الإسلاموفوبيا مرض عربي أيضاً

الإرهابي الذي قتل المخرج الهولندي ثيو فان كوبنهام عام 2004، بسبب شريطه “المسيء للرسول”، عُرف عنه انه كان يردد، وهو يطعن غريمه بالسكين: “أنت اسلاموفوبي! أنت إسلاموفوبي!”. هذه ليست نكتة، إنما واقع من وقائع جريمة تشبه العشرات، وربما المئات من الجرائم التي ارتكبها اسلاميون ضد يهود أو مبدعين أو صحافيين أو أي شخص من اولئك الذين يستهدفهم الاسلاميون القاعديون، سابقا الداعشيون الآن.

وهذا ما يحصل الآن بالضبط، بعد جريمة “شارلي إيبدو”. فأعجب ما أصدره عرب مسلمون من إدانات ضد الغرب هو الإسلاموفوبيا. يشكون منها بعد 11 ايلول 2001، بعد “غزوة البرجين”، ويرددونها الآن على نطاق واسع، مستغربين، متفاجئين، ومستنكرين. فيما الإسلاموفوبيا، أي الرهاب من الاسلام، نتاج طبيعي لكل ما صدر عن المسلمين من أعمال تتسم كلها بالقتل، الفردي أو الجماعي، “دفاعا عن العقيدة”. ولكن الصارخين “إسلاموفوبيا!” بوجه الغرب يغفلون ان مصدر هذا السلوك هو الشرق الاسلامي تحديداً، حيث تحتل الاسلاموفوبيا أرقى درجات الوجود. “داعش” أحيتها، وجعلتنا نرتعب من حكمها بالشريعة الإسلامية.

ولكن، اقترب قليلا من ميدان صناعة الدين، قبل “داعش” وبموازاتها، أو حتى بالمشاركة في الحرب الدولية ضدها، فماذا ترى؟ خوف على الإسلام بصفته آخر ميراثنا، لا إرث غيره، لا ثقافة ولا قداسة ولا فكر ولا أيديولوجيا تضاهيه قيمة وعلواً. وهذا الخوف على الاسلام هو الاسمنت الذي بنى نظامنا الثقافي منذ ثلاثة عقود، وكان اساساً للحكم، ليس بمعنى العقيدة كما هو حال “داعش”، إنما كأداة لإضفاء شرعية على كل السلطات القائمة، المسلمة والإسلامية و”العلمانية” على حد سواء. فكان سليلها الخوف من الاسلام: فرض الصمت على كل فكرة، مهما كانت ضئيلة، على كل نقد فكري أو تاريخي، على  كل تدوينة بسيطة… تنال من الاسلام بشيء.

علينا أن نتصور، ليس حال المفكرين الكبار الذين التزموا هذه الحدود، أو لم يلتزموا، ماذا حل بهم أو بانتاجهم..ولا حال المغردين الذي قالوا ما اعتقدوه صحيحا عن الإسلام، ومصيرهم..ليس هؤلاء فقط، البارزين على سطح الصورة؛ إنما أيضاً كل البراعم التي لم تتفتح، لأنها راقبت نفسها، فماتت اختناقا من نقص هواء الحرية… الخوف من الاسلام، الخوف من الموت او التهميش او السجن أو الجلد، أو القتل الخبيث والصريح، بسبب رأي عن الاسلام…إنما هو خوف “كلاسيكي”، إذا جاز التعبير، روتيني، لم نعد نشعر به لكثرة ما قمع وكبت، وصار المجتمع، المنفلت، قبل السلطة، الضابطة نفسها، هو الذي يوحيه، هو الذي انتج الاسلاموفوبيا العربية المحلية… أما الخوف المستجد، من “داعش” وأخواتها، فحدث ولا حرج؛ أصلاً، “داعش” لم تقصد حتى الآن غير بث الرعب في قلوبنا قبل القلوب الغربية؛ أي انها رفعت من درجة إسلاموفوبيتنا. ومن المؤكد ان حكمها لا يمكن ان يوصف لا بالمدني ولا بالجمهوري ولا الديموقراطي؛ انه حكم ديني. وليس أي دين، لا مسيحي هو ولا يهودي ولا حتى بوذي. انه حكم ديني إسلامي، يضيف الى الاسباب الاولى، سبباً جوهرياً آخر لإصابتنا نحن، أبناء المنطقة العربية الاسلامية، بالخوف من الإسلام؛ وهو ليس كخوف الغرب منه. انه خوف حميم، لصيق، يحتاج إلى جبال من الشجاعة لكي تبدأ بالحفر في تكدسات حجاراته، الواحدة فوق الأخرى. وهنا لا فرق بين سنة وشيعة، رغم اجتهادات الشيعة المتقدمة؛ ولا فرق أيضا بين دول إقليمية تحاول أن تتقاسم العالم العربي، بين إيران الراسخة بإسلاميتها، وتركيا الآخذة نحو مزيد منها؛ فيما مؤسساتنا الدينية الرسمية تقوم بواجبها في مصادرة رأي المسلمين كلهم، عندما تقول عن رسوم شارلي ايبدو انها “تطال مليار ونصف المليار مسلم”، وكأن هؤلاء جميعا عبروا عن رأيهم بحرية تامة من دون تهديد بالموت او السجن او الجلد، وكأنهم ليسوا بدورهم مصابين بالخوف من الاسلام وعليه، يصدّرونه الى الغرب بغفلة من الزمن، ثم يصرخون مذعورين: “الذئب…! الذئب…! وصل الذئب….!”.
http://www.almodon.com/opinion/dd2636ef-1814-4ff2-87d9-301c212ffc49

السابق
مواقف الصحافة الاسرائيلية من عملية القنطرة
التالي
ما الأسباب التي دفعت إسرائيل إلى استفزاز «حزب الله»؟