إيران بين الخلافة والاقتصاد والفساد ..وموسوي

بدأت اللغة المرمزة في ايران العميقة، التي تحيك المواقف للاطراف المتواجهة وحتى المتصارعة، تكشف أسرارها ومكامنها أمام الايرانيين. فلم يعد من الممكن، اخفاء ما يحدث بعدما بانت “السكاكين الطويلة” تحضيراً لمعركة “المربع الأخير” في الحرب المصيرية، التي تشكل انتخابات رئاسة مجلس الخبراء بدايتها، ومحركها الأساسي خلافة المرشد اية الله علي خامنئي.

الأصوليون المتشددون لا يريدون خسارة السلطة والبقاء خارج العصر وتحولاته من جهة، ومن جهة ثانية لا يهمهم ماذا تريد أغلبية الشعب الايراني من حريات واسعة ومتكاملة، لاسيما أن ٥٥ في المئة من أصل ٨٠ مليون إيراني تحت سن ٣٥ سنة، أي لم يعرف بدايات الثورة ولا عاش الحرب ضد العراق، وصعد مع صعود الدولة وليس الثورة وشعاراتها.

لا أحد يمكنه تحديد متى يغادر المرشد خامنئي قيادة “السفينة” الايرانية، سواء بإرادته بسبب المرض، أو بإرادة الله. لكن من الواضح أن مسالة خلافته لم يعد الحديث عنها محرماً، حتى ولو كان ذلك بطريقة غير مباشرة وضمن الكلمات المتقاطعة للقضايا والأحداث الخلافية. من ذلك:

* العلاقة بين الشعب وموقعه من إدارة البلاد والولاية المطلقة للولي الفقيه. ففي الوقت الذي يروج المتشددون أن المرشد ولايته من الله وليس من “أصوات الشعب”، طرح الرئيس حسن روحاني، أمام ملتقى الاقتصاد الذي شارك فيه ١٥٠٠ اقتصادي مطلع الأسبوع الحالي في طهران، قضايا ومسائل اقتصادية ملحة على “الاستفتاء الشعبي”.

روحاني اعتمد في طرحه الذي يعني العودة الى الشعب تطبيق ما لم يطبق من مواد الدستور طيلة ٣٥ سنة. وقال “كوني الرئيس التنفيذي للدستور، أرغب في تأمين ظروف لازمة للعمل بها ولو لمرة واحدة، من ذلك أن نطرح مسألة مهمة ومؤثرة في حياتنا جميعاً على الشعب، ونطّلع على رأيه فيها من خلال استفتاء عام”. فانشتغل الكثيرون بالتفاصيل، ونسوا الهدف الأساسي الذي أراد روحاني التأكيد عليه، وهو: ماذا يريد الشعب وليس ماذا يقرر الولي الفقيه؟

*في قلب الصراع على الخلافة، معركة رئاسة مجلس الخبراء. السؤال لماذا يخاف المتشددون انتخاب هاشمي رفسنجاني؟

الشيخ أحمد علم الهدى، وهو من المتشددين، كشف المستور من المعلوم عندما قال “إن مجلس الخبراء ليس مشرفاً على أداء المرشد، بل مسؤولياته التدقيق في مؤهلات قيادته والتحقق منها”. ويعني هذا أنه لا يحق له عزله، مع العلم أن التدقيق في المؤهلات يقود إلى نفس النتيجة نفسها. أما الشيخ كاظم صديقي فقد ذهب إلى قلب المسالة، فاتّهم المعارضة- أنصار روحاني ورفسنجاني والإصلاحيين- بأنهم يعدون البرامج لانتخابات البرلمان ومجلس الخبراء من أجل تقويض النظام”.

أخيرا ذهب النائب في البرلمان الإيراني، جواد قدوسي، في تأطيره للحملة الى هدفها الأول وهو منع رفسنجاني من خوض معركة الخلافة باتهامه بأنه “أبرز شخصية في احتجاجات ٢٠٠٩”، وهذا الاتهام يعني ضمه إلى المتهمين بالمشاركة بما يطلق عليها “الفتنة”.

*أكثر القضايا التي أصبحت علنية هي مسألة إطلاق سراح ميرحسين موسوي والشيخ مهدي كروبي، ويبدو في قلب هذا النقاش أخطر سلاح بيد الرئيس روحاني وهو ملف الفساد. فقد تبين أن حسين موسوي يخيف الجميع، خصوصاً الذين أمسكوا السلطة من المتشددين ومراكز القوى، وعاثوا في البلاد فساداً.

عميد الأصوليين، الذي يستجدي يومياً رضا المرشد، آية الله مصباح يزدي، ليبقى في لائحة المرشحين لخلافته، قال “إن المرشد أنقذهما من الإعدام واكتفى لهما بالإقامة الجبرية. وأكمل عضو في المجلس البلدي الأنشودة بقوله إن “الفتنة كلفت طهران وحدها خسائر بلغت قيمتها 100 بليون دولار” علماً أنه لم يحرق منزل واحد خلال التظاهرات.

مير حسين موسوي تحدى، في أول رسالة له من الإقامة الجبرية، النظام؛ أي المرشد أيضاً قيامهم بتقديمه إلى “محاكمة أمام محكمة نزيهة وعادلة للرد على المزاعم الكاذبة ضدي.. ولفضح مصدر فساد واسع اجتاح بلادنا وثورتنا”. وأضاف ساخراً ممن وصفهم بـ”حفنة حمقى يعيثون خراباً في البلاد ويجدون أنفسهم في موقف لا يحسدون عليه لحاجتهم إلى إنكار تفشي الفساد في البلاد”.

وفي تصعيد نادر لم تعرفه طهران العميقة، قال موسوي”إن الفتنة والتمرد، مثلهما من نهبوا الجيوب الفارغة للفقراء والمحرومين والمظلومين، مسببين فساداً هائلاً تشهده بلادنا حالياً”. هذا الهجوم كلّف موسوي المطالبة بفرض حكم “الحد”، أي الإعدام علناً من المتشددين، لكن يبدو أن موازين القوى لم تعد تسمح بأكثر من الصراخ.
الرئيس روحاني رد على طريقته، إذ بعدما طالب ب”حل المسائل بالعقل والاعتدال”، شن هجوماً قاسياً، وضع فيه النقاط على الحروف في ملف الفساد عبر الكلام عن الأزمة الاقتصادية وحلولها أمام الملتقى الاقتصادي. فقال “إن البلاد لا يمكنها تحقيق نمو مستدام وهي في عزلة”، ثم انتقل إلى “بيت الداء” فقال “يجب مكافحة الفساد لتحقيق النهوض الاقتصادي..، لن يزدهر اقتصادنا ما دام محتكراً..، يجب أن يتخلص الاقتصاد من الاحتكارات و يشهد المنافسة. يجب تخليصه من المضاربات وأن يكون شفافاً وأن يطّلع الجميع على الإحصاءات. إذا استطعنا أن نجعل اقتصادنا شفافاً سنستطيع محاربة الفساد”.

مجمل الأفكار التي طرحها روحاني في الملتقى تتعارض كلياً مع ما تطرحه الأوساط المتشددة، التي تطلق على نفسها صفة “الثورية”، بالإصرار على الاعتماد على الإمكانات الداخلية في إطار الاقتصاد المقاوم الذي كان خامنئي قد أطلقه.

يوماً بعد يوم، يؤكد روحاني أنه لن يكون رئيساً عابراً، بل صاحب نهج تغييري معتدل من الداخل ومن قلب النظام.

 

السابق
المحكمة الدولية استأنفت جلساتها
التالي
ايران الرسمية تتضامن مع فرنسا.. واعلامها اللبناني يشمت