لبنان يُسلّم لائحة مطلوبي «عين الحلوة» وطهران تتوعّد وإسرائيل تتأهّب

إستعادت الحركة السياسية زخمَها أمس بعد أن أسرَتها الغارة الإسرائيلية على القنيطرة، فتوزّعَت الاهتمامات بين متابعة التطوّرات اليمنية التي كادت تُشعل أزمةً إقليمية لو لم يتمّ التوصّل إلى تسوية سريعة تُعيد ترتيبَ البيت اليمني الذي سيبقى مفتوحاً على شتّى الاحتمالات، وبين مواصلة التحضير للملفّات الحوارية على الضفّتين الإسلامية والمسيحية، كما استكمال إقفال الثغرات الأمنية، حيث تتركّز الأنظار على مخيّم عين الحلوة، فضلاً عن زيارات قائد الجيش العماد جان قهوجي إلى مناطق التماس والاشتباك الحسّاسة لتأكيد حضور الدولة ودور الجيش، والتشديد على الأمن والاستقرار والتصدّي للإرهاب، وكان آخرها أمس في عرسال

لا تزال طبيعة الرد على غارة بلدة القنيطرة السورية وزمانُه ومكانه الشغلَ الشاغل للأوساط السياسية اللبنانية والإسرائيلية، خصوصاً أنّ الحزب استكملَ أمس تشييع شهدائه، وقيادتُه مُنكبَّة على درس كلّ المعطيات قبل إطلالة أمينِه العام السيّد حسن نصر الله، فيما يتحضّر مجلس الوزراء لجلسته اليوم والتطوّراتُ الأمنية تخيّم على أجوائه، وقد برزَت زيارة عضو اللجنة المركزية لحركة «فتح» والمشرف العام على الساحة في لبنان عزام الأحمد ولقاؤه المسؤولين اللبنانيين مع عودة ملف المخيّمات الفلسطينية إلى الواجهة، مشدّداً على أنّ أمن المخيّمات جزءٌ لا يتجزّأ من أمن لبنان.

زيارة الأحمد

وعلمت «الجمهورية» أنّ زيارة الأحمد كانت مقرّرة سابقاً لبحث ترتيب الوضع الفلسطيني في لبنان من الجوانب الامنية والمالية والاجتماعية. خصوصاََ أنّ القوّة الامنية المشتركة كان يُفترَض أن تتعزّز وتنتقل الى مخيمات اخرى، ولا سيّما مخيم برج البراجنة وهي تأخّرَت لبعض الاسباب التي كانت تنتظر زيارة الاحمد من أجل حلحلتها.

لكنّ الوضعَ في مخيّم عين الحلوة وتقارير الأجهزة الأمنية عن وجود إرهابيين وفارّين من العدالة داخله سرّعَت في زيارة الاحمد، وهو فورَ وصولِه اجتمع مع رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة تمام سلام والمدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم واستلمَ من الاجهزة الامنية لائحةَ المطلوبين داخل المخيّم.

وهو سيناقش هذه المسائل في اجتماعات يعقدها مع اللجنة الامنية الفلسطينية ومع قيادة «فتح» من أجل اتّخاذ ما هو مناسب.
وأكّدت مصادر فلسطينية لـ«الجمهورية» أنّه عندما تتبلّغ اللجنة الامنية لائحة الأسماء يُفترض ان تباشر مهمتها ولديها صلاحية تامّة لاستخدام كلّ الوسائل المطلوبة لتحقيق الامن وعدم توريط المخيمات في الداخل اللبناني والمحافظة على أمن مخيّم عين الحلوة والجوار.

علماً أنّ القوة الامنية مؤلّفة من مختلف فصائل القوى الوطنية والإسلامية، وهي تحظى بغطاء سياسي واسع من قيادة فتح ومن القوى السياسية اللبنانية.

المقدح لـ«الجمهورية»

وكشفَ نائب قوات الأمن الوطني في لبنان اللواء منير المقدح لـ«الجمهورية» أنّ 90 في المئة هو احتمال ان يكون المطلوب شادي المولوي موجوداً داخل المخيم، لكنّ المعلومات عن وجود المطلوب أسامة منصور لا تزال غير مؤكّدة وسنطّلع من الأخ عزام على آخر المعلومات والمعطيات التي زوّدته بها الاجهزة الامنية اللبنانية».

وقال المقدح: «من واجبنا أن نأخذ دورنا داخل عين الحلوة حتى لا يكون المخيّم وعاءً لاستيعاب أيّ شخص فارّ من العدالة أو متورّط بتفجير أو يشكّل خطراً على الجوار». وأضاف: «نحن لا نعرف ما هو دور بعض الجهات داخل المخيم في تجميد أو مساعدة انتحاريّي جبل محسن بانتظار اكتمال تحقيقاتنا وتحقيقات الأجهزة الامنية اللبنانية».

واستبعدَ المقدح ايَّ تفجير لمخيّم عين الحلوة «لأنّ الأمور ممسوكة، لكن لا أحد يضمن هذا الامر مئة في المئة، ونحن في انتظار ان نسمع من الأخ عزّام تصوّرات القيادة الجديدة وأيّ مسلك سيتمّ اعتماده للتعاطي مع أوضاع المخيم».

هيل عند سلام

وفي هذه الأجواء، لفتَت زيارة السفير الاميركي دايفيد هيل لرئيس الحكومة تمام سلام وعرضَ معه تطورات الاوضاع في لبنان.

قهوجي في البقاع

وفي هذه الأجواء، أكّد قائد الجيش العماد جان قهوجي عزمَ الجيش على منع امتداد الإرهاب إلى لبنان مهما كلّف ذلك من دماء وتضحيات، ودعا العسكريين الى مزيد من الاستعداد والجهوزية لمواجهة مختلف الاحتمالات والتحدّيات، وقال: «لبنان لا يمكن أن يتغيّر، ولا يمكن أن يكون جزءاً من الصراع الذي يعصف بالمنطقة، وذلك بفضل ثباتكم هنا وبفضل تماسك الجيش وقوّته».

وتفقّدَ قائد الجيش أمس الوحدات العسكرية المنتشرة على الحدود الشرقية في منطقتي عرسال واللبوة، حيث جالَ على مراكزها الأمامية في ضهر الجبل، المصيدة، القلعة ووادي حميّد، واطّلع على الإجراءات الميدانية المتّخَذة، ثمّ اجتمع بالضبّاط والعسكريين وزوّدهم التوجيهات اللازمة، ونوّه بجهودهم وتضحياتهم المتواصلة التي أدّت الى وقف تسلّل الارهابيين وعزلهم، لافتاً الى أنّ سهرَ الجيش على ضبط الحدود والإنجازات اليومية التي يحقّقها على صعيد مكافحة الخلايا الارهابية في الداخل، هي التي حمَت وستحمي وحدة لبنان من خطر الفتنة والفوضى.

وقال قهوجي: «لقد مرّت علينا ظروف عصيبة، لكنّنا صنعنا الانتصار تلوَ الآخر ضد الإرهاب، سواء على الحدود الشرقية وفي منطقة عرسال تحديداً أو في طرابلس ومحيطها أو في أماكن أخرى خلال السنوات الفائتة.

لقد حقّقنا عدداً من الإنجازات الوطنية الباهرة، لكنّ هذا لا يعني أنّنا انتهينا من الأحداث والأزمات، ونحن على استعداد تامّ لمواجهتها، وهي لن تكون أصعب من تلك التي مررنا بها. إيمانُنا راسخ بالوطن، ولن يبقى في نهاية المطاف سوى الدولة التي وحدَها ستحمي لبنان كلّ لبنان».

مصدر عسكري رفيع

الى ذلك، نفى مصدر عسكري رفيع لـ»الجمهورية» أن «تكون زيارة قهوجي الى عرسال مرتبطة ببدء تطبيق الخطة الأمنية في البقاع»، مشيراً الى أنّ «قهوجي لم يأتِ على ذكر الخطة الأمنية خلال جولته، بل كانت زيارة تفقّد للوحدات المنتشرة هناك، ودعماً للعناصر المرابضة في التلال والتي تقوم بالواجب الوطني المطلوب منها».

من جهة ثانية، أكّد المصدر أنّ «اعتقال قائد من «داعش» في داخل بلدة عرسال ومواطن آخر متّهَم باستهداف مراكز الجيش، يدلّ على أنّ الجيش يراقب بدقّة تطوّرَ الوضع في البلدة، ويعتقل كلّ مطلوب». ولفتَ من جهة ثانية، الى أنّ «إعتقال المدعوّ قاسم يوسف تلجة، الذي تبيّن أنّه كان يستقبل انتحاريي جبل محسن يأتي ضمن سياق استكمال التحقيقات وتوقيف الشبكة المتهمة بالتفجير».

مرجع أمني

توازياً، أوضحَ مرجع أمنيّ لـ»الجمهورية» أنّ العمليات العسكرية التي يقوم بها الجيش والقوى الأمنية الأخرى من أمن داخلي وأمن عام وأمن دولة في البقاع لا تقع تحت عنوان الخطة الأمنية الموعودة التي ينتظرها البقاع.

وأكّد أنّ ما يجري من مداهمات ومطاردة بعض المجرمين والعصابات في بعض القرى البقاعية هي عمليات أمنية دورية، وهي لا تنتظر خطة أمنية كتلك التي يجري الإعداد لها.

وعن الروايات التي تتحدّث عن ساعة الصفر لانطلاق الخطة الأمنية، قال المرجع: «ما زال من المبكر الحديث عن هذه الساعة، وهي آتية ولا بدّ منها، لكنّ ظروفاً تحول دون التسرّع في مثل هذه الخطوة التي ينتظرها عموم مواطني المنطقة، فالتحضيرات جارية على أكثر من مستوى استطلاعيّ وأمني قبل تحديد ساعة الصفر، وهي عملية تحتاج إلى مزيد من الوقت لتكون الخطة على قدر الآمال المعقودة عليها في منطقة تحوي عدداً كبيراً من المربّعات الأمنية».

جيرو يُجمّد حركته

في هذا الوقت، كشفَت مصادر واسعة الاطّلاع لـ«الجمهورية» أنّ الموفد الفرنسي مدير شؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في وزارة الخارجية جان فرنسوا جيرو زار الفاتيكان الإثنين الماضي والتقى كبار المسؤولين في وزارة الخارجية والمعنيين بالملف اللبناني، وخصوصاً الاستحقاق الرئاسي، وأطلعَهم على نتائج جولته المكّوكية الأخيرة الى طهران والرياض ولقاءاته مع القيادتين الإيرانية والسعودية ومع الرئيس سعد الحريري، لافتاً الى انّ الجولة الجديدة التي أعقبَت جولة نهاية العام الماضي أعادته الى موقع قريب من نقطة الصفر بعد تراجع طهران عن تعهّدات سابقة نتيجة التوتّر في سوريا واليمن والبحرين وتداخل هذه الملفّات في ما بينها.

وفهمَت المصادر أنّ جيرو أبلغ في الساعات القليلة الماضية أصدقاء لبنانيين له أنّه أرجأ الزيارة التي كان ينوي القيام بها نهاية الشهر الجاري الى بيروت، في انتظار مزيد من الإتصالات. فهو لن يزور لبنان ما لم يحمل جديداً.

الراعي

وأمس أكّد البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي أنّ «مَن يحمي المسيحيّين في لبنان ليس السّلاح الفرديّ، بل هي الدّولة بمؤسّساتها الأمنيّة والعسكريّة»، داعياً الى «تعزيز قدرات الجيش والقوى الأمنيّة الشّرعيّة، لأنّ مَن يدافع عنّا هو السّلاح الشّرعيّ، وليست شريعة الغاب».

ولفتَ الى «أنّنا تعاونّا مع الأقطاب الأربعة منذ 3 سنوات، على أساس مواجهة التحدّيات، وكسر هذا الخلاف الموجود، وعرضنا لمعنى العمل السياسي الذي هو كالعمل الكنسيّ، ينطلق من ثوابت وطنية ومبادئ دستوريّة».

وأضاف: «العمل السياسيّ يعني أن نتّخذ خيارات لنحمي الثوابت والمبادئ ونطبّقَها، ولذلك هي متنوّعة. لقد قلنا لهم في اللقاء الأوّل إنّ الخيارات السياسيّة متنوّعة، ونحن لن ندخل فيها إطلاقاً، وهذا ما نقوله في شرعة العمل السياسيّ. وأكّدوا لنا أنّهم متكاملون لا متعادون.

وهكذا انطلقنا منذ 3 سنوات للتّعاون على المستويات كافة. سواءٌ على مستوى النواب ومتابعة الأمور مع الدولة والوظائف العامّة وقانون الانتخاب، وعمَلُنا في هذا الإطار لا يزال مستمرّاً». وأكّد أنّه «في حوار دائم معهم. ونحن ننتظر هذا اللقاء بين العماد ميشال عون والدكتور سمير جعجع والاتّفاق بينهما».

طهران تتوعّد

في هذا الوقت، أعلنَت طهران خلال تشييع العميد محمد علي الله دادي، أنّ اسرائيل لن تنعمَ برغد، وعليها ان تتوقّع «تلقّي الضربات المؤلمة التي ستنزل كالصاعقة المميتة عليها». وقال القائد العام لـ«الحرس الثوري» اللواء محمد علي جعفري خلال تشييع شهيد الغارة محمد علي الله دادي: «إنّ هذا الشهيد العزيز توجّه متلهّفاً إلى لبنان وسوريا باقتراح من فيلق «القدس» التابع للحرس الثوري».

وعلى اسرائيل «أن تعرف أنّ جميع عناصر الحرس في ايران هم نموذج للشهيد الله دادي، وكلّ حرسنا هم كالشهيد تقوي وجميع اخوتنا في حزب الله هم جهاد مغنية».

من جهته أكّد وزير الدفاع الايراني العميد حسين دهقان، على هامش مشاركته في مراسم تأبين أقِيمت في طهران لشهداء «حزب الله» أنّ العدوان الإسرائيلي لن يمرّ من دون ردّ، والمهم هو الوقت والمكان المناسبان للرد».

وشدّد مساعد الأركان العامة للقوات المسلحة الايرانية للشؤون الاستراتيجية والاشراف القيادي اللواء مصطفى ايزدي، على أنّ اسرائيل كانت تعرف «أنّ هذه المجموعة تضمّ تركيبة لبنانية ايرانية سوريّة»، وكانت تتوقّع «ان تحقّق شيئاً من خلال جريمتها هذه، ولذلك فإنّ إطلاق مثل هذه التصريحات نابعٌ من ردود فعل «حزب الله»العنيفة، وإنّ المجاهدين سينتقمون للشهداء بقوّة. وتوعّد اسرائيل بردّ فعل عنيف.

وأعلن انّ دادي «هو اوّل شهيد من الحرس الثوري يسقط شهيداً مباشرةً بصاروخ اسرائيلي، وهو «حينما اقتضَت الحاجة توجّه الى لبنان وسوريا لتقديم خدماته الاستشارية الى مقاتلي المقاومة».

إسرائيل تتأهّب

في الموازاة ظلّت اسرائيل في حال استنفار، تتحسّب لرد على اعتداء القنيطرة، بعدما استهدفت قادةً ميدانيين كباراً في الحزب و»الحرس الثوري». وقد رفعَت حالة التأهب في المنطقة الحدودية وأوعزت إلى سكّان جميع القرى المحاذية للحدود بملازمة منازلهم قبل ان تنفي ايّ محاولة تسَللِ مَن أسمَتهم «مجموعة تخريبية» إليها، فيما قرّر رئيس اركانها الجنرال بيني غانتس إلغاءَ مشاركته في مؤتمر مشترك لنظرائه من جيوش الدول الأعضاء في الـ»الناتو».

وأعلن وزير الشؤون الاستخبارية الاسرائيلية يوفال شتاينتس أنّ بلاده «غير معنية باشتعال الأوضاع على حدودها الشمالية، بل إنّها تدافع عن نفسها إزاء التهديدات الإرهابية كلّما استدعت الضرورة ذلك». وقال إنّ سوريا وحلفاءَها سيتصرّفون بعقلانية ردّاً على الغارة، واعتبر أنّ «هذه الجهات تركّز حاليّاً جلّ اهتمامها على حماية نظام بشّار الأسد».

الحوت

وفي المواقف، قال نائب «الجماعة الاسلامية» النائب عماد الحوت لـ»الجمهورية»: «إنّ عدداً من الإعتبارات يَحكم القرار في الرد على غارة القنيطرة، منها اوّلاً أنّ الإعتداء الإسرائيلي حصل على الأراضي السورية وليس على الاراضي اللبنانية، وبالتالي عبء الرد ينبغي ان يكون على النظام السوري الذي يجب عليه ان يحميَ سيادته بدل ان ينشغلَ في قتل شعبه.

ثمّ إنّ قرار فتح الجبهة اللبنانية أو الرد عن طريقها، الاساسُ فيه ان يكون قرار جميع اللبنانيين الممثّلين في الحكومة اللبنانية، وبالتالي أنا أعتقد انّ حزب الله في هذه المرحلة التي تشهد انقساماً حول موقفه من القتال في سوريا وقضايا أخرى لن يضعَ نفسَه في موقع تجاذب إضافي من خلال الرد عبر الحدود اللبنانية.

الاعتبار الثالث، في نهاية الأمر كلّ هذه الاعتبارات هي جزء من منظومة ايران والمشروع الايراني، وبالتالي ردّ حزب الله ايضاً محكوم بقرار ايران بالتصعيد أو عدم التصعيد انطلاقاً من المفاوضات النووية مع الغرب، لكن أنا أعتقد انّ الحزب لن يردّ عن طريق الحدود اللبنانية وإنّما قد يكون هناك ردّ إمّا عبر الحدود السورية أو ردّ في الخارج أو كما حصل في اعتداء سابق، أي التريّث والاحتفاظ بحقّ الرد».

السابق
لماذا استفزّت إسرائيل إيران؟
التالي
«إيرينا شايك» ترد على رونالدو بصور حميمة مع حبيبها «الجديد»!