مسرحية «عدم» انتخاب رئيس الجمهورية مستمرّة حتّى إشعارٍ آخر

تأجلت الجلسة السابعة عشرة لانتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية إلى 28 كانون الثاني الجاري، دون علم أحد. ما عاد اللبنانيون ينتبهون إلى هذا التفصيل التافه في حياتهم. وما عاد أحد يتابع هذه المسرحية الهزيلة، ونزول النواب الفلولكلوري إلى ساحة النجمة بين حين وآخر.

ليست هي المرة الأولى التي يُعلن إرجاء جلسة السابعة عشر لانتخاب رئيس للجمهورية إلى موعد آخر في 28/1/2015. سبق وأُرجئت جلسات عدة لهذا الغرض، ليبقى الفراغ سيّد المنصب والقصر الجمهوري، فيما الشلل يملأ بدوره المؤسّسات والدوائر الرسميّة.

اللافت والمثير للدهشة أن المسلسل التركي الطويل وهو التأجيل المستمرّ منذ ثمانية أشهر لم يُحدث أيّ ضجّة في الشارع اللبناني، ولم يحرك غيرة نوابنا العظام المتزعمين على الكراسي بغير إرادة الشعب، ولا أي مرجع قانوني لطرح الأسباب المانعة لهذا الاستحقاق المتأخر أصلاً.

أما بالنسبة إلى الناس، فقد باتوا مقتنعين بأن تعيين المواعيد لا يعني أكثر من إجراء روتيني… ريثما تنضج طبخة البحص على نار “الخارج” غير المجهول، ويتبلّغ المسؤولون والقادة والمتزعّمون نبأ إطلاق سراح الاستحقاق الرئاسي.

والغريب في الأمر أن نوّابنا العظام وحتى شعبنا العظيم، يعلمون علم اليقين أن “الأمر” ليس ملكهم إطلاقاً. فالشعب صامت صمت مفجع على انتهاك حُرَم القانون والدستور، وكرامته أيضاً، ولكن يبدو أنهم باتوا مقتنعين ومتعوّدين على عدم وجود رأس هرم الدولة، ما دام “السنّة” و”الشيعة” متفقين، أو على أبواب الاتفاق، وطبعاً بإيعاز من الخارج، فالبلد ماشي دون رأس وحتى دون رجلين يستطيع…
ويبدو أن المسيحيين في هذا البلد مقتنعون أن البلد لم تعد بلدهم، وأعني بذلك النوّاب ووزراء المسيحيين – والأمر يرجع إلى القوى العظمى العالمية والإقليمية، والتي هم بدورهم أولياء الأمر في لبنان ليعثوا فساداً فيه “ولا حياة لمن تنادي”!

وهنا نحن لا نبث ولا نروّج للفتن، ولكن نلفت عناية المسيحيين إلى أمر مهم وهو: كما يحق للمسلمين المجيء برئيس مجلس للوزراء ورئيس مجلس للنوّاب، يحقّ لهم أن ينصّبوا رئيساً للدولة، وإلا على العيش المشتبك السلام وهو من زمان. ولا بدّ من نهاية للحالة الشاذة التي تُدعى “الفراغ الرئاسي”.

أما عن النوّاب السادة، فكالعادة وفي كلّ جلسة مقرّرة، ولكن هذه المرّة مختلفة وتنمّ عن مدى شجاعتهم وتصميمهم للوصول إلى انتخاب رئيس للدولة. قاموا من فراشهم، تحدّوا البرد القارس، استحموا على عجل وفطروا، الساعة تقارب الحادية عشرة، حان وقت الانتقال إلى ساحة النجمة. وانطلقوا لأداء واجبهم الدستوري.

والجدير بالذكر أنه قبل ساعات أو يوم من موعد الجلسة أُوهم اللبنانيون أن انتخاب الرئيس بات قاب قوسين أو أدنى، وأن الجلسة السابعة عشرة ستكون ثابتة، بعدما ظن اللبنانيين على أنهم اتفقوا على رئيس قوي مقدام، صاحب كاريزما وعلى علاقة جيدة بكل المحاور الشرقية والغربية، ناهيك عن أنه صُنع في لبنان وسيكون تاريخي وطبعاً مع تعديل اتفاق الطائف.

وأيضاً في أجواء الحوار بين حزب الله وتيار المستقبل وعلى ذمّة رئيس مجلس النواب نبيه برّي “الحوار ميّة ميّة”، ولا تريدون أن تتفاءلوا بالخير! ولكن سرعان ما انتهت هذه المسرحية الهزيلة، الساخرة على الشعب اللبناني فقط، وتم تأجيل جلسة انتخاب رئيس الجمهورية إلى 28 من الشهر الجاري، على أمل أن تأتي “التعليمة” من الخارج ويُنتخب رئيس للجمهورية. ولا أحد يعلم وحتى نوّابنا الأبطال، ما مدى جدوى تعبهم وشقاهم، وتكبّدهم عناء اللبس والإفطار، وحتى بنزين المواصلات، ونزولهم إلى ساحة النجمة إلى مجلس النواب، وهم على علم يقين أنهم لم يحن الوقت للانتخاب ولكن لا يعلمون لماذا؟

أيها النوّاب كفاكم ضحك على ذقون هذا الشعب المسكين، المتعطش إلى فسحة أمل يضيء من خلالها ما تبقّى من هذا العمر العامر باليأس والضجر والقرف من الوضع السياسي والاقتصادي والأمني في لبنان ومحيطه البعيد البعيد، ويأمل في يوم من الأيام أن تنتهي هذه الحروب ومعها البوتقة الطائفية المذهبية علّه يستطيع أن ينأى بنفسه عن عباءة الزعيم الطائفي الفلاني وينتخب الوطني.

السابق
لقاء عون وجعجع سيتوّج الاتفاق بين الطرفين؟
التالي
الأصوليات وسِحرُ التطابق!