مخيّم عين الحلوة.. «شو بيشبه» لبنان

يسلط معظم وسائل الإعلام الضوء على مخيم عين الحلوة بصفته بؤرة أمنية تحوي الخارجين عن القانون والمشتبه بارتكابهم جرائم أمنية في الخارج اللبناني، كذلك العناصر الإسلامية المتطرفة. ألا يشبه وضعه وضع لبنان بعلاقته مع الخارج العربي وخصوصاً بعد الربيع العربي الأخير؟

لا يهتم معظم وسائل الإعلام اللبناني بالأوضاع المعيشية الصعبة ولا بالأوضاع البيئية السيئة التي يعيشها أهالي مخيم عين الحلوة، بل يُنظر إليه بصفته خبراً أمنياً ساخناً بشكل عام، وسماحة تلقى فيها بقايا الخارجين عن القانون. أو الفارين من العدالة بعد الاشتباه بعلاقتهم مع مجموعات إسلامية متطرفة.

مخيم عين الحلوة هو واحد من 12 مخيماً فلسطينياً، وهو أكبرها ويضم حالياً نحو 70 – 75 ألف لاجئ فلسطيني على مساحة لا يتجاوز الـ1،5 كلم2.

مخيمات صور (الرشيدية، البص، البرج الشمالي) مطوّقة تماماً بقوى الجيش اللبناني وقليلاً ما يسمع بها، أو تتردد أخبارها في وسائل الإعلام. مخيم “ويقبل” في البقاع هو عبارة عن ثكنة عسكرية فرنسية، ممسك به أمنياً من القوات الرسمية ومن قوى لبنانية محلية. ومخيم برج البراجنة جزء من الضاحية الجنوبية وأمنه من أمنها، أما مخيم شاتيلا فلا حول له ولا قوة بعد تحوله إلى مخيم لسكن سوريين ومصريين وأفارقة ومن أقلية فلسطينية.

وفي الشمال تسير الحياة في مخيم البداوي بهدوء ورتابة ويحاول أهله المحافظة على أمنه في ظل الطوفان الإسلامي المتطرف حوله. وفي نهر البارد، وبعد تدميره عام 2007، صار مخيماً منزوع السلاح يشرف الجيش اللبناني على أمنه بالكامل.

أما مخيم عين الحلوة المطوّق عسكرياً منذ عام 1991 ينحصر الدخول إليه بأربعة مداخل، الأول: عند المستشفى الحكومي، والثاني عند التعمير التحتاني، والثالث قرب الحسبة والرابع عند درب السيم. في حين نجد بوابات حديدية على الطريق المؤدية إلى السيروبين يُسمح من خلالها الجيش اللبناني للأفراد في الدخول إلى المخيم والخروج منه. وعلى مسافة قريبة منه ويفصله عنه عدة بنايات من التعمير التحتاني.

يقع مخيم الطوارئ الذي أنشأ عام 1953 ويضم هذا المخيم عدة آلاف من اللاجئين وفيه نحو 70 متطرفاً إسلامياً من أنصار جند الشام وفتح الإسلام. وهذا المخيم والمساحة اللبنانية التي تقع خلفها تفع في منطقة الحرام ما بين المنطقة التي يسيطر عليها الجيش اللبناني وبين مدخل المخيم الذي تسيطر عليه القوة الأمنية.

لم يعد مخيم عين الحلوة مساحة موحدة يعيش فيها اللاجئون كما كانوا في ستينات وسبعينات وثمانينات القرن الماضي، لقد تحول المخيم إلى شبه كانتونات تسيطر على كل منها قوة سياسية وعسكرية تختلف عن غيرها. وهذا اول إشكال التشابه مع لبنان.

في العام الماضي أنشأت قوة أمنية مركزية للإمساك بالوضع الأمني في المخيم، وقد ضغطت السلطة اللبنانية للإسراع في تكوينها ونشرها وسهلت السبل لذلك، لكنها قوة أمنية ولدت معوّقة، ممنوع عليها الدخول إلى مخيم الطوارئ ممنوع عليها الاقتراب من حي الصفصاف ممنوع عليها الدخول إلى حي الطبري، وعليها التشاور قبل الاقتراب من حي مطيز، والآن لا يحق لها الاقتراب من المنطقة التي يسيطر عليها اللينو ألا يشبه ذلك الوضع في لبنان فعلياً.

في مخيم عين الحلوة القوة الأساسية لمنظمة التحرير الفلسطينية التي تحاول بشتى الوسائل المحافظة على أمن المخيم وعلاقته بالجوار وتحاول التنسيق مع أجهزة السلطة اللبنانية بكل الوسائل، لكنها تفاجأ أحياناً بمحاولات السلطة اللبنانية استخدامها في إطار النزاع اللبناني اللبناني.

وهناك حركة حماس التي تشكل المنافس الأساسي لم. ت.ف. والتي تتفاوت علاقتها بالسلطة اللبنانية حسب اللحظة السياسية. مؤخراً وعندما عقد اللينو مؤتمراً صحافياً للإعلان عن نيته للاحتفال بذكرى الانطلاقة، لاحظ الجميع الدعم العام الذي قدمته حركة حماس لحركته في سبيل إحراج حركة فتح. وتناغم احتفاله بالانطلاقة باستنفار عسكري عام لحركة حماس، لم تستطع قيادتها تبريره عند مراجعة أحد مسؤولي فتح لمعرفة أسباب الاستنفار.

وهناك عصبة الأنصار التي كانت تتلقى دعماً من أحد الأطراف اللبنانية الأساسية واليوم تتقاسم استثمارها الأجهزة اللبنانية وبعض الأطراف الفلسطينية، أما مجموعة بلال بدر فهي جاهزة للاستخدام لقاء أجور تدفع سلفاً.

إن اللينو الذي يحاول أن يثبت نفسه رقماً صعباً في تركيبة المخيم، فهو على علاقة جيدة مع الأجهزة اللبنانية عدا علاقته مع محمد دحلان. ومن له ذاكرة جيدة يتذكر دوره الذي مارسه بناء على طلب من الأجهزة الأمنية يوم بدأ كمال مدحت (الذي قتل لاحقاً) حواره مع الأطراف الإسلامية لضبط الوضع الأمني في المخيم المذكور ليلة رأس السنة كان الجميع على توقع ان تلقى قنبلة هنا أو هناك للمشاغبة على ذكرى الانطلاقة.

لكن من جهة أخرى اقتنع معظم المتابعين لوضع المخيم المذكور أن الوضع هادئ وسيبقى على هدوئه، طالما كانت التهدئة هي سيدة الموقف في لبنان. فإن استقر الوضع لبنانياً، سيحاول معظم الأطراف الرسمية والأهلية استخدام نفوذها في مخيم عين الحلوة للتحمية، فإذا به يتحول إلى مرآة للوضع اللبناني الداخلي.

وإذا كان الانقسام اللبناني الحاد بين مكوناته قد أفقدوه المناعة تجاه العامل الإقليمي الذي صار مستخدماً أساسياً للوضع اللبناني، فإن الوضع في مخيم عين الحلوة بات يشبهه كثيراً، وتحول إلى ورقة يستخدمه العامل الخارجي اللبناني هذه المرّة.

ألم يتحول مخيم عين الحلوة إلى صورة مصغّرة عن لبنان الطوائف المنقسم على ذاته؟

السابق
لماذا تفاوض أميركا الأسد وايران؟
التالي
مدير وكالة انباء فارس: اميركا ستظل ألد اعدائنا