أسئلة ما بعد عملية رومية

“أسطورة رومية”… “إمارة رومية”… “جمهورية رومية”… “المربع الأمني”… كل ذلك سقط خلال ساعات بعدما اعتمل أعواماً داخل ذلك السجن. وإذ يحيي الجميع اليوم الوزير نهاد المشنوق ويهنّئه على شجاعته في تحقيق هذا الانجاز، وقد اعتبره الوزير نفسه “انتصاراً للاعتدال”، بقيت أسئلة كثيرة. وأكثرها بداهة أن ما نتحدث عنه مجرد مبنى في سجن كان ولا يزال تحت سيطرة الدولة، فما الذي حال دون “تنظيف” هذا المبنى، أهو غياب القرار السياسي أم الخلاف على ملف النفايات؟ شاءت المصادفة أو الظروف أن يُحلَّ الأمران معاً، وفي يوم واحد: البنية الارهابية في رومية بتعاون الجيش وقوى الأمن، وملف النفايات بتوافق القوى السياسية في مجلس الوزراء.

قيل للبنانيين إن المبنى “ب” تحوّل منذ أعوام الى نوع من “تورا بورا” في حماية الدولة: بؤرة منتجة للتطرف و “غرفة عمليات” مخطّطة لأعمال عنف، متمتّعة بتواصل مع مجموعات في الخارج ومنسّقة لعمليات تفجير، كما حصل أخيراً في جبل محسن. قيل أيضاً إن الرصد ضبط اتصالات بينها وبين “جبهة النصرة” وخلايا لها داخل لبنان. أما لماذا تأخر التعامل الأمني مع هذه الحال الخطيرة داخل السجن فهذا ما لم يُفصَح عنه. ولماذا كان مستحيلاً يوم الجمعة (قبل سقوط ضحايا) وصار ممكناً يوم الاثنين، أهو فقط الحذر من تداعيات تشعل طرابلس مجدداً أم الخوف من فتنة أكبر؟ ومَن اعترض أو حال طوال الفترة الماضية دون تعطيل هذه البؤرة؟ هذا أيضاً لم يُفصَح عنه.
لكن قناة “المنار” كانت لديها اجابة: فما حصل كان “واحداً من ترجمات أوجه مكافحة الارهاب في الحوار بين تيار المستقبل وحزب الله”، وما كان ليكون “لولا غطاء القرار السياسي”، مع توقّع بأن “الآتي سيكون، بالتفاهم، أكثر استقراراً وأمناً”، وكذلك مع استطراد الى أن “التفاهم” هو ما حلّ أيضاً موضوع النفايات. هل صحيح أن الحسم في رومية انتظر موافقة “حزب الله” أم إنه حصل لإحراجه؟ لعل الجواب في تلميح أوردته “ام تي في” الى أن “الانتصار الجديد للاعتدال” ولّد اجماعاً على “ضرورة أن يلاقي حزب الله الخطوة بتنازل استراتيجي عملي على طاولة الحوار”… هذا “كلام فضائيات” لكنه يعكس جواً سياسياً، فـ”حزب الله” يدّعي أن الانجاز الذي حققته الدولة تم بفضل “غطائه”، فهل يعني هذا أنه كان يحجب هذا الغطاء عن تفكيك بنية ارهابية وأن الحوار مع “المستقبل” أقنعه برفعه؟!
لا أحد يجهل أنه كان ضرورياً التحوّط لكل انعكاسات عملية سجن رومية، خصوصاً على قضية العسكريين المخطوفين، وكذلك الحرص على عدم انزلاقها الى تمرّد وأعمال شغب تخرج عن السيطرة. لكن جلاء الحقائق في مثل هذه الظروف من أهم عوامل تعزيز الدولة، طالما أن الانجاز تحقق لمصلحتها في نهاية المطاف.

السابق
الإسلام الجهادي وعولمة الخوف
التالي
ماذا عن «السياسات الإسلامية» للبلدان الأوروبية؟