البوح والاعتراف

لماذا نبوح ما في داخلنا؟ لماذا لا نكون على حقيقتنا؟

ما بين البوح واللابوح مسافة ورؤيا وما بين الاعتراف واللاعتراف شيء خفي ومبهم.

نخاف ان نبوح او نعبرعن داخلنا، نخاف ان نكشف ما يدور بداخلنا.

نخاف ان تعرف الناس دواخلنا. نخاف من هذا المجتمع العربي المليء بالشكوك والاوهام.

نخاف من ان يعرف الآخر نمط عيشنا واسرارنا. لماذا تخاف المرأة من ان تبوح؟ وهل يقبل المجتمع بوحها؟ وهل يتقبل الشاب حقيقتها؟ ولماذا تخفي ماضيها وعلاقاتها؟

نحن في عالم مليء بالكذب والمظاهر، ونتوارث الجدل والنفاق ما بين جيل وآخر، ونلبس ثوب العفة والطهار سواء كنا مجتمع ندعي التدين اولا، او نعيش في وسط مجتمع محافظ.

المظاهر والنفاق ليست حكرا على مكان او مجتمع او مكان. فهو مستشر في المجتمع العربي بكثرة وخاصة اللبناني الذكوري، الشرقي، الذي يستبطن البداوة في عقله ورياح الصحراء في سلوكه. مشكلتنا اننا نكيل بمكيالين، ونقدّم امورا بمزاجية من خلال تقبلنا للقضايا الجديدة.

عندما يود الرجل الزواج بامرأة فانه يبحث في تفاصيل حياتها وماضيها وحاضرها وكل شيئ يتعلق بها واصدقائها. اتفهم ذلك واعتبر انه من حقه ان يعرف عن الشريك الآخر كل شيئ، كأن يعرف ان كانت قد احبت شخصا قبله. ولكن هل يقبل ان تعرف عنه كل شيء؟ وعن ماضيه وعلاقاته؟

ولماذا في المجتمع الشرقي يحق للشاب ان يفعل كل شيئ ونبرر له، وتختلق اعذار، اما بالنسبة للمرأة فان ثائرته تثور وتنهال عليها الاتهامات، ويمارس الاهل نمطا غريبا من عقلية.

فهم يعلمون ان ابنهم سيئ وغير مناسب للزواج احيانا ومع هذا يتمنون ان يرتبط  بفتاة مميزة  وتنطبق عليها شروط القديسين. وهم يعلمون انهم يورطون الفتاة ويدمرون مستقبلها. هنا الاهل يمارسون المكر والخداع. ويعلمون ان ابنهم رديء لا يُحتمل،  بل يفتشون عن كل صغيرة  وكبيرة من اجل معرفة تفاصيل الصهر. هنا نجد الازدواجية في التعاطي وعدم الاعتراف  وتعمية الحقائق والخديعة.

لماذا يقبل الزواج من الاجنبية فلا يفتش عن علاقاتها وسلوكها ونمط عيشها حتى لو كانت ذات ماض او انها عاشتحياتهعا بالطول وبالعرض، ولا يهمه ان كانت عذراء او ثيبا، ويسكت ولا يبوح بشيء ولا يستطيع ان يسألأها عن ماضيها الجنسي.

اما في حال اختار ابنة بلده فانه يتبجح وينظّر عن شرف وكرامة وعفة الفتاة. وعندما يريد الزواج بامرأة اخرى يشترط عليها العذرية التي بنظره دليل العفة والطهارة. ان الشرف هو الوفاء بالوعد وبالعقل وباحترام الاخر. وبعدم الاعتداء والقتل وان لا نكذب ونخدع او نسرق.

لا ادعو هنا الى الفلتان والرذيلة بل قيمة المرء وعقله وفهم الآخر. وللمرأة اقول ان الطب تطور ما ساعد على الخداع، ولان العقل العربي الشرقي يريد ذلك ويظن.. مما يضطر الفتاة للجوء الى الكذب.

فلا تجرؤالفتاة على البوح والكلام عن ماضيها لان الشاب لا يقبلها ولا يطمئن اليها. ودائما تعيش خائفة، وعند نشوب اي خلاف بينهما فانه يعيرها بماضيها وعلاقاتها، ويستهزأ باعترافها وبوحها له.لذلك لا تستطع الفتاة الاعتراف.

يمكن تفهم الفتاة وهواجسها والمشكلة في العقلية بحيث اننا منذ الصغر نتربى على ذلك ونكبر على قاعدة ان الفتاة مدانة ومتهمة في كل شيء. حتى في الموروث الشعبي والامثال نعزز روح التعاطي مع الفتاة على قاعدة ان الفتاة متهمة حتى تثبت براءتها. ما يجعل الفتاة دائما في وضعية مرتبكة وخائفة من المجتمع ونظرته لها وتحاول التماهي معه بحيث تضطر للجوء الى الكذب واخفاء تفاصيل حياتها لانه لو باحت في ما بداخلها فانها لن تتزوج ولن يقبل الشاب بها.

هنالك نسبة كبيرة ومرتفعة من الشباب العربي يردد انه لن يتزوج من فتاة كانت على علاقة مع شاب قبله ولا يتزوج بها ولكن يقبل ان تكون على علاقة معه هو. هذه ازدواجية ومنطق مشوه وعندما يريد الزواج  يبحث عن قديسة حتى تكون مضمونة ولا تعرف شيئا عن الرجل.

ويعمم المجتمع فكرة الزواج بالصغيرة ليربيها حسب هواه لانه لا يزال يعيش فكرة وهاجس ان المرأة من المحرمات ان تعشق وتحب اي كـ(حريم السلطان) ليسيطر على رغباتها. ان الفتاة خلقت لتكون بحسب رأي المجتمع مجرد جسد وأداة للرجل ليستمتع بها وجعلها وكالة للانجاب.

من هنا لا تستطيع الفتاة ان تبوح للرجل عن علاقاتها للاسباب التي ذكرناها حيث تحكم عقليتنا روح القبيلة، وعقل العشيرة، ولم نخرج منها بعد، فتضطر الفتاة للكذب وعدم الاعتراف ويقول عالم النفس فرويد ان “الانسان دائما يخفي شيئا يقلقه”.

هذا الامر صحيح وقائم على مبدأ انه عندما الانسان يخفي أمرا ما فانه يشعر بتوتر وقلق مستمر وحالته النفسية تسبب له مضاعفات جسدية.

من هنا التركيز على البوح والاعتراف كقيمة روحية وانسانية لنرتاح من عناء التفكير والارتباك والعيش بهدوء وطمأنينة. فالتزييف لا يجدي نفعا ولا يستمر طويلا سواء كان للشاب او للفتاة.

وأهمية الصراحة ووضوح العلاقة والتسامح والغفران انها ضرورية في رؤيتنا للشريك وعدم البحث والتفتيش في ملفاته الماضية واستحضار تاريخ الآخر والقناعة ان كل منا له علاقات سابقة ومتعددة، والبدء بالتعرّف على الآخر مع بدء العلاقة.

وهناك عدد من الشباب لا يستفزه ماضي المرأة بقدر ما يستفزه خداعها وكذبها واستهانتها بوعيه وعقله، فلم تكن على مستوى تطلعاته واحلامه.

من هنا تأتي اهمية البوح والاعتراف كمسالة تدخل في عمق حياتنا وصلب وجودنا الانساني.

 

 

 

 

السابق
الأصوليات وسِحرُ التطابق!
التالي
رائف بدوي تجلده السعودية بسبب حرية الرأي