لماذا استفزّت إسرائيل إيران؟

كشفت العملية التي نفّذتها إسرائيل في الجولان السوري والتي أدّت إلى مقتل قياديين من «حزب الله» وضابط كبير في «فيلق القدس» الذي ينتمي إلى «الحرس الثوري» الإيراني أمورا عدّة. لعلّ أبرز ما كشفته العملية المدى الذي بلغته محاولة وضع اليد الإيرانية على النظام السوري، بل على قسم من الأراضي السورية، من بينها دمشق التي ما زالت إلى إشعار آخر، ولكن بفضل إيران، تحت سيطرة النظام.
يُعتبر الجولان إحدى المناطق الحساسة، بل الأكثر حساسية في سوريا، لا لشيء سوى لأنّه يشكّل خط وقف النار مع إسرائيل. أن يتجوّل فيه قياديون من «حزب الله» ومن «فيلق القدس» دليل على أن القرار السوري صار إيرانيا.
ما يجمع بين «حزب الله» و»فيلق القدس» الإنتماء إلى «الحرس الثوري الإيراني». كانت هناك دورية مشتركة لقياديين من «حزب الله» و»فيلق القدس» في الجانب السوري الذي تحرّر من الإحتلال في العام .
يشير التطور الأخير إلى انتقال الإشراف على وقف النار بين النظام السوري وإسرائيل إلى إيران. صارت مقدرات سوريا، أو على الأصحّ ما بقي منها، في يد إيران. تريد إيران ثمنا لإنقاذها النظام السوري المهترئ من السقوط، علما أنّه ساقط حتما.
إلى ذلك، كشفت العملية الإسرائيلية بتوقيتها الغريب، أن هناك تغييرا في الإتفاقات والتفاهمات الضمنية القائمة بين النظام السوري وإسرائيل منذ أواخر العام ، تاريخ التوصّل إلى إتفاق فك فصل القوّات السوري ـ الإسرائيلي باشراف الدكتور هنري كيسينجر، وزير الخارجية الأميركي وقتذاك.
إنّه الإتفاق الذي أغلق جبهة الجولان وأطلق يد النظام السوري في لبنان. من بين ما شملته هذه التفاهمات أن يكون جنوب لبنان صندوق البريد بين الجانبين السوري والإسرائيلي في اطار احترام كلّ طرف من الطرفين شروطا معيّنة. كان من بين هذه الشروط حصر اللعبة في لبنان كي تكون على حسابه وحساب مواطنيه. ليس صدفة أنّ إسرائيل لم تتجاوز الحدود السورية في حرب صيف العام وبقي تركيزها على لبنان. دمّرت وقتذاك قسما لا بأس به من البنية التحتية اللبنانية. لم توجّه أي ضربة داخل سوريا، على الرغم من أنّه كان معروفا جدّا أن كل صواريخ «حزب الله» كانت تأتي من إيران وتمرّ عبر الأراضي السورية.
أكثر من ذلك، كان معروفا جيّدا، بل كان معروفا أكثر من اللزوم، أن تلك الحرب كانت تستهدف التغطية على جريمة اغتيال رفيق الحريري ورفاقه واعادة تعويم «حزب الله» الذي اتّهمت عناصر منه بتنفيذ الجريمة بالتنسيق مع النظام السوري.
هناك الآن تغيير جذري في قوانين اللعبة وشروطها. هناك رسالة من نوع جديد توجّهها إسرائيل إلى إيران. ما لا يمكن تجاهله أنّه للمرة الأولى منذ قيام الثورة الإيرانية في العام ، هناك ضابط إيراني يسقط في مواجهة مع إسرائيل. اعتادت إيران اطلاق الشعارات التي تدعو إلى إزالة اسرائيل من الوجود.
في الواقع، كانت الحرب بين إيران وإسرائيل تُخاض بأجساد اللبنانيين والسوريين. لم يكن لدى أي من الجانبين مانع في ذلك. كانت إسرائيل المستفيد الأوّل من الشعارات النارية الإيرانية التي تمكّنها من القول إنّها تواجه تهديدا وجوديا. أمّا إيران فكانت حرب الشعارات واجساد اللبنانيين والفلسطينيين، الوسيلة الأفضل للمزايدة على العرب وإحراجهم وخطف قضيّة فلسطين منهم. هل من يتذكّر أن إيران صارت تحتفل بـ»يوم القدس» في آخر جمعة من شهر رمضان، نكاية بالعرب، على رأسهم مصر، ليس إلّا؟.
لم يعد سرّا أنّ هناك رغبة إيرانية في تغيير قوانين اللعبة التي وضع شروطها الرئيس الراحل حافظ الأسد وذلك بعدما تبيّن أنّها صارت صاحبة الكلمة الفصل في دمشق. جاءت الضربة الإسرائيلية في سياق هذا التغيير الذي يشير إلى أن سوريا التي عرفناها لم تعد موجودة بعدما قرّر بشّار الأسد شنّ حرب على شعبه معتمدا على إيران وعلى ميليشياتها المذهبية… وعلى السلاح الروسي. هذا السلاح الروسي ليس معدّات عسكرية فقط، بل هو سلاح سياسي أيضا يعبّر عنه «فيتو» موسكو في مجلس الأمن.
يبقى سؤال في غاية الأهمّية: لماذا قرّرت إسرائيل استفزاز إيران؟. هل تعتقد أن الكيل طفح وأنها لن توافق على الشروط التي وضعتها طهران التي استطاعت الغاء الحدود بين سوريا ولبنان من منطلق مذهبي بعدما قرّرت جعل «حزب الله» يقاتل في سوريا…أم أنّ الاستفزاز مدخل لإتفاق معها يحلّ مكان ذلك الذي كان قائما مع النظام السوري؟.
لم تكن الضربة الإسرائيلية ضربة عادية. إنها مؤشر إلى تغيير كبير في سوريا والمنطقة المحيطة بها. هل في استطاعة ايران الردّ على الضربة؟. هل كان يمكن لإسرائيل الإقدام على ما أقدمت عليه من دون أن تضع في حساباتها الردّ الإيراني المحتمل، اللهمّ إلّا إذا كان قصدها قتل قياديين في «حزب الله» فقط وأن الجنرال الإيراني ذهب ضحية وجوده في المكان غير المناسب في لحظة غير مناسبة؟.
في كلّ الأحوال، سوريا التي عرفناها انتهت. صارت طهران هي التي تتحكّم بدمشق. ما هو مطروح الآن انعكاسات الحدث على لبنان الذي سيترتب عليه اعداد نفسه لكلّ الإحتمالات السيئة في حال قرّرت إيران الرد على ما ارتكبته إسرائيل.
الأكيد أن لبنان لا يتحمّل أي ردّ إسرائيلي، خصوصا في ظل الظروف الإقتصادية الصعبة التي يمرّ بها، خصوصا أنّه يستضيف ما يزيد على مليون ونصف مليون لاجئ سوري أرهقوا بنيته التحتية وتركيبته السكّانية.
ولكن هل إيران في وارد مراعاة الوضع اللبناني، أم تعتبر أنّ عليها الردّ مهما كان الثمن نظرا إلى أنّ همها محصور في تأكيد أنّها اللاعب الإقليمي الأوّل في الشرق الأوسط؟.
في النهاية، لم تأخذ إيران يوما في الاعتبار مصلحة لبنان واللبنانيين. ربّما كان أفضل ما يختصر سياستها السورية في الوقت الحاضر أن ليس في إمكانها أن تخسر دمشق بأيّ شكل من الأشكال، خصوصا أنّ ذلك يعني أول ما يعني أن خسارة دمشق تعني خسارة بيروت وحتّى بغداد. إيران التي زادت صنعاء إلى العواصم العربية التي تسيطر عليها، تقف عند مفترق طرق والخوف من أن تذهب بعيدا في ردها في ضوء الأزمة العميقة التي تعانيها، وهي أزمة ذات طابع سياسي وإقتصادي في الوقت ذاته. فمسألة خلافة «المرشد» علي خامنئي مطروحة في ظل تدهور اقتصادي عائد إلى الهبوط المريع لسعر برميل النفط، وهو هبوط يهدّد النظام القائم قبل أي شيء آخر!.
السابق
عاصي الحلاني يكشف سرًَا: «زوجتي صدمتني وهذا سعر حذاء ابنتي»!
التالي
لبنان يُسلّم لائحة مطلوبي «عين الحلوة» وطهران تتوعّد وإسرائيل تتأهّب