الضاحية: عنفوان يغلف الخوف

مساء أمس الأحد، كان كل شيء طبيعياً في ضاحية بيروت الجنوبية. بدأت تتوارد الأنباء عن إستهداف الطائرات الإسرائيلية لموكب يضم قادة ميدانيين من “حزب الله” في القنيطرة السورية. هرول الجميع لمعرفة ما يحصل. كان الكل يدرك أن ثمة أمراً جلل، حصل بعد فترة وجيزة من خطاب الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله.

اعتاد سكان الضاحية على مثل هذه الأنباء منذ بداية الصراع مع إسرائيل. وصل خبر مصرع جهاد عماد مغنية. علم الجميع عندها أن ما حصل يتجاوز في خطورته الأحداث السابقة. إنتهت الليلة والخوف المستتر يسود شوارع الضاحية. بقي الحديث يدور حول “الرد”، وقدرة المقاومة، و”قدسيتها”، رغم الخشية المتوارية.

قضى أهالي الضاحية ليلتهم بقلق صامت. إنتظروا موقف الحزب الرسمي كي يطمئنوا أولاً، وكي يبنوا عليه، خصوصاً أنهم لم ينسوا بعد حرب العام 2006 التي هجرتهم من بيوتهم وأفقدتهم الأحبة. يتساءلون عن “المصير” وعن حدود الرد، بوصفه خياراً حتميا، اليوم أو غداً، سراً أو علناً، وحجم الخسائر القادمة في حال فتحت الجبهة.

“بيئة المقاومة” تبدو اليوم قلقة. تدرك رغم احتضانها لمشروع “المقاومة” أن أي حرب مقبلة ستكلفها الكثير من التضحيات، لكنها عند ثوابتها، تؤيد كل ما تقرره قيادة الحزب من دون أي نقاش. في الضاحية “لاشيء يعلو على قرارات الحزب”، حتى لو كانت معركة جديدة، تبدأ من الجولان، وصولاً إلى الجنوب، ومرورا بالضاحية والبقاع.

“نحن مقتنعون بهذا النهج ومن وصل إلى حدود الجولان بإستطاعته أن يحمينا”. يقول حسين الذي يسكن في منطقة الرويس. يرى كما غيره أن ما يقوم به الحزب هو لحماية لبنان من الأطماع الإسرائيلية، ولا مجال للمناقشة.

علي الذي لا يزال طالباً جامعياً يذهب أبعد من ذلك. يعترف أن أي حرب مقبلة مع إسرائيل لن تكون كسابقاتها. يشير إلى مشاركة “حزب الله” في القتال في سوريا على رقعة واسعة. يعتبر أن ذلك سيكون عاملاً سلبياً في أي حرب مقبلة، رغم أن قيادة “حزب الله” تقول العكس. يبرر ذلك بالقول: “طبيعي أن تقول القيادة العكس، وبالتأكيد هي تعمل على سد كل الثغرات التي من الممكن أن تؤثر على سير المعركة المقبلة”, ثم يضيف: “نحن مقتنعون بصوابية خيارات الحزب، ولو لم يذهب الشباب إلى سوريا لكان التكفيرون غزوا مناطقنا ولبنان كله”.

يتفق أحمد الذي يملك محلاً تجارياً في منطقة بئر العبد مع حسين وعلي. ينظر إلى “حزب الله” بالكثير من القدسية. يردد ما يسمعه من قيادة الحزب. يقول ان قتال الحزب في سوريا هو ضرورة وجودية. يدافع عن النظام السوري وإرتكاباته، مؤكدا على وحدة المصير معه لأنه “العمود الفقري لمحور المقاومة”. يضيف: “معركة الحزب متكاملة في وجه إسرائيل والتكفيريين الذين يقاتلون المقاومة والنظام السوري”.

واقع الضاحية لا يقتصر على حسن وأحمد وعلي. الخوف والحذر يظهران جليا لمن يجوب شوارعها. حركة السير خفيفة. الأسواق التجارية شبه خالية من الزبائن. والناس تتابع بدقة آخر المستجدات. لسان حال الأهالي بقول بـ”ضرورة الرد عبر عملية تلقن الإسرائيلي درسا لا ينساه”، لكنهم يستدركون، “الحرب القادمة إذا وقعت ستحمل المزيد من الويلات”، يربطون سريعاً بين الأخطار المحدقة بهم من التكفيرين في سوريا ولبنان وبين الخطر الإسرائيلي.

عنفوان وخوف هما السمتان المسيطرتان على أجواء الضاحية. عنفوان يطالب بالرد، وخوف من شراسة الرد على الرد، وخشية من تسلل الجماعات الإرهابية إلى لبنان إن وقعت الحرب مع إسرائيل، وريبة وسؤال عن المناطق التي من الممكن أن ينزحوا بإتجاهها هذه المرة فيما سوريا مدمرة، ولبنان يعاني من شرخ عمودي خطير.

إطمأنت الضاحية صباحاً. تهيأت لتشيع جهاد. لبست الأسود. سارت في الجنازة، مرددة شعارات الدعم والتأييد. بدت الضاحية الحزينة، ومعها “حزب الله” قادرة على امتصاص الصدمة، والرد بالقبضات. كل ذلك لا يلغي الخوف في بيئة المقاومة.

 

السابق
#جهزوا_ملاجئكم… لمَن؟
التالي
«لعبة النار» تُغرق العدو بهواجس الرد وساحته وتوقيته