بين المقاومة والمشروع السياسي

تُستحضر تساؤلات عدة عن جدوى أي حوار والبحث فيه، حين يزداد انقسام البلد بين تصنيفين، أي، بين من يُسمّون مع مشروع المقاومة او المشروع الأميركي الصهيوني، وبين أبناء الطوائف الواحدة، آخذة حدتها الأكبر بين السنة والشيعة.

هل هذا التصنيف الحاد هو حقيقة الشعب اللبناني الواقعية أم هو تصنيف وهمي يراد من خلاله إحداث تغيير ما في التكوين البنيوي للنظام اللبناني لصالح نظام آخر؟ وما هي طبيعة هذا التغيير؟

في التعبيرات السياسية اليومية المتداولة، أصبحت كلمة “مقاومة” مرادفة لكلمة “حزب الله”، وكأن الحزب كله (وهو حزب يصفه مسؤول قيادي فيه بأنه “حزب سياسي يسعى كغيره من الأحزاب السياسية للوصول الى السلطة على أساس عقائدي من أهدافه قيام الدولة الاسلامية لحفظ النظام العام، خدمة الناس، اقامة العدالة، العمل على حل أمور الدين والدنيا وتكون مهمتها العقائدية السعي للصلاح والمصالح الاسلامية والبلد ورفعها لمستوى الأحكام الالهية، اما الأحكام الدينية بالنسبة للحريات العامة فهناك قيود حول التي هي من خارج التشريعات الاسلامية”) اختُزِل في هذه المقاومة، وجرى دمج مقصود وممنهج بين المقاومة والحزب حتى أصبحا في وعي الناس وجهين لفعل واحد هو “العمل المقاوم”، وعلى هذا الأساس صُنف الأفراد في لبنان وأصبح المؤيد للمقاومة (مقاومة العدو الصهيوني كواجب وطني) مؤيداً حكماً لـ”حزب الله” (الحزب السياسي الديني)، وهي الفئة الوطنية. أما باقي الأفراد فهم مؤيدون “للمشروع الاميركي- الصهيوني”. وبدل أن تكون المقاومة جزءاً من المشروع الوطني العام وحاميةً له في حال الاحتلال وتنتهي بزواله (وهذا ما كانته حقيقةً جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية لحظة انطلاقتها المشّرفة عام 1982 ابان وصول الاحتلال الاسرائيلي الى مدينة بيروت) أصبحت هذه المقاومة في واقعها الراهن هي الحاملة الأساسية لمشروع “حزب الله” السياسي، وبما أن هذا المشروع السياسي صعب التحقيق في لبنان على ما جاء في تصريحات مسؤولين فيه نظراً لتعدد طوائفه وتعقيدات نظامه السياسي، أصبح لا بد من ايجاد توظيف جديد لها وخاصة بعد اندحار العدو الاسرائيلي من الأراضي اللبنانية (ما عدا مزارع شبعا والتي يمكن ان تستعاد بالطرق الدبلوماسية)، وعودة الأسرى اللبنانيين من السجون الاسرائيلية ورفات الشهداء (ما عدا رفات شهداء الحزب الشيوعي اللبناني ومنظمة العمل الشيوعي).

اتضح ان التوظيف الجديد للمقاومة او بالأحرى، لسلاح المقاومة اتخذ بعداً خارجياً رسمياً من دون أي لبس بعد تصريحات مسؤوليين ايرانيين بأن “حزب الله” هو اليد الايرانية التي ستهزم المشروع الأميركي في الشرق، بما يعني أنه حاجة اقليمية أكثر منه محلية. وهو اتخذ بعداً داخلياً غير سليم عندما سعى الى التحكم بالساحة الداخلية عبر استعماله اياها مع حلفائه في عمليات تأديبية وجراحية محدودة لا تزال ارتداداتها حتى اليوم، وما لبث أن توسّع خارج الحدود ليحقق فيما يبدو تصدير الثورة الى سوريا وغيرها لتحقيق أهدافه، وكل ذلك، برعاية ايران ولمصلحتها، دولة المنبت. ولكأن الفاعل يريد اقتلاع كل آخر مختلف عنه سياسياً واجتماعياً وفكرياً والغاء تاريخه، مع العلم ان لا أحد يستطيع الغاء التاريخ، بل ان التاريخ هو من يمتلك القدرة على الالغاء، وما يحصل اليوم، لا يمكن وضعه سوى في خانة الرغبة في الالغاء، الغاء الصوت والرأي الآخر حتى ولو كان هذا الآخر ينتمي بجذوره الى ثقافة مقاومة العدو الاسرائيلي.

بناء على ما تقدم، في بلدٍ كلبنان، حيث تُكثر فيه التدخلات الخارجية، ويعبث فيه الطامعون الأقرباء والأعداء بات ملحّاً فعلاً، وجود دولة مركزية تمتلك قرارها في الحرب والسلم بهدف تثبيت السيادة على كامل أراضيها، ولشعب يدين بولائه للوطن. وأي خيار فئوي خارج هذا الاطار الموحّد والجامع ولو كان “منزّهاً” و”مقاوماً” و”شريفاً”، لن يستدعي سوى مشاريع فئوية أخرى لا تلبث ان تؤدي الى مزيد من الشرذمة والتقاتل.

السابق
تريزيغيه يعتزل اللعب نهائيا
التالي
اتفاق بين الرئيس اليمني والحوثي لتعديل مسودة الدستور اليمني