مجتمع “بطريركي”، ” الأول أن هناك دائماً مقاومة من أي مجموعة مهيمنة بأن تعطي جزءاً من السلطة للطرف الأضعف، أما الثاني فهو أن البعض يأخذ التفسيرات المحافظة للدين. واذا كان العالم الغربي تخلص من مسألة التمييز بين حقوق الرجل والمرأة في ما يتعلق بالعائلة، فذلك يعود الى انهاء التمايزات السلبية ضد المرأة في المجتمع، لكننا لم نصل الى هذه المرحلة بعد”.

المجتمع الشرقي..السبب
“إن اشتراط الزوجة أن تكون العصمة في يدها قبل الزواج يعود إلى المجتمع الشرقي الذي لا يرحمها ولا يعطيها حوافز ايجابية على مستوى الحياة الزوجية، بمعنى أن الزواج يخيفها لذلك تحتفظ بحقها بطلب الطلاق عند الضرورة، لا سيما أن حقوق المرأة في المجتمع اللبناني شبه معدومة”، وذلك بحسب اختصاصي علم النفس العيادي الدكتور نبيل خوري في حديث لـ”النهار”.
لكن هل يقبل الرجل الشرقي بهذا الشرط؟ “لا يقبل الرجل اذا كان شرقي النزعة والعقلية ولكن إن كان يحب هذه المرأة فسيوافق، كما هناك رجال مثقفون يعتبرون احترام المرأة واجب وبأن دورها أساسي، لذلك يوافق لاستمالتها الى طاقاته الفكرية المميّزة”.

السابق
«تعزيز الشفافية» رحبت بإقرار قانون سلامة الغذاء
التالي
الرئيس الاسرائيلي يصف الملك عبد الله بالقائد النموذجي