تعقيبا على مجزرة فرنسا الصحافية: آخر ما حرّف في الإسلام

آخر ما حرّف في الإسلام هو خطاب العنف. المتطرفون يلعبون على وتر الشعور الديني، سيستهدفون بداية الطيبين البسطاء الفقراء، شعاراتهم صوتية، أفكارهم ترداد لصدى ماض في واقع لا يقبل أصلاً الثبات.

آخر كاريكاتور رسمته مجلة ” شارلي يبدو” كان بالأمس وبالدم هذه المرة. لكنه قد يكون الأصدق والأكثر واقعية من كل ما سبق ونشرت. إنها ببساطة الفضيلة الوسط بين رذيلتين، فضيلة قد تتحول في لحظة غادرة إلى تطرف أو عنف في حال بالغنا في استخدامها. وقد تتحول إلى شحّ أخلاقي في حال تراخينا بل وتجاهلناها. فالوجه الحسن أو المنظر البديع لا يختلف عن القبيح إلا في تناسق الأجزاء مع بعضها البعض أي توازنها بشكل تبعث الراحة في النفس والابتهاج في العين وهو ما يطلق عليه جمال الشيء.
مُحترفو باريس لم يكونوا محترفين فقط. فقد ساهموا برسم آخر صور الكاريكاتور عن واقع لم يعد بمقدورنا جميعاً نحن المسلمين الفرار منه. هؤلاء الإرهابيون يظنون أنهم أصحاب الفهم الأوحد. ولا يرون الحق إلا في فعلهم. ويعتبرون الآخرين خارجين عن الملة. ويحولون المكروه إلى حرام وما أمكن تركه إلى واجب.

شارلي ابيدو
غفوة مستمرة وضياع جديد وعصبية خالدة، وإلا فما تفسير مهنية المهاجمين العالية والجلية واستخدامهم المتقن للسلاح؟ ملتصق بأجسادهم يطلقون النار منه بعناية. يسيرون بخطى ثابتة. لا يتردّدون. يحققون أهدافهم ويتحققون من أنها تحققت. طبعاً من دون نسيان الصراخ الذي لم يعد بحاجة إلى ترجمة فلقد شوه سلفاً وتفسيره بات أقرب إلى وقوع مصيبة أو حصول دمار: “الله أكبر”. يبلّغون العالم أنّ ما يفقهون به هو السلاح، صحوتهم سلاح، شرعهم سلاح، وعيهم سلاح وإيديولوجيتهم سلاح. فاشية تحكمها وتسيّرها نخبة من محتكري الحكمة المنحرفة، مرتزقة خرجوا عن الإجماع ونعتهم بالإسلاميين سيكون جريمة أيضاً تضاف إلى جرائم البشرية وتكون بمثابة فصل للواقع عن المكان والزمان.
في الملّة خواء وضياع وغربة. والديماغوجيون سيهاجمون هذا الإدعاء وسيلعبون مجدداً على وتر الشعور الديني، سيستهدفون بداية الطيبين البسطاء الفقراء، شعاراتهم صوتية، أفكارهم ترداد لصدى ماضٍ، وذلك في واقع لا يقبل أصلاً الثبات. إنّه الخيط الرفيع بين الصحوة والغفوة. والصحوة المطلوبة حضارية تعود بنا إلى لبّ الدين وجوهره الذي هو في الأصل جوهر الحياة ذاتها.

السابق
رهينة واحدة على الأقل في بلدة في شمال فرنسا
التالي
أميمة الخليل تغني الاخوين الرحباني وصباح