«داعش» يقطف ثمار «غزوة باريس»

للمرة الأولى يجتمع الخصمان اللدودان، تنظيما «القاعدة» و «الدولة الإسلامية في العراق والشام»-»داعش»، في تنفيذ عملية مشتركة.

وبالرغم من أن ملابسات هذه الشراكة المستجدة لم تتضح بعد، لكنها بالتأكيد تطرح العديد من التساؤلات حول دلالاتها وأبعادها، لاسيما أن المؤشرات كافة تدل على أن هذه العملية النادرة في طريقها إلى تغيير وجه العالم.
ولم ينجح الأخوان كواشي، وشريكهما كوليبالي، في اختراق الأمن الفرنسي وتسديد ضربة موجعة لقلب العاصمة الفرنسية وحسب، لكنهم نجحوا، سواء قصدوا ذلك أم لم يقصدوا، في القفز فوق حواجز الخلافات التي استفحلت بين «القاعدة» من جهة و «الدولة الإسلامية» من جهة ثانية، وأدت، في ما أدت إليه، إلى سيلان نهر من دماء عناصرهما في سوريا، وإلى خلق حالة من الاستقطاب والتجاذب قسمت «التيار الجهادي» في العالم إلى قسمين متعاديين.
وبينما كان الجميع يتابع أخبار التقاتل والتنافس بين الطرفين، جاءت عملية باريس لتخلط الأوراق، وتدفع باتجاه إعادة النظر في كل ما سبق. إذ كيف يمكن لتنظيمين يكاد أحدهما يكفِّر الآخر أن يشتركا في عملية واحدة؟
وكان تنظيم «القاعدة في الجزيرة العربية»، وعلى لسان مسؤوله الشرعي الشيخ حارث النظاري، قد أعلن تبنيه الضمني لعملية «شارلي إيبدو» التي نفذها شريف وسعيد كواشي، وراح ضحيتها 12 فرنسياً بينهم أربعة من أشهر رسامي الكاريكاتور، واضعاً إياها في سياق الانتقام للرسول محمد.
كذلك، أعلن شريف كواشي، في الاتصال الهاتفي الذي أجراه مع محطة فرنسية قبل مقتله، أنه يعمل لصالح «قاعدة اليمن» (فرع «القاعدة في الجزيرة العربية»)، وأنه سبق له الاجتماع مع القيادي الراحل أنور العولقي مرات عدة.
في المقابل، أجرى أحمدي كوليبالي، مختطف الرهائن في المطعم اليهودي، اتصالاً مع أحد الصحافيين، وأخبره أنه يتبع «الدولة الإسلامية»، وأنه نفذ عمليته رداً على قصف التحالف الدولي «أراضي المسلمين».
وكاد تبني «قاعدة اليمن» للعملية، بموجب بيان صادر عن قيادتها في ظل صمت من قبل قيادة «داعش»، أن يحجب الأضواء عن كوليبالي وتبعيته، لولا المفاجأة التي أعدّها الأخير، وأدت إلى تعديل الموازين. وتمثلت هذه المفاجأة بشريط فيديو تضمن مبايعة صريحة من كوليبالي لزعيم «الدولة الإسلامية» أبي بكر البغدادي، مع مشاهد خاصة بالتدريبات التي كان يقوم بها، وكيفية إعداده لسلاحه الذي نفذ فيه العملية.
والمثير للانتباه أن كوليبالي ركّز على وجود تنسيق بينه وبين الأخوين كواشي، مشيراً إلى أنه ساهم في تمويل عمليتهما من خلال إعطائهما آلاف اليوروهات، بينما أغفل شريف كواشي الإشارة إلى مثل هذا التنسيق في اتصاله مع المحطة الفرنسية. كما أغفل القيادي حارث النظاري الإشارة، في بيان التبني، إلى موضوع التحالف الدولي، حيث حصر العملية في إطار الثأر من الفرنسيين الذين أساؤوا الأدب مع الرسول، وذلك بالرغم من أن «قاعدة اليمن» أعربت أكثر من مرة عن رفضها للتحالف الدولي ودعت «المسلمين» إلى الوقوف ضده.
وبغض النظر عن مقدار مساهمة كل تنظيم بهذه العملية، وحقيقة الأهداف المباشرة لكل منهما من وراء تنفيذها، فإن العملية بحد ذاتها تعتبر تحولاً نوعياً يصب في مصلحة «داعش»، وذلك لأسباب عدّة:
أولاً، فإنّ مجرد الشراكة تعني أن «القاعدة» لم تستطع عزل «الدولة الإسلامية» ورفع الشرعية «الجهادية» عنه.
ثانياً، فإن هذه العملية تأتي بعد أسابيع من الاستنفار الذي أعلنه متحدث باسم «الدولة الإسلامية» ودعا فيه إلى استهداف «الكفار» أينما وجدوا، وبالتالي فإن شريحة واسعة من أتباع «التيار الجهادي» ستعتبر هذه العملية استجابة لتلك الدعوة، وهذا ما يشير إليه مبدئياً تصنيفهم لها ضمن عمليات «الذئاب المنفردة»، والتي تعتبر ترجمة عملية لاستنفار العدناني.
ثالثاً، فإنّ بعض تفاصيل العملية ستعطي الأرجحية لتنظيم «الدولة الإسلامية»، وخصوصاً لجهة اختفاء زوجة كوليبالي المدعوة حنان بومدين، ومن ثم الإعلان عن توجهها إلى سوريا قبل تنفيذ العملية بأيام، بينما ألقت الشرطة الفرنسية القبض على زوجة شريف كواشي للتحقيق معها، وهذا سيطرح تساؤلات حول استخفاف «القاعدة» بنساء مقاتليها وعدم الاهتمام بمصيرهن، علاوة إلى ما قد يشير إليه من وجود علم مسبق لدى قيادة «داعش» بالعملية، وهو ما أتاح لها اتخاذ التدابير اللازمة لاستقبال زوجة مبايعها.
وأخيراً، من المتوقع أن تؤدي عملية باريس إلى تداعيات دولية كبيرة، قد يكون أهمها تصعيد الحرب العالمية على الإرهاب في الدول العربية والإسلامية. وبما أن «داعش» هو التنظيم الأكثر استهدافاً في هذه الحرب فإنه سيجر له المزيد من التعاطف من قبل فصائل «الجهاد العالمي»، والذي قد يترجم في حالات كثيرة إلى انشقاق عن «القاعدة» ومبايعات له، وهذا ما حصل أمس الأول عبر إعلان عشر مجموعات في باكستان مبايعتها للبغدادي، واتفاقها على تعيين حافظ سعيد خان «أمير» منطقة أوركزاي أميراً لـ «الدولة الإسلامية» في خراسان.
وقد لا يتوقف الأمر هنا وحسب، لأن الكثيرين من أعضاء «جبهة النصرة» أو «أحرار الشام»، ذوي الميول «القاعدية» في سوريا، قد تدفعهم الحرب ضد «داعش» إلى الوقوف بجانبه، إن لم يكن مبايعته. وبالتالي، فإن ما اصطلح «الجهاديون» على تسميته بـ«غزوة باريس»، سيؤدي إلى تعزيز شرعية التنظيم «جهادياً»، وإكسابه المزيد من المناصرين والمقاتلين، بينما ستضطر الفصائل الأخرى، ومن ضمنها «القاعدة»، إلى مراقبة نفسها وهي تضمحل تدريجياً أمامه، أو المسارعة إلى المشاركة في القتال، ولكن من دون أن تكون رايتها هي الأعلى.

السابق
قضية الإمام الصدر.. مواجهة إعلامية اليوم بين «أولياء الدم» ولجنة المتابعة
التالي
قوى الامن: تم نقل عدد من السجناء من المبنى «ب» الى المبنى «د»