المذهبية الشيعية في الليالي الميلادية

شهدت كنائس لبنانية اخيراً مشاركات غير مسبوقة لهيئات شيعية نيابية وحزبية مقرونة بفرق إنشاد تقدس جُلجلة عيسى بن مريم وتقرنها، لأول مرة، بشهادة الحسين بن علي.

بلغ التأثر هذه السنة في ذكرى ميلاد السيد المسيح لدى بعض أصحاب الدولة حد المبالغة في تزيين أشجار ميلاد المخلص لتُصوب عليها كاميرات القنوات الموالية بالنقل الحي من الأبرشيات والمطرانيات المندهشة بتعاطفات لا عهد لها بها. تعاطفات لا بد انها استثارت تساؤلات احبارها حول اشكال المبادلة المتوافرة في شعائرهم وقداديسهم التقليدية عندما يحين رد مثل هذا الجميل في مناسبات عاشورائية لا عهد لهم بها؟
لقد بدت مراكز المذاهب الشيعية وبلدياتها أكثر قلقا من أي عام مضى، على سلامة الكنائس والصلبان والأيقونات. وتزايد تسقُّط المتعاطفين لأخبار اعتداءات المتطرفين عليها. وهم يرون في استمرار وجودها إستمراراً لأمنهم باعتبار ان مصدر التهديد واحد في أي إسلام ينبت التطرف تحـــــت عباءته.
واللافت أن النواب المبعوثين شرعياً وميثاقياً لتمثيل رؤساء كتلهم لا عهد لهم بصيغ المعايدات الكنسية في المناسبات المسيحية فيُعوّضون عن عجز ألسنتهم عن التعبير بالمعانقات والإبتسامات. وقد تراءى لهم في وجوه مفاتيح ناخبيهم من المسيحيين الراضين عن تمثيلهم الراهن ما يوفر لهم مكاسب ومقاولات تكاد تفيض عمّا يكسبه مفاتيح الشيعة في الإدارة الزبائنية.
هكذا تهافتت الحدود البروتوكولية وتراجعت التحسسات بعد تفرع الطوائف إلى مذاهب دينية داخل الطائفة الإسلامية وبعد أن فرضت الظروف السلطوية الحديثة التفرع السياسي داخل المذاهب المسيحية. فكان أن تلاقت حركة التمذهب الديني لدى المسلمين من أجل السلطة مع حركة التمذهب السلطوي لدى المسيحيين من أجل الدين. وأصبحت السلطة هي الغُنمُ الذي يحكم الإنفراز السياسي للمذاهب التقليدية على اختلاف دياناتها وللمذاهب المستجدة على اختلاف سياساتها خاصة ان الحجم السكاني للمذهب ايسر ضبطا جيودينيا حول مشايخه المقربين منهم واسهل تشبيكا حول مفاتيحهم. واصبح قادة المذاهب السياسية من المسيحيين أكثر إنفتاحاً على المراجع الاسلامية الراعية للمحاور الإقليمية المتواجهة. واصبحت مكة قبلة غير مقتصرة على المسلمين لتصبح طهران سنداً غير مقتصر على الشيعة.
فما هي محددات وأسباب هذا التحوُّل في التركيبة الطوائفية اللبنانية إلى التمذهب وهذا التخلع في كيانية سلطة الطائفة ومرجعيتها؟
نادراً ما أُقيمت دولة تتميز بضآلة نسبية في أحجام أقليات طائفية وجدت فيها ميزات الموقع المميّز شرق المتوسط بين القارات الثلاث الى جانب الجغرافيا الطبيعية والتضاريس التي تضمن تنوع الملاذات والمناخات والزراعات، وتضمن لها الأمن لاستقرارها. وظلّت دولة تُغري الدول القوية باستقطاب أقلياتها لتصبح محمية محميات تتمثل على أرضها القوى القريبة والبعيدة. وشكل العدد المحدود لكل من الأقليات الدينية اللائذة بها واليها، سبباً رئيسياً في رسوخ سلطة زعاماتها المدعومة من الخارج. وهذا ما أدى في ظروف إقليمية معينة إلى معارك وحروب بينها لم تنجح بإنهاء العيش المشترك بين عوامها ولكنها نجحت في ترسيخ توريث سلطة تلك الزعامات داخل بيوتاتها. ولم تشذّ عن ذلك إلاّ زعامة شيعية عنيدة صادرت الوصاية السورية حظوظها في التجدد والتوريث.
وقد أدى مرور عقدين على الإستقلال إلى تزايد أحجام الطوائف مقترناً بتزايد عروض الإستقطاب لزعاماتها: فتوافرت داخل كل من الطائفتين الإسلامية والمسيحية فرص جديدة لتعدد المذاهب المتعارضة والمسلحة وأتاح هذا الإستقطاب توسع التحاصصات بين زعماء المذاهب.
لم تُؤدّ التحالفات المستجدة بين زعامات المذاهب إلى التوافق حول اعتماد سياسات لحماية الثروات البشرية وغير البشرية لجماعاتها المُهددة بالتعطل والتهميش ولا الى سياسات تنموية تعزز من جاذبية الأسواق وتشجع على الإستثمار وتحول دون استيراد الإغراق الى اسواق الصناعة والزراعة والحرف. ودون تراجع معدلات البطالة التي باتت تطال نصف الشباب. وهنا نُشير الى ان فئة الشباب من الفئة العمرية 25-35 تقدر بما نسبته 60% من المهاجرين. (راجع تقديرات دراسة بالعينة اجرتها “الدولية للمعلومات” وردت في “السفير”
9 /12/ 2014 ).
وقد ورد في النشرة عينها ان النزاعات السلطوية التي تُرهب اللبنانيين جعلت حوالى 85% من الشباب يميلون إلى طلب تأشيرات الخروج من البلاد.
أجل في ظل مثل هذه التحالفات التنازعية بين القادة المتمذهبين في السلطة باتت الإستثمارات العربية الوافدة إلى لبنان تقتصر على شراء العقارات خاصة . وقد بلغ حجم عملياتها ما يقرب من السقوف القانونية لتملك الأجانب في العاصمة بيروت وفي قضاءي عاليه وبعبدا.
وفي مثل هذه الظروف بالذات يتحول 80% من نجوم الطرب اللبنانيين ليلة رأس السنة (2014 – 2015) إلى مرابع دولة الإمارات. وهذه نسبة لم يعهدها لبنان في مثل هذه المناســــــــــــبة من قــــــــبل كما اشارت الصحف عشية ذكرى الميلاد. وقد أُشير ايضا الى إقلاع أربع طائرات تركية تحمل سياحاً لبنانيين إلى اسطنبول خلال هذا اليوم بالذات. ولاحظ نقيب أصحاب المطاعم في هذه المناسبة ايضا أن الحجوزات لحفلات رأس السنة تأخرت هذا العام بسبب تحوط الزبائن من إمكانات حدوث إختلالات أمنية طارئة تمنعهم ليلة العيد من الإفادة من حجوزاتهم.

http://newspaper.annahar.com/article/203607-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B0%D9%87%D8%A8%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D9%8A%D8%B9%D9%8A%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%8A%D8%A7%D9%84%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%8A%D9%84%D8%A7%D8%AF%D9%8A%D8%A9

السابق
تعرفوا على هوية الرجل العربي الذي تواعده سيلينا جوميز
التالي
وسط بيروت في «الواشنطن بوست»