ما بعد باريس وجبل محسن؟!

ربح العالم مع فرنسا ولبنان، معركة ضد الارهاب «الداعشي». الأهم ربح الحرب غير المسبوقة، الواسعة والشاملة. لا يمكن توجيه ضربة قاضية وقاصمة للإرهاب «الداعشي». من الممكن أكثر ربح الحرب بالنقاط، إفشال عمليات هذا الارهاب. الأهم الاستمرار في التماسك وإسقاط الاقتتال الداخلي.

الرئيس فرنسوا هولاند، نجح في «تجسيد وحدة الأمة الفرنسية عندما بدا جديراً وحازماً ومانعاً». جاء العالم كله إليه ما عدا الرئيس باراك أوباما. لا أحد يعرف حتى الآن لماذا غابت واشنطن عن الوحدة. هل لأنها تخاف من الالتزامات اللاحقة، أم أن أوباما لا يريد مواجهة العالم وجعبته فارغة؟

النجاح الحقيقي للبنان بعد ضربة «داعش» الارهابية في جبل محسن، استمرار الوحدة الوطنية. في فرنسا، الرئيس فرنسوا هولاند، الرئيس «العادي»، نجح في لحظة اسقاطات سياسية استثنائية. السؤال هل تتحول هذه اللحظة الاستثنائية الى منهج متكامل ينهض به شعبياً، أم تنتهي في ساحة «الجمهورية»؟

في طرابلس، نجح الطرابلسيون وخصوصاً في جبل محسن، في حصر ارتدادات الجريمة لإرهاب «داعش». كان يمكن لمثل هذه الجريمة الإرهابية في وقت آخر أن تشعل الحرب من جديد بين فقراء طرابلس. الوعي الشعبي ونضوج متشكل على وقع الحروب السابقة منع اشتعال حرب مذهبية خطيرة. هدف «داعش» منها اختراق طرابلس التي أثبتت قبل اليوم أنها ليست حاضنة للإرهاب والإرهابيين، وإنما هي مجتمع معتدل يريد العيش بكرامة. لا شك أيضاً أن حالة الحوار فرضت قواعدها وحالت دون تحول هذا الإرهاب الى حرب يعشّش التطرف وينمو في قلبها.

لا شك أيضاً أن وزير الداخلية نهاد المشنوق عرف كيف يقفز فوق الفراغ الرئاسي ويكون على قدر التحدي، وأن يجعل من حضوره في «جبل محسن» خطوة الى الأمام في تحويل الغضب المحلي الى غضب وطني يحصّن بدلاً من أن يشعل النار.

«داعش» أثبت في باريس وفي طرابلس، أنه قادر على الضرب بقسوة وبأساليب لا رحمة فيها. «داعش» سيتابع حربه بأساليب جديدة وسيضرب في أمكنة غير متوقعة، ليس في فرنسا ولبنان فقط، وإنما في أي مكان آخر من العالم. لا شك أن «داعش» سيفرض مفاجآته، سواء في مواقع جرائمه أو في أسلحته أو حتى في ضحاياه. لا شيء يمنع «داعش» من استهداف الجوامع والكنائس والمدارس والتجمعات التجارية والاحتفالات العادية لإشعال الحروب المذهبية والدينية. هذا «التحدي الداعشي» يتطلب استراتيجية جديدة، عمادها وحدة الأجهزة الأمنية الداخلية سواء في فرنسا أو لبنان وغيرهما من جهة، وتعاون كل الأجهزة الأمنية العالمية مع بعضها بعضاً.

كل هذا مهم. الأهم في الاستراتيجية المحلية والدولية المضادة الدفاعية والهجومية على السواء، العمل على اقتلاع «داعش» من سوريا والعراق بسرعة، لأن كل يوم حرب جديد هناك ولادة «داعشيين» جدد. الحرب ضد «داعش» فيهما، تتطلب خططاً أكثر تطوراً وأكثر انفتاحاً على معالجة الأسباب التي أطلقت هذا «الوحش» القاتل. لم يعد من الممكن ترك حرب «الكفن ضد الكفن» مستمرة في سوريا ولا في العراق. «داعش» ينمو ويتوحش في مستنقع الدماء الذي يتسع ويتعمّق خصوصاً في سوريا. لا يمكن أن يُفرَض على السوريين التعايش مع الأسد الذي قَتَلَ منهم 200 ألف وهجّر الملايين وأرجع سوريا عشرات السنوات الى الوراء، وجعل منها «ولاية» إيرانية و«قاعدة لروسيا» بحجة المقاومة، في حين أنه يقاتل من أجل البقاء الى الأبد.

سؤال كبير يجتاح فرنسا. لماذا غاب باراك أوباما عن باريس والعالم؟ هل يخاف من الانخراط في الحرب ضد الارهاب، علماً ان الإرهاب «الداعشي» ضرب أمس في باريس وغداً في أي عاصمة يختارها بما فيها واشنطن؟ هل خاف أن يقول له هولاند، امتناعك عن ضرب الأسد بعد الكيماوي أوصلنا الى هنا؟ وإذا كان ذلك هو السبب، فإنه سيواجه العالم كله عندما تنعقد القمة «ضد الإرهاب» التي دعا إليها في الشهر المقبل.

فرنسا وحدها لا يمكن أن تنجح في الحرب ضد «داعش». لبنان وحده لا يمكنه أن ينجح، وهو الحلقة الأضعف في هذه الحرب، خصوصاً وأن الفراغ الرئاسي يساهم في رفع منسوب الخوف والقلق من الانهيار الشامل، وان الحدود اللبنانية مفتوحة مع سوريا على الحربَين «الداعشية» و»الأسدية»!

http://www.almustaqbal.com/v4/Article.aspx?Type=NP&ArticleID=645929

السابق
بالفيديو: لماذا بكى قصي خولي وهرب من الكاميرا ؟
التالي
علم فلسطين ونشيدها الوطني يردّان على أستراليا في أرضها