أنا ومي شدياق والإعاقة و«الرأي العام البغل» أيضًا وأيضًا

مي شدياق ليست صديقة واقعيّة ولا افتراضيّة، وأكاد أجزم أن لولا مقالة لي سابقة عن الرأي العام البغل نفسه، والتي نشرتَها شدياق على صفحتها، ما كان اسمي ليعني  لها شيئًا. وعدا عن أنّ إحدانا لا تعرف الأخرى إلّا من خلال ما نكتبه، فثمّة أمور كثيرة تفرّقنا، فأنا لست قوّاتيّة، ولست من مناصري جعجع، ولست من جماعة 14 آذار (ولا 8 آذار) ولا علاقة لي لا من قريب أو بعيد بالسياسة السعوديّة أو آل الحريري… فضلًا عن أنّ تركيبة شخصيّتي ومجموع عناصر تكويني الاجتماعيّ والنفسيّ والعائليّ والتربويّ والتعليميّ لا تمتّ بأدنى صلة لما هي عليه مي شدياق… لا بل كان لي مآخذ على أدائها الإعلاميّ، كتبت عنه في مقالة “الإعلام حين يبتعد عن الاحتراف والمهنيّة”. وكان لي دعاء عبّرت عنه في مقالة ثانية بعنوان “إلى مي شدياق، مرّة جديدة”.

وما كنت لأكتب عن الهجوم الشرس التي تتعرّض له اليوم لو بقي موضوع الاعتراض على كلامها محصورًا برأيها السياسيّ أو موقفها ممّا جرى في القنيطرة السوريّة. لكن أن تصل الأمور إلى التعرّض لوضعها الصحيّ و”إعاقتها”، فأمر يدعو إلى التأمّل والتحليل، لا من باب الدفاع، ومي لا تحتاج إليّ في هذا الأمر، ولا من باب التضامن بين “معوّقتين” بحسب المقاييس التي بنى على أسسها مهاجموها الأشاوس حملتهم عليها، بل لمحاولة فهمِ كيف يجبرك التطرّف على مواجهة ما لم تكن تعرف أنّه فيك… خوف لدرجة العزلة فالانعزال…

حين قرأت على صفحات التواصل الاجتماعيّ ما قيل لها وعنها، تساءلت عمّا قالته مي أو صرّحت به حتّى انحدر كلام المدافعين عن الشهداء إلى هذا الدرك. فبحثت عن كلمتها وقرأت ما يلي:

لقد أصابتني حالة من الإنقباض وأنا أتنقلّ بين الشاشات اللبنانية التي تتسابق لنقل وقائع تشييع جهاد عماد مغنية في روضة الشهيدين…

“الموت لاسرائيل، الموت لأمريكا”… تبجيلٌ بالمقاومة، أعلام “حزب الله” وسط جموع غفيرة وصراخ “لبيك يا نصرالله لبيك حزب الله”، “لبيك خميني” الخ الخ الخ…

اكيد نحن لسنا في لبنان… فلا إشارة واحدة تدلّ على أنّ الموقع في لبنان.

ما المقصود عندما تنقل كل شاشات لبنان باستثناء واحدة التشييع مباشرة على الهواء؟

هل شرّع لبنان دولةً ومكونات سياسية وشعبية مشاركة “حزب الله” في المعارك في سوريا؟

هل أعلنّا الحرب على اميركا؟ هل أعلنّا الحرب على التحالف الغربي المناهض للنظام السوري؟ هل أعلنّا الحرب على دول الخليج؟

ما خلفية هذا المشهد، هل هو لهث وراء زيادة نسبة مشاهدين هم أصلاً غير مكترثين بهم ولديهم شاشاتهم التعبوية ليل نهار؟!

اسرائيل عدو: نعم

القتيل لبناني: نعم

القنيطرة سورية: نعم

العملية نذير شؤم على لبنان: نعم

على ماذا تهلّلون إذاً؟

لبنان ضائع في مهبّ الريح، ولم يعد لدى الذين يُفترض بهم أن يكونوا أكثر إدراكاً الوعي الكافي للتمييز بين السبق الصحافي الآني والخطوة الناقصة غير المحقّقة للمكاسب على المدى الطويل.

ماذا كان يفعل “الشهيد” في القنيطرة السورية مع قائد الحرس الثوري الايراني؟ هذه المنطقة وبحسب الصحف اليوم ، منطقة سورية “واقعة ضمن مثلث الحدود المعقدة والملتهبة بين لبنان وفلسطين المحتلة وسوريا”.

عال… هي منطقة سورية صرف إذاً… هل النقل المباشر استسلام واقرار بدخول لبنان بكلّ فئاته طرفاً في الحرب الدائرة في سوريا الى جانب محور النظام السوري البعثي وايران و”حزب الله”؟ هل دفنّا سياسة النأي بالنفس الى غير رجعة؟

هل علينا أنْ نقرّ أنّ “حزب الله” نجح في استدراج السلطات والإعلام في لبنان الى الخانة التي يريد زجّه بها؟

هل في هذا الاطار علينا فهم دخول القوى الأمنية الى معظم البؤر الأمنية في لبنان باستثناء تلك التابعة لـ”حزب الله”؟

هل علينا أنْ نفهم أنّ تعديّ المحامين السوريين على المحامين اللبنانيين في مصر كان مشروعاً لأنّ اللبنانيين تجرّأوا وتطاولوا على جيش بشار الأسد وكانوا بحاجة الى تأديب؟

الله يستر… إذا لم ننتفض على ما يحصل وبسرعة، سيتمّ جرّنا جميعاً الى وحول حرب، كثيرون على حدّ علمي، يعتبرون أنّه يجب أن نكون فيها على المقلب الأخر…

متى تأتي ساعة الصحوة؟

كثر يعتبرون أنّ ما حصل في القنيطرة الاحد سيكون بالتأكيد نقطة تحول في الصراع المفتوح بين “حزب الله” وإسرائيل.

يقولون: هي مواجهة مباشرة غير مسبوقة على الأرض السورية، بين المقاومة وما تمثله، والعدو الاسرائيلي وما يمثله… من دون وسطاء أو وكلاء.

فهل علينا بدورنا أن نسأل: هل ستبقى هذه المواجهة المباشرة في سوريا أم تنطلق شرارتها من لبنان ويكون على الشعب الليناني بأسره دفع ثمن لا يريده؟!

الله يسترنا… متى ساعة الصحوة؟!

في المقابل، نشرت شدياق الردود التي توالت على تعليق للصحافيّة غدي فرنسيس.

وهذا تعليقي على الردود:

1- لا أعرف ما هي مناسبة الحديث عن الإعاقة هنا. فمواقف مي شدياق كانت هكذا قبل محاولة اغتيالها، وهي لم تخجل بها ولم تتراجع عنها. وهذا شيء يسجّل لها لا عليها. ولم أكن أعرف أنّ لحزب الله أو للحزب السوريّ القوميّ الاجتماعيّ أو للتيار العونيّ مواقف من المعوّقين، تقضي بمنعهم من التعاطي في الشؤون العامّة، أو إبداء الرأي أو ممالاسة حقوقهم في السياسة والاجتماع…علمًا أنّ أحدًا لم يهاجم تلفزيون المستقبل الذي لم ينقل وقائع تشييع الشهداء.

2- ولم أكن أعرف قبل أن أقرأ هذه الردود وسواها أنّ الشهداء يموتون كي تبقى هذه الشريحة من الشتّامين الذين لم يجيبوا على شدياق في السياسة والحرب ووضع البلد بل في أمرين يعودان بنا إلى العصر الجاهليّ: أي جنس المرأة (عاهرة، مومس، …) والإعاقة الجسديّة… وبسبب هذين الأمرين كان وأد البنات الذي حرّمه القرآن.

3- ولكن ما صرت أعرفه أنّ عليّ أن أعيد قراءة كتب أنطون سعادة، فلا شكّ في أنّني فهمتها على غير معانيها الأخلاقيّة. وأن أعيد النظر في قائمة “الأصدقاء” على صفحات التواصل الاجتماعيّ عندي كي لا أفاجأ بأنّ من يضع لي “لايك” على جملة شعريّة عن الحبّ، قد يغضب منّي يومًا بسبب رأي سياسيّ لا يعجبه فينهال عليّ بالصفات والنعوت…

4- وما صرت أعرفه على الأكيد أنّني – وأنا المصابة بشلل الأطفال – سأواجَه يومًا بأنّ اعتراضي على الأداء المسيحيّ (المارونيّ تحديدًا) الفكريّ والروحيّ والسياسيّ والاجتماعيّ سببه أنّني امرأة (أي ساقطة وعاهرة) وأنّني عرجاء…وأنّ النقد الذي أمارسه في الأدب والشعر حين لا ينال رضا أصحاب العلاقة سيكون سببه أنّني امرأة (أي ساقطة وعاهرة) وأنّني عرجاء… وأنّ آرائي التربويّة التي قد لا تعجب كثيرين سببها أنّني امرأة (ساقطة وعاهرة) وأنّني عرجاء… وأنّ رفضي لسياسة حزب الله والمستقبل والحزب الاشتراكيّ والكتائب والقوّات والعونيّين والمردة ومن لفّ لفهم سببها أنّني امرأة (أي ساقطة وعاهرة) وأنّني عرجاء… وأنّ كلامي على الجهل العربيّ والتعصّب الدينيّ وقصر النظر السياسيّ سببه أنّني امرأة (أي ساقطة وعاهرة) وأنّني عرجاء…

5- فيا أيّها الرأي العام البغل – بحسب تعبير السوريّ القوميّ الاجتماعيّ الأمين الأديب سعيد تقي الدين – غباءُ العلمانيّين أوصلنا إلى بغاء الطائفيّين، واعتبارُ “الصبّاط” قيمةً لا يجوز المسّ بها جعل عقولنا في مستوى الأرض، وتركُ المجال للناس، كلّ الناس، للتعبير (بحجّة الحريّة) وإبداء الرأي (ع أساس الكلّ بيفهم ومثقّف وبيعرف يقرا ويكتب) أوصلنا إلى ديمقراطيّة الجهل…

6- فحين يحصل ستاتوس غدي فرنسيس عن مي شدياق على نحو ستة آلاف لايك، ويتشاركها نحو أربعمئة شخص… ولا يقرأ سوى عدد قليل ما يكتبه المفكّر علي حرب عن نهج حزب الله فذلك يعني أنّ الشلل ليس في رجلي ولا الإعاقة في جسد مي شدياق بل في كل هذه التركيبة اللبنانيّة التي تُحتضَر ولكن من دون أن يكون ثمّة أمل في أن تحيا سوريا.

عن مدوّنة الكاتبة بتصرّف:

http://mariekossaifi.blogspot.com/2015/01/blog-post_21.html?spref=fb&m=1

 

 

 

السابق
مجهولون أقدموا فجراً على إحراق منزل أحمد الأسعد
التالي
عين قانا تشيّع الشهيد أبو الحسن